لم يكونوا حجة على الشعب حين نهبوا ثرواته و ممتلكاته.. و أفسدوا في سلطاته و مؤسساته .. ومثلوا به وبنظامه حينما كانوا يمثلونه في مختلف مواقع القيادة ومراكز القرار.. ولن يكونوا حجة له و لا عليه اليوم وهم ينهشون لحمه و لحم اليمن.. يتنكرون لخيرات البلد .. ويتطاولون على سيادة الوطن الذي اتسع لصبيانيتهم .. ويعضون اليد التي امتدت إليهم من غير سوء ... لتنتشلهم من أقبية التطرف و الشمولية و الإقصاء التي أثقلتهم بالعقد .. وزرعت في أعماقهم بذور الأنانية وفسائل الفجور .. يعلم الشعب - و ربما تعلم القيادة السياسية - أنهم ارتموا في أحضان السلطة و الحزب الحاكم بنهم للسلطة وشبق للتسلق وهوس للإثراء المشروع و غير المشروع .. و يعلم الشعب أن القيادة السياسية كانت تأمل صلاحهم وإصلاحهم ، والإفادة من القدرات الإبداعية والقيم النبيلة التي كانوا يتلفعونها زوراً.. لكن الشعب يعلم أيضاً أن القيادة السياسية أفرطت في تدليلهم وأعطتهم ما لا يستحقون من مكانة و إمكانيات و فرص.. عجزوا عن إثبات استحقاقها ومقاومة مغرياتها.. أو تجسيد أبسط قيم العفاف والطهارة التي كانوا يدعونها من قبل.. و عادوا يتنطعون بها من بعد.. يعلم الشعب أن هؤلاء الذين نهبوا قوته .. و أفسدوا حياته.. وأحبطوا كثيراً من آماله و تطلعاته في البناء و التنمية و الإصلاح و إرساء قيم العدالة والمساواة والحداثة و المدنية.. أثروا على حساب جوعه .. و تملكوا الدور والقصور و العقارات و المزارع و الشركات و الثروات الطائلة على حساب فقره.. تسلقوا المناصب والمراتب على حساب كفاءاته ومبدعيه.. وحشدوا قراباتهم وأخلاّءهم وربائبهم وتلامذة مدارسهم.. ليستحوذوا على الوظائف والمصالح و المناصب في مؤسسات الدولة التي أغرقها هؤلاء بذوي الحظوة .. وأقصوا منها و منعوا عنها و همشوا فيها أولو الاستحقاق و الكفاءة والأهلية .. حين كان الوطن بخير كانوا في صدارة من يستنزف خيره و خيراته .. و في مقدمة من يتسبب في منغصاته .. وحين كان النظام بخير كانوا أهم صناع كبواته و مشرعني زلاته و مسوغي أخطائه و هفواته .. وحين هبت العاصفة على الوطن وعلى النظام ارتعشوا وانقشعت عن جلودهم ووجوههم صبغات الولاء و ألوان النقاء و جلابيب الطهر و أقنعة البراءة .. فانكشفت الأدران و ظهر القبح و تجلى الفجور .. أشكالاً آدمية تجلد نفسها قبل الوطن .. و تنفش مسامل هلعها كالقنافذ .. وتنفث سموم عدوانيتها كالأفاعي.. نعلم و يعلم الشعب اليمني و تعلم القيادة السياسية أن هؤلاء أدركوا قبل غيرهم و أكثر من غيرهم حجم العاصفة و خطورة المؤامرة ليس لأن لديهم قدرات خارقة على قراءة المؤشرات بل لأنهم ربائب كواليس التآمر.. و لديهم خبرات و دراية وعلاقات مباشرة بمطابخ الكيد.. لكنهم لم يدركوا فداحة جرمهم .. و قبح فضيحتهم .. وسوداوية الصور التي ظهروا بها.. وهم يهربون من صف الشعب و الوطن و النظام والشرعية الدستورية إلى صف العاصفة و خندق التآمر.. ويركبون موجة الزيف التي آمنوا بقدرتها على اقتلاع ما أمامها، وتناسوا قدرة الله التي لا راد لها ، و كفروا بإرادة الشعب التي هي من إرادة الله .. أصبح الشعب يعلم - كما تعلم القيادة السياسية وكما يعلم الشباب الأنقياء - كل هذا عنهم.. وإذا كان لهذه الأزمة من إيجابية فهي أنها كشفتهم وعرتهم.. وجعلت العامة والخاصة يتداولون أسماءهم باشمئزاز أحياناً، وبسخرية و تندر أحايين.. من أركان حرب الخيانة و التمرد (علي محسن) إلى مشايخ الانقلاب (حسين وهاشم و صادق الأحمر) .. و من ثعبان التنظير (نصر طه)، إلى دهاقنة التطرف (عبدالملك منصور وحمود الهتار وابو لحوم) .. و من حملة مباخر العمالة والارتزاق (محمد قباطي ودكتور الألف ساعة فيد) ، إلى طابور المتقاعدين ومخلفات عصور الشمولية الذين لفظتهم كل الأزمنة .. ومن قاضي الفساد في مجلس تضامن (الروفلة) ، إلى مراهقي البرلمان الذين أعاقوا دوره الرقابي وتاجروا بالفساد دهراً .. وسابقوا الجميع إلى منصات البهتان و حوائط الزور ليغتسلوا من دنس الصفقات و أدران المصالح الأنانية التي شبوا و تربوا عليها .. إلى و إلى و إلى قائمة طويلة من الانتهازيين و تجار المراحل و المصالح و المواقف .. نعم أصبح الشعب يعرف هؤلاء وأمثالهم و أتباعهم و من هم على شاكلتهم بسيماهم و أسمائهم وصفاتهم .. ومثلما لم يكونوا رقما صحيحاً ثابتاً في أية خانة من الخانات التي دلفوها و تنقلوا بينها و ظهروا من خلالها بألوان وأشكال وجلابيب وأردية مختلفة .. فإنهم ليسوا اليوم - ولن يكونوا غداً ولا بعد غد - إلاَّ كسوراً عبثية لا محل لها من أية معادلة صحيحة لا في الداخل و لا في الخارج .. بعد أن أعلنوا عن أنفسهم أفاعي راقصة و هوام تجيد التلون و التنقل بين الجحور .. و إن كان ثمة وزن أو حضور أو أثر لهم في العاصفة المدلهمة والموجة الصاخبة و الحرائق المشتعلة ، فليس سوى ذلك الغبار المتطاير .. والفقاعات المتلاشية .. والدخان الذي يعلن عن نفسه - حين يتصاعد - بأنه إحدى مخلفات مادة احترقت وانتهت .. وقد انتهى هؤلاء .. و مثلهم ستنتهي الأزمة و تنقشع الغمة وتندحر المؤامرة بإذن الله تعالى ، ثم بإرادة شعب عظيم يدوس بأقدامه الثابتة اليوم على رأس كل ثعبان .. و يلتف حول إرادته وسيادته و قيادته وشرعيته الدستورية ، غير آبهٍ بفحيح الأفاعي و نعيق الغربان و أبواق الدجل وسدنة التآمر وحفاري القبور و الخنادق وطهابيش الفوضى ..