منذ أن قرر الرئيس علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية اليمنية عدم ترشيح نفسه لرئاسة قادمة أخرى وأنا شخصياً أعيش حالة من عدم التوازن بين مصدق ومكذب، وبين حالم وعالم، وبين فرح وترح؛ لأن مثل هذا القرار لم يمر في حياة أمتنا العربية مطلقاً إلا في حالة استثنائية نادرة عندما تنحى المشير سوار الذهب عام 1985 بعد أن قاد انتفاضة شعبية في السودان وقرر تسليم مقاليد السلطة لحكومة مدنية. إن هذا القرار الذي اتخذه الرئيس طواعية وبدون ضغوط شعبية أو ضغوط خارجية، كما قال في خطابه قبل أمس أمام مجموعة من السياسيين والصحفيين يعتبر «أم المفاجآت» لأن هذا القرار التاريخي لم يشهده التاريخ العربي منذ أمد طويل، فنحن نعلم أن الحكام العرب إما أن ينتقلوا إلى جوار ربهم وهم فوق الكراسي أو يطيح بهم الشعب أو أعداء الشعب، لهذا نقول في أخبارنا دائماً: الرئيس الراحل.. أو الرئيس المخلوع، بينما جملة الرئيس السابق لم نقلها ولم يقلها التاريخ بعد، ولعل الرئيس اليمني علي عبدالله صالح سيدخل موسوعة جينس العالمية باعتباره أو رئيس عربي سابق!! لقد ذكر الرئيس صالح في قراره هذا جملة في غاية الأهمية وهي ضرورة تداول السلطة بشكل سلمي وهذا ما ذهبنا إليه عندما قلنا إن الحاكم العربي لايسمح لغيره أن يجلس على كرسي الحكم.. ولابد هنا من وضع حد لاحتكار السلطة وإفساح المجال للشعب في اختيار من يريد ومتى يريد وهذا هو التداول السلمي للسلطة وهو جوهر الديمقراطية. ولعل قول الرئيس صالح بضرورة ترك الحكم للقيادات الشابة يصب في قلب الحقيقة والحكمة والموضوعية ويذكرنا بحكمة ذلك الشيخ العجوز عندما شاهد طفله يصبغ أوراق شجرته باللون الأخضر بعد أن رآها تتساقط عندما يتحول لونها إلى اللون الأصفر.. قال لطفله «دع الحياة تتجدد» لأن الأوراق الصفراء سوف تسقط لا محالة مهما حاولت أن تصبغها باللون الأخضر.. إنها تسقط يا بني لكي تفسح المجال لغيرها من الأوراق الخضراء اليانعة والمثمرة. إن خطوة وقرار الرئيس علي عبدالله صالح خطوة جريئة وقرار حكيم.. لأنه قال لنفسه «كفاية» قبل أن يرددها ويهتف بها شعبه وقبل أن يستخدمه الآخرون ورقة للتنازلات.. وقبل أن يفرض عليه الآخرون التفريط بسيادة وحقوق اليمن وشعبه العربي الأصيل، لكن ما نخشاه أن يخرج علينا بعض «المنافقين» و«الانتهازيين» و«المستفيدين» بهتاف معتاد ومكرر وهو.. بالروح بالدم.. نفديك يا صالح.. وبهذه الطريقة الانتهازية يفسدون هذا القرار التاريخي الشجاع، حيث سمعنا ببعض الأصوات تطالب الرئيس صالح بالاستمرار في الحكم.. لكن الرئيس أوقفهم وقال: لم آت بكم هنا لمبايعتي.. وهذا عين الصواب أيها الرئيس العربي السابق. نقلا عن (الشرق) القطرية