إسقاط طائرة تجسس حوثية في شقرة بمحافظة أبين    قبل قيام بن مبارك بزيارة مفاجئة لمؤسسة الكهرباء عليه القيام بزيارة لنفسه أولآ    تأجيل مباريات الخميس في بطولة كرة السلة لأندية حضرموت    القوات المسلحة الجنوبية تحبط هجوما للقاعدة في أبين    السكرتير السابق للشيخ الزنداني يكشف مفاجأة عن تصريحه المتداول حول ''عودة الخلافة'' في 2020    دراسة: اقتصاد العالم سيخسر 20% بسبب التغيرات المناخية    عن العلامة اليماني الذي أسس مدرسة الحديث النبوي في الأندلس - قصص رائعة وتفاصيل مدهشة    وفاة مواطن وجرف سيارات وطرقات جراء المنخفض الجوي في حضرموت    المهندس صعتر و جهاد الكلمة    أضرار مادية وخسائر بشرية بسبب الفيضانات شرقي اليمن وإغلاق مدينة بالكامل    ترحيل آلاف اليمنيين من السعودية    ريال مدريد يثأر من مانشستر سيتي ويتأهل إلى نصف نهائي أبطال أوروبا    ركلات الترجيح تحمل ريال مدريد لنصف نهائي الأبطال على حساب السيتي    ليلة للتاريخ من لونين.. وخيبة أمل كبيرة لهالاند    نعيبُ جمهوريتنا والعيبُ فينا    أهلي جدة: قرار رابطة الدوري السعودي تعسفي    حراس الجمهورية تجبر ميليشيا الحوثي التراجع عن استهداف مطار المخا    الكشف عن استحواذ جماعة الحوثي على هذه الإيرادات المالية المخصصة لصرف رواتب الموظفين المنقطعة    الحوثيون يضربون سمعة "القات" المحلي وإنهيار في اسعاره (تفاصيل)    آية تقرأها قبل النوم يأتيك خيرها في الصباح.. يغفل عنها كثيرون فاغتنمها    فضيحة قناة الحدث: تستضيف محافظ حضرموت وتكتب تعريفه "أسامة الشرمي"    غرق شاب في مياه خور المكلا وانتشال جثمانه    بن بريك يدعو لتدخل إغاثي لمواجهة كارثة السيول بحضرموت والمهرة    "استيراد القات من اليمن والحبشة".. مرحبآ بالقات الحبشي    حضرموت تستعد للاحتفاء بذكرى نصرها المؤزر ضد تنظيم القاعدة    "ليست صواريخ فرط صوتية"...مليشيات الحوثي تستعد لتدشين اقوى واخطر سلاح لديها    ثلاث مساوئ حوثية أكدتها عشرية الإنقلاب    فيديو اللقاء الهام للرئيس العليمي مع عدد من كبار الصحفيين المصريين    دوري ابطال اوروبا ... ريال مدريد يطيح بمانشستر سيتي ويتأهل لنصف النهائي    مأساة إنسانية: صاعقة رعدية تُفجع عائلتين في تعز    اليمن: الكوارث الطبيعية تُصبح ظاهرة دورية في بعض المحافظات الساحلية، ووزير سابق يدعو لإنشاء صندوق طوارئ    على رأسهم مهدي المشاط ...ناشطة حوثية تدعو إلى كسر الصمت حول قضية السموم الزراعية في اليمن    رافقه وزيري العمل والمياه.. رئيس الوزراء يزور محافظة لحج    دراسة حديثة تحذر من مسكن آلام شائع يمكن أن يلحق الضرر بالقلب    انس جابر تعبر الى ثمن نهائي دورة شتوتغارت الالمانية    استقرار أسعار الذهب عند 2381.68 دولار للأوقية    مفاجأة صادمة ....الفنانة بلقيس فتحي ترغب بالعودة إلى اليمن والعيش فيه    محافظ المهرة يوجه برفع الجاهزية واتخاذ كافة الإجراءات الاحترازية تحسبا للمنخفض الجوي    وفاة وإصابة 162 مواطنا بحوادث سير خلال إجازة عيد الفطر    أبناء الجنوب يدفعون للحوثي سنويا 800 مليون دولار ثمنا للقات اليمني    تصحيح التراث الشرعي (24).. ماذا فعلت المذاهب الفقهية وأتباعها؟    10 أشخاص ينزحون من اليمن إلى الفضاء في رواية    مصير الأردن على المحك وليس مصير غزة    من هم الذين لا يدخلون النار؟.. انقذ نفسك قبل فوات الأوان    باريس سان جيرمان يرد ريمونتادا برشلونة التاريخية ويتأهل لنصف نهائى دورى الأبطال    نيابة استئناف الامانة تتهم 40 من تجار المبيدات والأسمدة بارتكاب جرائم بيئية وتعريض حياة الناس للمخاطر    الكشف عن آخر تطورات الحالة الصحية للفنان عبدالله الرويشد    ارنولد: انا مدين بكل شيء ل كلوب    خطة تشيع جديدة في صنعاء.. مزارات على أنقاض أماكن تاريخية    وللعيد برامجه التافهة    السيد الحبيب ابوبكر بن شهاب... ايقونة الحضارم بالشرق الأقصى والهند    ظهر بطريقة مثيرة.. الوباء القاتل يجتاح اليمن والأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر.. ومطالبات بتدخل عاجل    أبناء المهرة أصبحوا غرباء في أرضهم التي احتلها المستوطنين اليمنيين    وزارة الأوقاف تعلن صدور أول تأشيرة لحجاج اليمن لموسم 1445ه    تراث الجنوب وفنه يواجه.. لصوصية وخساسة يمنية وجهل وغباء جنوبي    تأتأة بن مبارك في الكلام وتقاطع الذراعين تعكس عقد ومرض نفسي (صور)    تخيل أنك قادر على تناول 4 أطعمة فقط؟.. شابة مصابة بمرض حيّر الأطباء!    النائب حاشد: التغييرات الجذرية فقدت بريقها والصبر وصل منتهاه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مؤسسات الزكاة بنية أساسية للنظام المالي الإسلامي
خطوة رائدة لتطوير خدمات أوجه الإنفاق لموارد الزكاة
نشر في 14 أكتوبر يوم 14 - 08 - 2012

يجمع علماء وفقهاء الإسلام على أن الزكاة تمثل المرتكز الأساسي للتنمية الاقتصادية من خلال ما تقدمه من حلول للكثير من المشاكل أبرزها البطالة والفقر والكوارث والديون التي عجزت الضرائب وغيرها من الوسائل المالية عن علاجها.
والإسلام يعتبر الزكاة هي الطهارة والنماء والبركة ، قال الله سبحانه وتعالى :« خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» (سورة التوبة : 103 )، وقال تعالى: [قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا]. أي طهرها من الآثام.
وفي معنى النماء والبركة جاء قوله تعالى: [وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُضْعِفُونَ].. ويقال زكا الزرع يزكو زكاة إذا نما وكل شيء ازداد فقد زكا وزكت النفقة إذا بورك فيها وفلان زاك أي كثير الخير..وبمعنى المدح قوله تعالى: [فلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ].
والزكاة في الشرع جزء معلوم من مال معلوم إلى مستحقيه عبادة لله وطاعة وتزكية للنفس والمال والمجتمع، ودليل ذلك قول الله عز وجل: (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) [سورة المعارج : 25-24] ، ولذلك فهي ليست هبة أو منّة من الغنِىِّ على الفقير ، ولقد وضع الفقهاء الأحكام والمبادئ التي تضبطها، وأحيانا يطلق عليها صدقة، فالزكاة صدقة، وليس كل صدقة زكاة، والزكاة صدقة فرضية.
كما يؤكد الفقهاء أن الحكمة من مشروعية الزكاة تربية روحية وأخلاقية، وتحقق الضمان الاجتماعي، وتساهم في تحقيق التنمية الاقتصادية ، وتحفظ العزة السياسية للمسلمين.
والزكاة فريضة بالكتاب والسنة والإجماع ، ودليل ذلك قوله الله سبحانه وتعالى : « إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ » (سورة التوبة : 60 )..ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه عندما بعثه إلى اليمن، : فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم ) . ( رواه أحمد ) .
ولقد أجمع الفقهاء من السلف والخلف على فرضيتها كما طبقت حتى يومنا هذا بدون نكير من أحد منهم، والزكاة ركن من أركان الإسلام وشرط دخوله، فقد قال الله سبحانه وتعالى : ( فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ) (سورة التوبة: 5) وقوله عز وجل (وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ، الَّذِينَ لاَ يُؤْتُونَ الزَّكَاة)َ سورة فصلت67 ، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: " بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا "( متفق عليه )، والزكاة حق الفقراء والمساكين ، وفى هذا يقول الله سبحانه وتعالى :(وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ)( سورة المعارج : 25-24.
وجاءت الزكاة مقترنة بالصلاة في أكثر من 83 موضعاً بالقرآن الكريم، وهي عبادة مالية، يتقرب بها المسلم إلى الله عز وجل وشكر على نعمه ورزقه، ويجب استشعار ذلك عند إخراجها من خلال النية الخالصة الصادقة.
ويبين ديننا الإسلامي الحنيف أن الزكاة حولية أي تدفع في نهاية السنة باستثناء الزروع والثمار والركاز، وللزكاة مصارف محددة من قِبَلَ الله عز وجل ، كما ورد في قوله سبحانه وتعالى:( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) [التوبة : 60].
ويؤكد العلماء أنه لا تقادم في الزكاة فهي دين الله عز وجل ، وإن مات المسلم وعليه دين زكاة فلابد أن يسدد قبل توزيع الميراث، ويتعهد الورثة بأدائه قبل دفنه، ولا ثنية في الزكاة ، أي لا تدفع الزكاة عن المال مرتين في نفس الحول، ولا تفرض زكاتين على نفس المال فى الحول الواحد، ولا تهرب ولا تحايل من أداء الزكاة لأنها عبادة ومن موجباتها الإخلاص، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أعطاها مؤتجراً فله أجره ، ومن منعها فإنا آخذوها وشطر ماله ، عزمة من عزمات ربنا ، لا يحل لمحمد ولا لآل محمد منها شيئا " ( رواه أحمد ) .
مسؤولية تحصيل الزكاة..
وبحسب العلماء فإن الزكاة من مسئولية الحاكم حيث يتولى تحصيلها وإنفاقها فى مصارفها الشرعية ، ودليل ذلك قول الله تبارك وتعالى : " الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ المُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ " (سورة الحج : 41 ).
ويشير العلماء إلى أن الزكاة تعالج مشكلة البطالة من خلال أن الزكاة تحث على العمل بأنها لا تعطى للقادر على العمل ولا تعطي للغنى ولقد رفض رسول الله صلى الله عليه وسلم إعطاءها لأحد الأنصار حيث وَجَدَه قادراً على العمل وهيأ له فرص العمل، وعلى ولي أمر المسلم مسؤولية توفير فرص العمل وإعداد وتدريب العاملين ، وأساس ذلك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم :
{فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ، والإمام راع وهو مسؤول عن رعيته} ، ولا يجوز أن تعطى الزكاة للقادر على العمل حتى لا تحوله إلى متسول.. مؤكدين أن الزكاة تعطى للفقراء لتحولهم إلى طاقة إنتاجية، كما يمكن استخدام جزء من الحصيلة في إنشاء مشروعات استثمارية ليعمل فيها الفقراء العاطلون، وصدق الله العظيم القائل: (فإما يأتينكم منى هدى، فمن تبع هداي فلا يضل ولا يشقى ، ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا) ( طه : 123 ) .
مؤسسات الزكاة
ونظرا لأهمية الزكاة في تحقيق تنمية اقتصادية في المجتمع والأحكام الدقيقة التي يتضمنها الركن الثالث من أركان الإسلام فإن العلماء يرون أهمية إنشاء بيت أو مؤسسة خاص بالزكاة ليسهم في خدمة فريضة الزكاة والعمل الخيري بزيادة وتميز من تنمية موارد الزكاة والخيرات وإنفاقها في مصارفها الشرعية بأعلى مستوى من الكفاءة والتميز، وتطوير وتنويع خدمات أوجه الإنفاق لموارد الزكاة والخيرات.
ويعتبر تأسيس بيت الزكاة خطوة رائدة لإحياء ركن من أركان الإسلام وتيسير أدائه، والعمل على جمع وتوزيع الزكاة والخيرات بأفضل وأكفأ الطرق المباحة شرعاً وبما يتناسب والتطورات السريعة في المجتمع واحتياجاته.
ويؤكد عدد من الباحثين والاختصاصيين أن وجود أزمة ثقة بين المكلفين بأداء فريضة الزكاة في اليمن وبين القائمين على تحصيلها يؤدي إلى تدني تحصيلها .. لافتين إلى وجود العديد من المشاكل التي تواجه الدولة في تحصيل الزكاة ومنها المشكلات التشريعية الموجودة في القانون وكذلك المشكلات الإدارية الناجمة عن أزمة الثقة بين المكلف والجهات المخولة بتحصيلها إلى جانب مشاكل تدني الوعي بها وفي آليات تحصيلها.
وعلى الرغم من النقاشات المستفيضة خلال السنوات الماضية من الجهات المعنية والإعلان عن توجه حكومي لتعديل قانون الزكاة وبما يكفل إنشاء هيئة تعنى بتحصيل الزكاة وصرفها في مصارفها المخصصة التي بينتها الشريعة الإسلامية، وأن هناك توجه لإلحاقها بوزارة الأوقاف والإرشاد باعتبارها جهة مرتبطة بالجانب الديني، إلا أن الهيئة لم تر النور بعد.
ويؤكد رئيس محكمة بلاد الروس وبني بهلول القاضي العزي علي بعكر، ضرورة العمل على إعادة الثقة بين المزكي والجهة المعنية بتحصيل الزكاة في اليمن،والتي تكاد تكون معدومة لجملة من الأسباب أهمها عدم توزيع الزكاة وفق مصارفها المحددة في الشريعة الإسلامية والتي حددت بثمانية مصارف حسب الآية الكريمة"في قوله سبحانه:«إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ» [التوبة:60].".
ولفت القاضي بعكر إلى أنه يجب إعادة النظر في قوانين وآليات الزكاة المتبعة حاليا وبما يضمن تحصيل الزكاة وتوزيعها وفق مصارفها المحددة وذلك من خلال إنشاء مؤسسة مستقلة تضم اختصاصيين وثقة وعدولاً يتولون هذه المهمة الدينية والإنسانية بكل أمانة وشفافية في تحصيل وتوزيع الزكاة التي فرضها الله تعالى رحمة لعبادة وطهرا لهم قال تعالى «خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا» .. مشيرا إلى إمكانية الاستفادة من تجارب بعض الدول الإسلامية والشقيقة في هذا المجال .
ويستعرض أستاذ المحاسبة بجامعة الأزهر الدكتور عصام أبو النصر الأهمية والمهام لإنشاء صناديق ومؤسسات الزكاة.. مبينا في هذا الصدد أن الزكاة شُرعت في السنة الثانية من الهجرة بغرض تحقيق العديد من المقاصد الروحية والأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية سواء على مستوى الفرد أو على مستوى المجتمع المسلم.
ويقول :" باعتبار أن القرآن الكريم هو الدستور الإسلامي، فقد جاء مشتملاً على القواعد الكلية والمبادئ العامة التي تحكم زكاة المال دون التعرض للجزئيات، فأخضع الأموال التي كانت معروفة في صدر الدولة الإسلامية، وهي الذهب والفضة، والزروع والثمار، والخارج من الأرض، لزكاة المال وحدد مصارفها. وترك أمر تحديد الشروط الواجب توافرها في هذه الأموال، ونصابها، ومقدار الواجب فيها، وغير ذلك مما أجملته السنة القولية والعملية لتتولى بيانه :« وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ » (النحل: 44)".
ويضيف :" يقع أمر تحصيل وصرف الزكاة على ولي الأمر، حيث يقول الحق تبارك وتعالى: « الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ المُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ »(الحج: 41)، ولذا فقد قاتل أبو بكر الصديق رضي الله عنه مانعي الزكاة وقال قولته المأثورة : " والله لو منعوني عقال بعير كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه".
ويؤكد الدكتور أبو النصر ضرورة إنشاء وتنظيم هيئات ومؤسسات تتولى أمر تحصيل وإنفاق الزكاة في مصارفها الشرعية بكفاءة وفاعلية باعتبارها من المقومات أو الأركان الأساسية لنظام الزكاة.
ويستعرض بعض نماذج من الهيئات والمؤسسات المستقلة التي تتولى ذلك في العالم العربي، مثل صندوق الزكاة بدولة الإمارات العربية المتحدة وبيت الزكاة في دولة الكويت وصندوق الزكاة في قطر. وفي المملكة العربية السعودية تتبع مصلحة الزكاة والدخل وزارة المالية. كما أنشأت بعض البنوك (كبنك فيصل الإسلامي المصري) صناديق للزكاة .
وحول مقومات التطبيق المعاصر لنظام الزكاة يشير إلى أن تطبيق نظام الزكاة في الوقت المعاصر قائم على أركان ثلاثة، وهي وجود مجتمع مسلم يمتثل وينقاد لأوامر الله سبحانه وتعالى ويستشعر بأن الزكاة ركن من أركان الإسلام وأنها عبادة، وأنه لا فرق بين الزكاة والصلاة، وبأن لها مقاصد تعود على المُزكي وعلى الفقير وعلى المجتمع .
ويقول :" من هنا نفهم سر اهتمام الرسول عليه الصلاة والسلام والخلفاء الراشدين من بعده ببناء المجتمع المسلم، و وجود حكومة إسلامية تُطبق شرع الله، وفي ذلك يقول الحق تبارك وتعالى :« الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ المُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ» (الحج: 41)".. مبينا أن رسول الله عليه الصلاة والسلام كان يتولى بنفسه إرسال العاملين على الزكاة ومحاسبتهم.
وفي قصة أبو بكر الصديق وقتاله لمانعي الزكاة وقوله : " والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة "، وقوله: " والله لو منعوني عقال بعير كانوا يؤدونه إلى رسول الله لقاتلتهم عليه " . أكبر دليل على أهمية ودور الحكومة الإسلامية في تطبيق نظام الزكاة، وكذا إنشاء هيئات ومؤسسات تتولى أمر تحصيل وصرف الزكاة، إذ لا يمكن تطبيق نظام الزكاة بدون وجود هيئة أو مؤسسة تتولى أمر تحصيل وإنفاق الزكاة.
العاملون عليها
ويؤكد الدكتور أبو النصر أن قيام الحكومة بتولي أمر تحصيل وإنفاق الزكاة من شأنه أن يحفظ لمستحقي الزكاة كرامتهم، كما أن ضعف الوازع الديني لدى بعض المكلفين يتطلب وجود جهة ذات سلطان تتولى إلزامهم بدفع الزكاة .. لافتا إلى أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يهتم اهتماما كثيراً باختيار الجباة ولقد ورد عنه قوله صلى الله عليه وسلم: " العامل على الزكاة كالغازي في سبيل الله حتى يرجع إلى أهله".
وفي ذلك يقول د. يوسف القرضاوي أن العاملين عليها بمثابة القلب الذي إذا صلح ، صلح الجسد كله، وإذا فسد فسد الجسد كله .
وحول أهمية موجبات إنشاء مؤسسات للزكاة يشير الدكتور أبو النصر إلى أن الرسول عليه الصلاة والسلام والخلفاء الراشدين من بعده حرصوا على إنشاء ودعم مؤسسة تتولى تحصيل الزكاة وإنفاقها في مصارفها الشرعية.
ويقول :" ومما يوجب إنشاء هذه المؤسسة أو البيت أو الجهة في العصر الحاضر أن وجود بيت أو جهة تتولى أمر حساب وتحصيل الزكاة، وإنفاقها في مصارفها الشرعية يُعد أحد المقومات الضرورية لتطبيق نظام الزكاة، ووجود الآلاف من الأفراد والأسر المحتاجة التي لا يستطيع الفرد المزكي التعرف عليها أو الوصول إليها إما لتعففها وإما لبعدهم عنه، ويمكن لمؤسسات الزكاة من خلال أجهزتها المتخصصة الوصول إلي هذه الأسر وتوصيل الدعم المادي والعيني لها، إلى جانب أن هناك بعض مصارف الزكاة لا يستطيع الفرد المزكي تقديرها مثل مصرف : في سبيل الله، كما أن وجود جهة تتولى تحصيل وإنفاق الزكاة من شأنه أن يعمل على تمويل الحاجات الدورية للفئات المستحقة للزكاة وهو ما لا يتحقق في ظل قيام كل مكلف بإخراج الزكاة بشكل فردي.
ويضيف " هناك الكثير من المكلفين بحاجة إلي معرفة كيفية حساب زكاة أموالهم. وتقوم هيئات ومؤسسات الزكاة بهذا الدور، وأن وجود جهة أو مؤسسة تتولى أمر الضريبة لا يغني عن وجود جهة تتولى أمر الزكاة فكلاهما ليس بديلا للآخر لاختلاف الزكاة عن الضريبة».
من جانبه يؤكد الخبير الاستشاري في المعاملات المالية الشرعية الأستاذ بكلية التجارة - جامعة الأزهر ، وعضو الهيئة الشرعية العالمية للزكاة دكتور حسين حسين شحاتة أن مؤسسات الزكاة يقصد بها بأنها كيانات قانونية تحت إشراف الدولة تتولى جمع الزكاة وإنفاقها في مصارفها المختلفة وفقاً لأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية اقتضتها ظروف التطبيق المعاصر لفريضة الزكاة ، وقد تكون في شكل صندوق أو بيت أو لجنة أو مؤسسة أو جمعية أو نحو ذلك .
وحول مشروعية إنشاء مؤسسات الزكاة يرى أن مؤسسات الزكاة تعتبر من البنيات الأساسية للنظام المالي الإسلامي في ظل الدولة الإسلامية التي تطبق شرع الله تطبيقاً شاملاً ، وتعتبر الزكاة المورد الرئيسي لسد حاجات الأفراد المحتاجين في المجتمع الإسلامي ، كما أنها الوسيلة الأساسية لتحقيق التكافل الاجتماعي، ولا يتحقق ذلك إلاّ من خلال العمل المؤسسي للزكاة حيث أن هناك كثيراً من المحتاجين لا يعلمهم الكثير من الأفراد ، وهؤلاء لا يسألون الناس إلحافا ، كما أن هناك الكثير من المصارف العامة التي تصرف فيها جزءاً من حصيلة الزكاة لا يستطيع الأفراد تقديرها مثل مصرف في سبيل الله .
ويقول الدكتور حسين شحاتة في كتابه " الموجبات الشرعية لإنشاء مؤسسات الزكاة" :" كان تطبيق فريضة الزكاة في عصر الرسول عليه الصلاة والسلام والخلفاء الراشدين من بعده عملاً مؤسسياً تقوم به الدولة، حيث كانت تجمع حصيلة الزكاة وتوزعها في مصارفها المختلفة، وكان يخصص لبيت الزكاة ميزانية مستقلة عن الميزانية العامة، وذلك لأن للزكاة موارد معينة ومصارفخاصة بها لا يجوز خلطها بالموارد والمصارف العامة الأخرى للدولة".
ويضيف :" ومما يضفى على أهمية وجود مؤسسات للزكاة أن جزءاً من حصيلة الزكاة يحصل موسمياً مثل زكاة الزروع والثمار ، وجزءاً آخراً يحصل في نهاية الحول، وهذا الحول يختلف من مكلف لأخر فقد يكون هجرياً أو ميلادياً، في حين أن حاجات الأفراد والمجتمع والتي يتم تمويلها من خلال حصيلة الزكاة مستمرة طوال العام وهذا كله يستلزم إنشاء مؤسسات للزكاة تتولى جمعها من الأفراد في مواعيدها ثم يقوم بتوزيعها على مصارفها الشرعية خلال العام".
وبحسب الدكتور شحاته فإن الكثير من المسلمين يحتاجون إلى من يحثهم على دفع الزكاة بكافة السبل والوسائل والطرق ، ويعاقب من يمتنع عن الأداء شرعاً ، ومنهم من يحتاج إلى من يساعده في حساب تلك الزكاة ، وهذا كله يتطلب وجود مؤسسات للزكاة تحت إشراف ولى الأمر والمؤسسات الشعبية التي يدخل في مقاصدها أعمال البر.
ويقول :" من المبررات السابقة يتبين ضرورة وأهمية إنشاء مؤسسات الزكاة لأن في ذلك تطبيقاً لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولتحقيق التكافل الاجتماعي في المجتمع ،ولإمكانية سد حاجات مستحقي الزكاة طوال العام، ولإمكانية تمويل بعض الحاجات العامة التي غالباً ما يغفل عنها الأفراد" .
ويرى أن مؤسسات الزكاة تتولى مهمة جمع الزكاة من المكلفين بأدائها وتوزيعها على مصارفها المختلفة التي حددها الله عز وجل في كتابه الكريم إعداد سجلات للمكلفين بأداء الزكاة من الأفراد والشركات وغيرهم حتى يتسنى للعاملين على الزكاة الاتصال بهم لحساب وتحصيل الزكاة منهم، وإعداد سجلات لمستحقي الزكاة حتى يمكن توزيع حصيلة الزكاة عليهم، والمعاونة في حساب زكاة الأفراد والشركات في ضوء قواعد وأسس محاسبة الزكاة والنماذج المصممة لذلك من خلال المحاسبين والخبراء في حساب الزكاة، وتحصيل الزكاة من المكلفين بأداء الزكاة حسب أنواع الأموال والأنشطة الخاضعة للزكاة في ضوء اللوائح التنفيذية لذلك.
كما تتولى تلك المؤسسات توزيع حصيلة الزكاة على مصارفها الشرعية في ضوء فقه الأولويات الإسلامية الضروريات فالحاجيات ، وتستعين مؤسسة الزكاة في هذا الصدد بملفات مستحقي الزكاة وسجل المستحقين، والقيام بالتوعية اللازمة لحث المسلمين على أداء الزكاة في مواعيدها، ومن وسائل ذلك: الكتيبات والنشرات والمحاضرات والندوات والمؤتمرات والإعلام في الوسائل المسموعة والمرئية ونحو ذلك من وسائل الإعلام الإسلامي، وكذا القيام بكافة أعمال الخير والبر العام بما يحقق مقاصد الزكاة حسب مقتضيات العصر، والإجابة على استفسارات المسلمين بخصوص الزكاة وذلك من خلال هيئة الفتوى الشرعية، وتنظيم الدورات التدريبية المختلفة لرفع كفاءة العاملين في مجال التوعية الزكوية وفى حساب الزكاة.
وتتولى مؤسسات الزكاة أيضا نشر الفتاوى الشرعية في المسائل المعاصرة الجديدة في مجال الزكاة وذلك من خلال هيئة كبار العلماء أو الهيئة العليا لفتاوى الزكاة (الهيئة الشرعية العالمية للزكاة) ، ووضع الخطط والبرامج والميزانيات والتقارير المتعلقة بالزكاة على فترات دورية لتقدم إلى مجلس إدارة مؤسسة الزكاة لاتخاذ القرارات اللازمة .
تبعية مؤسسات الزكاة
يعتبر تحصيل الزكاة وإنفاقها في مصارفها الشرعية من مسئوليات الحاكم قال تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وتُزَكِّيِهم بِهَا) .. ويشير أستاذ المحاسبة بجامعة الأزهر الدكتور عصام أبو النصر إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بجمع وتوزيع الزكاة كما قام بذلك الخلفاء الراشدون من بعده.
ويقول :" يتعين على الحاكم أو ولي الأمر أن يتولى أمر تحصيل وإنفاق الزكاة من خلال إنشاء هيئة أو مؤسسة تتولى تنظيم ذلك، ولما كانت الكثير من دول العالم تطبق نظام الضرائب، وتنشئ لذلك الجهات المختصة بتحصيلها، وكانت الزكاة تختلف عن الضريبة من حيث مصدر التشريع والمفهوم والمقاصد والوعاء والخاضعين لها، والسعر ووقت الأداء والمصارف وغير ذلك. فإن هناك أهمية من وجود استقلال مالي لبيت الزكاة عن الدولة حتى لا تختلط أموال الزكاة بأموال الضريبة، وأن يكون لبيت الزكاة موازنة مستقلة، على أن يخضع بيت الزكاة لإشراف ورقابة شرعية من جانب هيئات الفتوى والرقابة الشرعية، ومالية من جانب مراقبي الحسابات".
ويضيف:" فيما يتعلق بتنظيم بيت الزكاة، فيمكن أن يتم إنشاء بيت مركزي للزكاة في عاصمة الدولة على أن يتبعه بيوت للزكاة فرعية في كل مدينة، والتي يتبعها أيضاً بيوت للزكاة في كافة المناطق".
ويوافقه الرأي الأستاذ بكلية التجارة بجامعة الأزهر الدكتور حسين حسين شحاتة قائلاً:" الأصل أن تكون تبعية مؤسسة الزكاة للدولة، لأن الله سبحانه وتعالى قد أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بجمع وتوزيع الزكاة ، فقال تعالى مخاطباً رسوله صلى الله عليه وسلم : ( خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا ( (سورة التوبة : 103) ، كما أنه سبحانه وتعالى لم يترك أمر توزيع الزكاة لنبي أو لرسول أو لأمر حاكم بل حددها سبحانه وتعالى في الآية الكريمة : (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) سورة التوبة 60، وتأسيساً على ذلك يعتبر ولي الأمر (الحاكم) مسئولاً عن أمر تحصيل وتوزيع الزكاة حسب مصارفها الشرعية .
ويضيف:" نظراً لضرورة فصل حصيلة الزكاة عن موارد الدولة الأخرى ، فمن الأفضل أن تكون مؤسسة الزكاة هيئة مستقلة تتبع ولى الأمر إشرافاً فقط ، ونظراً لأن الزكاة محلية حيث يتم توزيعها في البلد التي تم جمعها منها لذلك يجب أن يتم إنشاء فروع لمؤسسة للزكاة في كل وحدة جغرافية داخل المجتمع ، بمعنى أن يتم إنشاء فرع لمؤسسة الزكاة بكل منطقة يختص بجمع وتوزيع الزكاة الخاصة، كذلك يتم إنشاء فرع لمؤسسة الزكاة بكل مدينة يختص بجمع وتوزيع الزكاة بالمدينة ، ويقوم بالإشراف على فروع مؤسسات الزكاة بالقرى التابعة لها، وكذلك يتم إنشاء فرع لمؤسسات الزكاة بكل محافظة يختص بجمع وتوزيع الزكاة داخل المحافظة ويشرف على فروع مؤسسات الزكاة بالمدن ، وتشرف مؤسسة الزكاة الرئيسية على فروع مؤسسات الزكاة بالمحافظات والمدن والقرى وهكذا".
ويستعرض الدكتور شحاتة آراء بعض العلماء في مخاطر تبعية مؤسسات الزكاة المعاصرة للدولة من ناحية التحفظ على تبعية مؤسسات الزكاة للدولة ولا سيما في ظل بعض الحكومات العلمانية المعاصرة التي تطبق نظام الضرائب بسلبياته المختلفة بحجة أن تحصلْ هذه الزكاة بدون حق ويحدث فيها ظلم كما يحدث في نظم الضرائب المعاصرة ويكون في ذلك انحرافاً عن شرع الله في عملية المحاسبة والتحصيل، وأن تنفق حصيلة الزكاة في الباطل ، أي في غير مصارفها الشرعية، أو توزع على غير مستحقيها، ويتم الخلط بين موارد الزكاة والموارد الأخرى للدولة، أو يتم الخلط بين مصارف الزكاة والنفقات العامة للدولة، وبذلك لا تتحقق مقاصد الزكاة، إلى جانب عدم توافر الشروط الشخصية والفنية الواجب توافرها في العاملين على الزكاة في معظم العاملين في مصلحة الضرائب وفى وزارة المالية، كما يوجد انطباع عند أكثر الناس أن الدولة إذا تولت أمر الزكاة فسوف تحدث مشاكل متعددة النواحي كما هو الحال في معظم المصالح الحكومية، ولذلك يحجمون عن إعطاء الزكاة للدولة.
ويقول :" بسبب هذه المخاطر يرى فريق من أهل العلم والاختصاص أن يتولى أمر مؤسسات الزكاة أجهزة شعبية مستقلة تماماً عن الدولة في أعمالها التنفيذية، وتخضع لإشراف الأجهزة الرقابية الشعبية وذلك في المرحلة الأولى لحين استقرار الأمور وتزداد الثقة في الحكومات ، وهذا هو الرأي الأرجح والأفضل في تلك المرحلة.
كما يستعرض الدكتور شحاتة آراء بعض العلماء حول تبعية مؤسسات الزكاة لجهات شعبية خيرية والذين يرون أن تشجيع المسلمين من الأفراد والشركات على أداء الزكاة يقتضي أن تكون تبعية مؤسسة الزكاة لجهات خيرية شعبية يكون لها فروع في كل محافظة ومدينة وقرية، حيث تقوم هذه الفروع بمهام مؤسسات الزكاة، ويشرف على كل فرع مجلس إدارة من أهالي المكان الموجودة به وفق لوائح ونظم معينة، ويكون أداء مؤسسات الزكاة الفرعية والمركزية مستقلاً تماماً عن سلطات الدولة ، ولكن تخضع أعمالها لأجهزة الرقابة الشاملة على مؤسسات الزكاة في كل مكان.
ووفقا لأصحاب هذا الرأي تخضع جميع أعمال مؤسسات الزكاة لهيئة الرقابة الشرعية التي تطمئن من أن كافة الأعمال قد تمت وفق أحكام وقواعد الشريعة الإسلامية وفى ضوء اللوائح والنظم المنظمة.
وتأسيساً على هذا الاقتراح يكون تنظيم مؤسسات الزكاة على النحو التالي :
(1)- إنشاء هيئة مركزية خيرية للزكاة على مستوى الدولة .
(2)- إنشاء مؤسسات فرعية للزكاة تشمل مؤسسات الزكاة المركزية بالعاصمة، مؤسسات الزكاة بالمحافظة، مؤسسات الزكاة بالمدينة، ومؤسسات الزكاة بالمديريات والمناطق .
(3)- إنشاء هيئة عليا للفتوى والرقابة الشرعية على مؤسسات الزكاة على مستوى العاصمة وإنشاء هيئة رقابة شرعية للزكاة على مستوى المحافظة .
(4)- تخضع أعمال مؤسسات الزكاة للرقابة الشعبية من قبل المجالس النيابية وكذلك للرقابة المحاسبية من قبل مراقبي الحسابات .
وبحسب الدكتور حسين شحاتة فإن أهم الشروط الواجب توافرها في العامل على الزكاة ما يلي:
1 - أن يكون مسلماً مكلفاً ، بالغاً ، ذكراً ، حراً.
2 - أن يتوافر فيه صفات الأمانة والصدق والموضوعية والشفافية والعفة والمروءة.
3 - أن يكون بعيداً عن البغض والعداوة والشحناء .
4 - يجب أن يكون على مستوى المسئولية الموكلة إليه من حيث الكفاية الفنية .
5 - أن يكون حاد الذهن ، قوي النفس ، حاضر الحس ، جيد الحدس .
- ومعنى حاد الذهن : أن يتميز بالذكاء وتفهم الأمور .
- ومعنى قوي النفس : أن يكون ذا شخصية قوية ثابتة لا تميل عن الحق .
- ومعنى حاضر الحس : أن يكون فطناً ويقظاً .
- ومعنى جيد الحدس : أي على قدر كبير من القدرة على التوقع الجيد.
6 - يجب ألا يقبل من أحد هدية لأن الهدايا للعاملين على الزكاة غلول.
7 - يجب أن يكون ملماً بالنواحي الفقهية والمحاسبية المتعلقة بالزكاة.
8 - يجب أن يكون ملماً بالنواحي الإدارية والإعلامية للزكاة .
9 لخص الفقهاء الصفات الواجب توافرها في العاملين على الزكاة بصفة القوة والأمانة ... وقالوا : « إن العمل في الشئون المالية مزلة قدم، لا يثبت فيها ضعفاء الأخلاق ، ومهازيل الإيمان، الذين تزيغ أبصارهم عند أول بارقة من الدنيا ، والذين يتبعون الهوى فيما يجمعون وفيما يبصرون ، لهذا ينبغي التدقيق والتحري في كل من يتولى أمر الزكاة تحصيلا أو توزيعا أو إشرافا وخصوصا في الجهات المركزية لمؤسسة الزكاة لأنها بمثابة القلب الذي إذا صلح صلح الجسد كله وإذا فسد فسد الجسد كله.
ويقول :« يقصد بالتوصيف الوظيفي في هذا المقام الاشتراطات الوظيفية لمن يقوم بأداء عمل معين من أعمال مؤسسات الزكاة المعاصرة ، لأن لكل عمل اشتراطات معينة ، ويضيق المقام لتناول ذلك تفصيلا حيث أنه من الأعمال التنظيمية التي تعد في ضوء ظروف كل مؤسسة ، ولكن هناك اشتراطات عامة بمثابة الثوابت من أهمها التأهيل العلمي في المستويات الإدارية العليا المختلفة مدير إدارة أو رئيس قسم فيجب أن لايقل التأهيل العلمي عن شهادة جامعية مع دراسات عليا في مجال التخصص ، ومن بين المؤهلات المناسبة للعمل في هذه الوظائف على سبيل المثال ليسانس (التخصص) في الشريعة أو الدراسات الإسلامية يناسب إدارة التوعية الزكوية، وبكالريوس تجارة أو اقتصاد أو إدارة أعمال تناسب إدارات الشئون المالية والإدارية والاستثمار، ليسانس في الدعوة أو الإعلام أو الخدمة الاجتماعية، بكالريوس في الهندسة يناسب المشروعات الاستثمارية.
أما في المستويات التنفيذية فيرى الدكتور حسين شحاتة أن العامل في الزكاة يجب أن لا يقل التأهيل العلمي للموظف في هذه المستويات عن شهادة جامعية أو ما يعادلها ولا يشترط دراسات عليا، ويختار المؤهل حسب نوع الوظيفة التي سوف يشغلها الموظف، ثم تنمى معارفه الزكوية من خلال الإطلاع والدراسة والتدريب والممارسة.
ويكون العامل في الزكاة من حيث الخبرات العملية في المستويات الإدارية العليا المختلفة :يفضل من لديه خبرة من 10-5 سنوات في مجال العمل الذي سوف يشغله المدير أو رئيس القسم أولا عمل مناظرة له، وفي المستويات التنفيذية: يفضل من لديه خبرة من 5-3 سنوات في مجال العمل الذي سوف يشغله الموظف، وبالنسبة للموظفين الجدد في مؤسسات الزكاة: يلزم تهيئتهم للعمل من خلال برامج تدريبية تتضمن موضوعات عن فقه الزكاة، الدعوة الإسلامية، الإعلام الإسلامي، العلاقات العامة، محاسبة الزكاة، دراسات جدوى المشروعات الاستثمارية، المتابعة ورقابة المشروعات ونحو ذلك .
ويقول :« يجب وضع دليل إجراءات العمل الوظيفي يوضح فيه كيف تنفذ الوظائف المختلفة في مؤسسات الزكاة والذي يطور في ضوء المستجدات المحيطة».
ويرى أن إجراءات إنشاء مؤسسات للزكاة المعاصرة تنبت فكرة إنشاء مؤسسة الزكاة من جمعية خيرية أو من مسجد أو من مصرف إسلامي أو أي كيان آخر ، وتبلور الفكرة في صورة دراسة تتضمن بعض المعلومات.
ويخلص الخبير الاستشاري في المعاملات المالية الشرعية الدكتور حسين شحاتة إلى القول :« تعتبر مؤسسات الزكاة المعاصرة واقعا عمليا ملحوظا في معظم الدول العربية والإسلامية ، ولقد حققت مقاصدها الاجتماعية والاقتصادية والدعوية ، وساهمت مساهمة ملحوظة في التطبيق المعاصر للزكاة، ويجب تقديم الدعم المعنوي والمادي لها ، وكذلك حث كافة الدول العربية والإسلامية على استصدار القوانين لإنشاء العديد منها، ونأمل في القريب العاجل إنشاء المؤسسة العالمية للزكاة على منوال الهيئة الشرعية العالمية للزكاة لتقوم بدور عالمي ولاسيما في الدول القاصدة تطبيق أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية».
الآثار الاقتصادية والاجتماعية للزكاة
يقول الدكتور يوسف إبراهيم يوسف أستاذ الاقتصاد الإسلامي ومدير مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامي بجامعة الأزهر: «الأهداف التي نوه القرآن الكريم بها للزكاة، هي أهداف روحية ونفسية واجتماعية، فالله تعالى يقول "خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم» .
ويضيف :« الأثر الأول لفرض الزكاة على المسلمين إنما هو تطهيرهم، وتطهير الأموال مما عساه يكون قد شابها من شوائب، وتطهير الأبدان مما عساه أن يكون قد وقع منها أثناء جمع المال، وتزكية النفس وتخليصها من العبودية للمال، وتعويدها السماحة به، وتقديمه لله تعالى برضا كامل، وروح تهفو إلى ما عند الله تعالى، وتستجيب لأوامره وتعليماته . يصحب ذلك كله دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لمن طابت نفسه وزكت روحه وقدم حق الله وحق عباده بنفس راضية . ويتحقق من وراء هذا الدعاء سكينة النفس وانشراح الصدر، والشعور بلذة العبادة وشرف العبودية لله تعالى» .
وهذه المشاعر وتلك الأحاسيس التي تصاحب تقديم المال هي آثار نفسية وروحية تهدف إليها فريضة الزكاة، ولها في الوقت نفسه انعكاساتها على الحياة الاجتماعية والاقتصادية، وعلى سلوك الأفراد وعلاقاتهم اليومية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.