إعلان الرئيس اليمني "علي عبدالله صالح" عدم ترشيح نفسه لولاية جديدة كرئيس للجمهورية في الانتخابات الرئاسية التي ستجرى في اليمن في سبتمبر 2006م بعد فترة حكم استمرت 27 عاما، هو بمثابة انقلاب على ثقافة الحكم في الوطن العربي، وخروج على الموروث الثقيل الجاثم على صدر الأمة العربية، ومخالف لما تعاهد عليه الحكام العرب في طريقة تخليهم عن السلطة: أي من القصر الى القبر.وإن ما أعلنه الرئيس "صالح" من أن الشعوب العربية ملّت (زهقت) من حكامها، وان الثورات قامت والانقلابات العسكرية حدثت بعد أن تمترس الحكام فوق كراسي السلطة، هو قول صحيح تؤكده كل الشواهد والأحداث التي يموج بها الوطن العربي حالياً. وكما كان متوقعاً، فقد اختلفت الآراء حول جدية هذا الاعلان المفاجىء، فهناك من يقول ان هذا الاعلان عبارة عن دعاية انتخابية مبكرة، وأن الرئيس «صالح« إذا قرر فعلاً التخلي عن السلطة فسوف يسلمها الى نجله "أحمد" قائد الحرس الجمهوري والقوات الخاصة بمكافحة الارهاب، والبالغ من العمر 36 عاماً. وهناك من يقول ان الرئيس "صالح" كان واضحا في حديثه وجاداً في العمل من أجل تطوير مسيرة العمل الديمقراطي، وعلى القوى السياسية والاجتماعية اليمنية كافة ان تتعامل مع اطروحاته بمسئولية وطنية عالية. في الوطن العربي المصاب بداء الجمود والفساد السياسي، لسنا متعودين على تداول سلمي للسلطة (أي خروج رئيس سابق وقدوم رئيس جديد)، لذا يجب ألا نستغرب ان ترتفع الدعوات والمطالبات من المنافقين والسماسرة السياسيين المستفيدين من هذا الجمود والفساد السياسي، تطالب الرئيس بالتراجع عن هذا القرار بحجة عدم وجود الشخص القادر على إدارة البلاد، وان البلاد ستخرب وتعمها الفوضى في حالة تخليه عن السلطة، ومثل هذه الدعوات ترددت ومازالت تسمع في دولة عربية كبرى. وردنا على أصحاب هذه الدعوات الباطلة هو: أنه لا يوجد إنسان مخلد، وان الغياب المفاجىء لأي شخص لأسباب خارجة عن سيطرته واردة في كل لحظة، وفي الدول المتحضرة تؤخذ هذه الاحتمالات في الحسبان، وعلى هذا الأساس هناك دائماً أشخاص معروفون جاهزون لتحمل المسئولية، لهذا تنعم الدول المتحضرة بالاستقرار والتطور، ولا يؤثر فيها غياب مفاجىء لأي مسئول ولو كان رأس الدولة، فهذه الدول تديرها وتسيرها مؤسسات دستورية شرعية تعرف كل منها واجباتها ومسئولياتها. ومن وجهة نظرنا، أنه تقع على عاتق الحكام العرب القابعين على كراسي الحكم لسنوات طويلة المسئولية الوطنية والاخلاقية في تهيئة الأجواء المناسبة للتداول السلمي للسلطة عبر تنفيذ الاصلاحات السياسية اللازمة، وتطوير مناهج التفكير المجتمعي ليأتي التغيير طبيعياً من دون حدوث اهتزازات تضر باستقرار بلدانهم ومجتمعاتهم. السؤال: هل سيصر الرئيس "صالح" على إعلانه بعدم الترشح، أم سيتراجع بسبب الاعذار التي ستخترع له من قبل الفئات الفاسدة؟ الأيام القادمة ستجاوب على هذا السؤال، ولكن بودي ان اقول للرئيس "صالح" لديك خياران، إما ان تكون مثل الرئيس "نلسون مانديلا"، الإنسان الذي تنحني له الرقاب احتراماً وتبجيلاً أينما حل لموقفه التاريخي بالتخلي عن السلطة طواعية لأشخاص يرى أنهم أكثر قدرة منه على العطاء وإدارة البلاد، فرفع بهذا الموقف الوطني من شأنه الشخصي ومكانة بلاده في العالم.وإما ان تكون مثل ذاك الرئيس العربي الذي قاد حركة التحرير والتطوير في بلاده لسنوات طويلة، ولكنه للأسف الشديد أزيح من السلطة في ليلة مظلمة وبطريقة لا تليق بعمره ولا بما بذله من جهد وتضحيات من اجل بلاده. وان السبب الرئيسي لما تعرض له ذاك الرئيس العربي من إذلال في اواخر عمره، هو معاكسته او ربما تحديه غير المنطقي لسنة الحياة، ووقوعه في اواخر عمره تحت سيطرة فئة فاسدة. فالإنسان اذا تقدم به العمر ضعفت حواسه وتكالبت عليه الامراض بحيث لا يستطيع ان يدبر ابسط امره الشخصية، فكيف يدبر ويسير امور دولة وشعب. قال تعالى: "ومنكم من يرد إلى ارذل العمر لكي لا يعلم بعد علم شيئاً". *نقلا عن أخبار الخليج البحرينية25/7/2005م