يثبت الرئيس اليمني دائما سواء من خلال مواقفه السياسية او آرائه انه صاحب حس ديمقراطي جعله ينال ثقة الكثير من المواطنين اليمنيين واحترام الطبقة المثقفة في العالم العربي وخارجه وفي اطار آرائه الاستشرافية لواقع بلاده يأتي اعلانه المفاجئ عدم نيته الترشيح للانتخابات الرئاسية العام المقبل مكتفيا بما يقارب ثلاثة عقود من التربع على عرش السلطة في اليمن. وهو بهذه الخطوة التي نفى ان تكون نتيجة ضغوط مورست عليه داخليا او خارجيا يتنازل من تلقاء نفسه وهو في قمة عطائه عن السلطة في سابقة لم يسبق ان شهدها العالم العربي لان الرئيس العربي الوحيد الذي تنازل عن السلطة هو المشير سوار الذهب الذي تنازل عنها قبل ان يتذوق طعمها في حين ان الرئيس اليمني يتنازل بعد عقود من الاضواء التي جعلت منه رجل الوحدة الاول في اليمن وباني النهضة الحديثة لها. ولعل الكثيرين داخل اليمن لن يتفهموا دواعي الرجل الموضوعية التي في مقدمتها رغبته المخلصة في ان يشاهد بنفسه التحولات الديمقراطية في بلاده كما شاهد لحظة الوحدة اليمنية وصنعها عام 1990. ولذلك فانهم سوف يحاولون ثنيه عن هذا القرار الشجاع مؤكدين ان البلاد احوج ما تكون اليه وانه لا احد يستطيع قيادتها الى ذلك من الآراء المعروفة لدى الشارع العربي الذي اتقن مجاملة السلطة والتصفيق لها ولكن من المهم ان يواصل الرئيس اليمني عزمه وينفذ قراره الشجاع لأنه بذلك سوف يخلق واقعا جديدا يتعدى اليمن في تأثيره الايجابي الى المنطقة العربية بشكل عام ويحقق للرجل من المجد ما يوازي سمعته الطيبة كصانع للوحدة اليمنية الحديثة وقد يرى بعض المتنفذين في السلطة ان استقالة الرئيس كارثة عليهم وبالتالي سيحركون الشارع كما فعلت بعض الفعاليات داخل الاتحاد الاشتراكي ايام الرئيس الراحل جمال عبدالناصر مطالبين الرئيس بعدم التنحي ولكن هذه المسألة يجب الا تثني رئيسا بحنكة وخبرة الرئيس صالح عن مشاهدة بلاده وهي تتحول بشكل سلمي نحو تداول السلطة بعد ان قطعت اشواطا كبيرة على طريق التعددية السياسية وللرجل من الرصيد السياسي والعلاقات الدولية الممتازة ما يمكنه من خدمة بلاده من اي موقع بل ان البريق الذي حققه من خلال توليه حكم اليمن لمدة 27 سنة. سيكون قليلا مقارنة مع ما سيحققه اذا توجه لخدمة الشأن العام والتعريف ببلاده ومشكلات التنمية فيها متأسيا برؤساء كبار على شاكلة الرئيس الجنوب افريقي مانديلا الذي اصبح له حضور في وسائل الاعلام اكثر مما كان له ايام سلطته التي استمرت خمس سنوات. ومن المهم ان يستشعر المسؤولون في الحزب الحاكم مسؤولياتهم التاريخية ويبحثون عن مرشح ينال ثقة الشعب والرئيس صالح ليكون مرشحهم في جو من الديمقراطية تحقق رؤى الرئيس الذي فضل التنازل عن السلطة وهو في قمة تألقه ولا يضغطون باتجاه عودته عن قراره الشجاع وسواء تمت الموافقة على تنحي الرئيس صالح عن حكم اليمن أم عاد عن قراره ورضخ لضغوط الراغبين في بقائه فانه بهذا القرار قد فتح الطريق امام رؤساء آخرين تنتظر شعوبهم بفارغ الصبر ان يتخذوا خطوة مماثلة لما اقدم عليه الرئيس اليمني بشكل طوعي فهل يحقق هؤلاء لشعوبهم رغبتها ويكتفون بالسنوات الطويلة التي امضوها في كرسي الحكم ذلك ما نأمله. نقلا عن (الوطن) القطرية