أعلن الرئيس اليمني علي عبدالله صالح تنحيه عن الرئاسة بعد سبعة وعشرين عاما من الاضواء التي جعلت منه رجل الوحدة في اليمن عام 1990 وباني نهضتها، صوره الكتاب والمحللون على انه قرار شجاع، اسوة برؤساء الجمهوريات الذين جعلوها ممالك، ولم يدخلوا في التفاصيل، بل لمحوا إلى انه قرار ومبادرة قليلة لرؤساء لا ينتهون الا بالاغتيال او النفي، فاجأ الرئيس اليمني العالم وبلهجة شجاعة وثقة متناهية، بعد السنين الطوال لفترة حكمه حين أخذ ينادي الآن بتداول السلطة، وقد حضر ابنه العقيد ركن احمد علي عبدالله صالح للخلافة بعد قرار جمهوري قضى بتعيينه قائدا لقوات الحرس الجمهوري. وجاء القرار بعد عامين من تكليفه للقيام بأعمال قائد الحرس الجمهوري، وهي القوات التي تتولى امن الرئيس اليمني. يشار الى ان العقيد الركن احمد علي عبدالله صالح كان قد تولى قيادة القوات الخاصة المكلفة بمكافحة الارهاب، وتولت في وقت سابق ملاحقة المطلوبين والخارجين على القانون، ونجحت في كثير من العمليات التي نفذتها. وقد يكون، ان لم يكن اكيدا، محاولة لتوجيه الرأي العام اليمني من موقع الانتقاد والتجريح في شخصه ونظام حكمه الى الثناء عليه والاشادة بمبادرته، فان تأكدت جدية الرئيس اليمني فستكون الخلافة لابنه، ولن نقول إنه امر خارجي ومكافأة بنجاح عملياته في مكافحة الارهاب، قد نتقهقر للانتداب الاجنبي! ففي مقابلة تلفزيونية مع الرئيس صرح بان الدولة العظمى اميركا عملت بالخلافة للابن بوش، ولكنه قال: ان ابني مواطن ويحق له ترشيح نفسه! ونقول ما فائدة التنحي ما دمت ستحضر ابنك؟! هل نقول انها مبادرة شجاعة بهذا الشكل؟. اننا بحاجة لمبادرات اكثر شجاعة وليس للمطالبة بالاصلاح بعد عقود من الزمن، وبعد ان ارهقتنا الاضواء ونريد ان نرتاح، نبدأ بالتصريحات، لن نقول ان ضغوطا كثيرة تواجه اليمن، ولكن من المؤكد ان خلافا متأزما بين السلطة والمعارضة، قد تكون المبادرة قد عملت نوعا ما من فك الاشتباك الوقتي او المسكن وليس العلاج، والوهم وليس التشخيص!. المواطن العربي لم يشهد تقدما يذكر، منذ انتهاء فترة الاستعمار، وبدأت آنذاك الاصلاحات، واعدة صادقة في اغلب الاحيان، لكنها اصطدمت بحائط صد قوي، كتم انفاس الحرية، وجمد اصول الإبداع، وجثا على صدر الامة حملا ثقيلا من الفساد والاستبداد السياسي والاداري، وهو واقع قادنا الى ما نحن فيه، من وهن، وشذوذ حضاري. في خطاب استثنائي، اعترف الرئيس اليمني علي عبدالله صالح بأن الحكام يريدون ان يطمئنوا على كراسيهم، ووصف الحاكم في الوطن العربي ب «الجمل» في التعامل معه من اجل الاصلاح، وقال «الحاكم مفروض ان نجره إلى الاصلاح لان العرب في حقيقتهم بدو ومثل الجمل اذا هاج يصعب السيطرة عليه، ولكنه اذا كان هادئا فان طفلا بامكانه ان يقوده، والحكام يريدون ان يطمئنوا على كراسيهم»، هذا ما صرح به للصحافة بعد اعلانه التنحي. لما هذا الوصف والتصريح والغضب على الحكام العرب، بعد الفترة الطويلة في كرسي الحكم كرئيس لجمهورية لها دورات رئاسية يقوم الشعب بالاختيار، ولكن ثبت العكس بانتخابات غير حقيقية؟ واذا كان فخامة الرئيس بعيدا عن تلك الجمال، عندما يتنحى عن الحكم ليجري انتخابات حرة حقيقية، ليكتشف العالم حقيقة هذه المبادرة، فقد قلنا مرارا وتكرارا ان الجمهوريات اصبحت امبراطوريات. ومن المهم ان يستشعر المسؤولون في الحزب الحاكم مسؤولياتهم التاريخية ويبحثوا عن مرشح ينال ثقة الشعب ليكون مرشحهم في جو من الديموقراطية تحقق رؤى الرئيس الذي فضل التنازل عن السلطة وهو في قمة تألقه وألا يضغطوا باتجاه عودته عن قراره الشجاع او المندس خلف رؤى لا يعيها الآخرون، وسواء تمت الموافقة على تنحي الرئيس صالح عن حكم اليمن ام عاد عن قراره ورضخ لضغوط الراغبين في بقائه، فانه بهذا القرار قد فتح الطريق امام رؤساء اخرين تنتظر شعوبهم بفارغ الصبر ان يتخذوا خطوة مماثلة لما اقدم عليه الرئيس اليمني بشكل طوعي، فهل يحقق هؤلاء لشعوبهم رغبتها ويكتفون بالسنوات الطويلة التي امضوها في كرسي الحكم دون اعطاء المجال لكل دورة رئاسية للغير ولتداول السلطة بشكل حقيقي؟ الله المستعان.. وإن الله من وراء القصد. وقفة شفافة احان الوقت لرحيل النجم عنا.. ما لكوثر الروح يئن منها.. طيور تهبط على بكارة الفيض بأجنحة الخواء.. آن للصدر ان يسترد كيميائي التائهة من صدور القلوب المطمئنة.. ألملم اشعاث امواجي المتلاطمة موجة موجة.. وخزائن روحي منهوبة.. نهبها الرحيل المرتقب تحت موقد لا ينطفئ ولو كان تحت رماد النعاس فهو متوهج يتساءل: كيف نبرأ من صومعة الوقت البليد.. كأن اسرجة الخيل امامي محملة على ظهورها امتعتها لترحل.. لو كل الاغاني والطبول تدق فرحا سيظل يلامسني ويتوسد سفاح الشواطئ غريبا منتظرا رجوعها بفرح.. اشدو بمكاشفة روعة الجمال.. تنفرد في دامس العنفوان تفاحة القلب. نقلا عن القبس الكويتية