العرادة والعليمي يلتقيان قيادة التكتل الوطني ويؤكدان على توحيد الصف لمواجهة الإرهاب الحوثي    عيد العمال العالمي في اليمن.. 10 سنوات من المعاناة بين البطالة وهدر الكرامة    حكومة صنعاء تمنع تدريس اللغة الانجليزية من الاول في المدارس الاهلية    فاضل وراجح يناقشان فعاليات أسبوع المرور العربي 2025    الهجرة الدولية: أكثر من 52 ألف شخص لقوا حتفهم أثناء محاولتهم الفرار من بلدان تعج بالأزمات منذ 2014    انخفاض أسعار الذهب إلى 3315.84 دولار للأوقية    وزير الصناعة يؤكد على عضوية اليمن الكاملة في مركز الاعتماد الخليجي    حرب الهيمنة الإقتصادية على الممرات المائية..    "خساسة بن مبارك".. حارب أكاديمي عدني وأستاذ قانون دولي    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    رئيس الوزراء يوجه باتخاذ حلول اسعافية لمعالجة انقطاع الكهرباء وتخفيف معاناة المواطنين    عبدالله العليمي عضو مجلس القيادة يستقبل سفراء الاتحاد الأوروبي لدى بلادنا    هل سمعتم بالجامعة الاسلامية في تل أبيب؟    لأول مرة منذ مارس.. بريطانيا والولايات المتحدة تنفذان غارات مشتركة على اليمن    وكالة: باكستان تستنفر قواتها البرية والبحرية تحسبا لتصعيد هندي    هدوء حذر في جرمانا السورية بعد التوصل لاتفاق بين الاهالي والسلطة    الوزير الزعوري يهنئ العمال بمناسبة عيدهم العالمي الأول من مايو    حروب الحوثيين كضرورة للبقاء في مجتمع يرفضهم    عن الصور والناس    أزمة الكهرباء تتفاقم في محافظات الجنوب ووعود الحكومة تبخرت    النصر السعودي و كاواساكي الياباني في نصف نهائي دوري أبطال آسيا    الأهلي السعودي يقصي مواطنه الهلال من الآسيوية.. ويعبر للنهائي الحلم    إغماءات وضيق تنفُّس بين الجماهير بعد مواجهة "الأهلي والهلال"    اعتقال موظفين بشركة النفط بصنعاء وناشطون يحذرون من اغلاق ملف البنزين المغشوش    مثلما انتهت الوحدة: انتهت الشراكة بالخيانة    الوجه الحقيقي للسلطة: ضعف الخدمات تجويع ممنهج وصمت مريب    درع الوطن اليمنية: معسكرات تجارية أم مؤسسة عسكرية    رسالة إلى قيادة الانتقالي: الى متى ونحن نكركر جمل؟!    غريم الشعب اليمني    جازم العريقي .. قدوة ومثال    دعوتا السامعي والديلمي للمصالحة والحوار صرخة اولى في مسار السلام    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    معسرون خارج اهتمامات الزكاة    الدكتوراه للباحث همدان محسن من جامعة "سوامي" الهندية    الاحتلال يواصل استهداف خيام النازحين وأوضاع خطيرة داخل مستشفيات غزة    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    لوحة "الركام"، بين الصمت والأنقاض: الفنان الأمريكي براين كارلسون يرسم خذلان العالم لفلسطين    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    برشلونة يتوج بكأس ملك إسبانيا بعد فوز ماراثوني على ريال مدريد    الأزمة القيادية.. عندما يصبح الماضي عائقاً أمام المستقبل    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    حضرموت والناقة.! "قصيدة "    حضرموت شجرة عملاقة مازالت تنتج ثمارها الطيبة    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اليمن بين مراوحة التشريع ونكد الواقع
نشر في رأي يوم 06 - 08 - 2006

تقدم اليمن على صعيد ممارسة الحقوق السياسية والمدنية واحترام حقوق الإنسان، والتشريع لهذه الحقوق نموذجا شديد التعقيد والمفارقة والشذوذ. و مرد ذلك إلى التركيبة القبلية المعقدة والمتداخلة المصلوبة بين خشبتي الماضي والمستقبل أو لوجود الأرض اليمنية في موقع مائز يستقبل مختلف تيارات الحضارة البشرية منذ أقدم العصور ويجادل للحفاظ على ميراثه.
يلعب موقعه على طريق القوافل التجارية دورا مهما، وهو واحد من أهم واكبر ممرات العالم القديم والحديث إما لتقلبات أجوائه وطقسه الذي يتغير في اليوم أكثر من مرة وبسرعة تفوق سرعة ومقدرة وزير سليمان على نقل صرح بلقيس.
أحسست بالحيرة أو الفجيعة في آن وأنا أتصفح الشرعة الدولية لحقوق الإنسان: الإعلان العالمي والعهدين الدوليين: والبروتوكول الأول والثاني لاختياريين واللافت تصديق اليمن على العهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية وقبلت بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان أو بالا حرى أن اليمن كانت إحدى ست دول عربية شاركت في هذا الإعلان وإذا كانت اليمن الرسمية المتوكلية اليمنية قد شاركت في التحفيز وإقرار الإعلان فان المجاهد الكبير عبده علي الحكيمي رئيس تحرير صحيفة السلام كان أول من نشر الإعلان في صحيفته.وتناول مبادئه واضعا مقارنات فاجعة حقا بين هذه المبادئ وواقع الحال في اليمن المتوكلية حينها.!
إحساس بالذعر والفجيعة مصدرها سرعة اليمن ومباداءتها لتقبل مثل هذه الإعلانات والعهود الدولية ومقدرتها الفائقة على الانتقائية والتأويل لبعضها و التراتب العكسي في التعاطي مع هذه المبادئ، فالابتداء دائما بالقبول والتبني والتنصيص في الدستور على هذه المبادئ مع الحرص على اختزالها أو الإحالة فيه على القانون بما يؤدي إلى مسخها والخلاص منها.
تم التراجع في خطوة ثانية في سن تشريعات وطنية لا تتمثل هذه المبادئ والعهود بل تمثل في وجه معين، تراجعا عن مبادئ الدستور ونفسه الذي يحيل على القانون وتجئ في خطوة رابعة راجعة ( اللوائح) المفسرة التي تأخذ باليمين ما أعطى القانون بالشمال، ثم يكون التطبيق العملي هو الإجهاز نهائيا على الإقرار النظري بالكثير من القيم العظيمة التي أقرتها الشرعة الدولية والدستور نفسه.
ولنقصر تناولنا على جوانب معينة في الحقوق المدنية والسياسية والثقافية. ينص العهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية بحق كل إنسان في الحياة وفي الحرية وفي الأمن على شخصه وفي حياته الخاصة في التحرر من المعاملة القاسية أو اللاإنسانية والمهينة ومن التعذيب كما ينص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على رفض التمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي سياسيا أو غير سياسي أو الأصل الوطني أو الاجتماعي الخ.
وتنص المادة ال 18 على حرية الفكر والوجدان والدين كما تنص المادة ال 19 على حق التمتع بحرية الرأي والتعبير ويشمل هذا حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة وفي التماس الأنباء والأفكار ونقلها إلى الآخرين بأية وسيلة. ودونما اعتبار للحدود.
وإذا ما عقدنا مقارنة بسيطة وسريعة مع الدستور اليمني وهذه المبادئ التي قبلت بها الجمهورية اليمنية والتي هي الإعلان الدولي لحقوق غير قابلة للتصرف وتعتبر هذه المبادئ هي المعيار المشترك الذي تقاس به مدى ديمقراطية الشعوب وحريتها وتقدمها بل وإنسانيتها فالدستور اليمني المادة السادسة ينص على العمل بالاتفاقات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، وهي اتفاقات ملزمة أصلا ولكن التنصيص عليها في الدستور يزيد من قوة شرعيتها.
وتنص المادة ال 5 على قيام النظام السياسي للجمهورية على التعددية السياسية والحزبية، وذلك بهدف تداول السلطة سلميا وينظم القانون الأحكام والإجراءات الخاصة بتكوين التنظيمات والأحزاب السياسية وممارسة النشاط السياسي ولا يجوز استغلال الوظيفة العامة أو المال العام لمصلحة خاصة بحزب أو تنظيم سياسي معين فالإحالة إلى قانون هي سير في الاتجاه المقيد لهذه الحرية والمنتقص منها.
ثم تلي المفارقة بين النص على تداول سلمي للسلطة وممارسات قامعة لا تسمح بمجرد المشاركة الحقيقة والفعلية ليس على صعيد البرلمان والمجالس المحلية، وإنما على مستوى التنظيمات الجماهيرية ووضع كل المنظمات الجماهيرية الفاقدة الشرعية خير مثال.
وتنص المادة 27 على كفالة الدولة حرية البحث العلمي والإنجازات الأدبية والفنية والثقافية المتفقة وروح وأهداف الدستور كما توفر الوسائل المحققة لذلك وتقدم الدولة كل مساعدة لتقدم العلوم والفنون كما تشجع الاختراعات العلمية والفنية والإبداع الفني وتحمي الدولة نتائجها.
وهنا نتساءل مجرد تساؤل ما نصيب البحث العلمي من موازنة الدولة وأين هي الفرق الفنية والمسرحية التي كانت موجودة قبل عشرات السنين؟ بل أين الفرق الفنية التي كانت موجودة في المدارس الثانوية وألغيت تحت تأثير تيار الإسلام السياسي وحروب النشاط الفني والمسرحي حتى داخل الحرم الجامعي.
التقرير الوطني والحقوق: يتناول التقرير حقوق الإنسان حسب الدستور اليمني فيشير إلى المادة 48 بأنه لا يجوز القبض على أي شخص أو تفتيشه أو حجزه إلا في حالة التلبس أو بأمر توجيه ضرورة التحقيق، وصيانة الأمن وفقا لأحكام القانون، كما انه لا يجوز حرمان احد من حريته إلا بحكم من محكمة مختصة.
الملاحظ أن الفقرتين مختلفتان تماما مع العهد الدولي الخاص بالحقوق الذي صادقت عليه، ومع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي وقعت عليه، أو بالا حرى كانت إحدى دول الجامعة العربية الست المحضرة له والموقعة عليه، ومع معرفة انه في حالة تعارض التشريع الدولي مع التشريع الخاص يغلب العام، فالمادة الدستورية تضيف أو تفتح بابا للاعتقال أو بأمر توجبه ضرورة التحقيق وصيانة الأمن وفقا لأحكام القانون فهذا التزيد في القيود وفتح أبواب الاعتقال والسجون بحجة الحرص على الأمن هي الأسلوب المتبع في كل بلدان عالمنا الثالث الذي تعتبر مواطنها متهما حتى تثبت إدانته فالتهمة هي الأصل والمطلوب الإدانة.
حرية الرأي والتعبير
يشير التقرير الوطني إلى أن حرية الرأي والتعبير في اليمن لم تعد مجرد شعارات ترفع، ولا دعاوى سياسية تعلو حينا وتخفت أحيانا ولكنها أصبحت إحدى الدعائم والركائز الأساسية للنظام السياسي بعد قيام الجمهورية اليمنية في ال 22 من ايار / مايو 90 واحد المكاسب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتكفل الدولة حرية الفكر والإعراب عن الرأي بالقول والكتابة والتصوير في حدود القانون ( التقرير ص 90) ويحيل إلى المواد الدستورية والقانونية المتعلقة بذلك.
والحقيقة التي لا يمكن إنكارها أو التجادل حولها وجود هامش ديمقراطي.ومساحة لحرية الرأي والتعبير وخلافنا مع التقرير هو المبالغة في حجم مساحة الحرية التي وان كنا نتمنى بحق أن تكون إحدى الدعائم والركائز الأساسية للنظام السياسي.
والواقع أننا نواجه المبالغة في قوة ومتانة وتأثير الحريات بأكثر من إنكار وجودها، أو أن المبالغة في مساحة هذه الحرية هو الوجه الآخر لنكران وجودها وكلا الأمرين خطأ وخطيئة.
نعرف أن حرية الرأي والتعبير وليدة الأمس القريب، ونعرف أن اليمن قريبة عهد بالدكتاتورية والشمولية.
ونعرف أن أمام حرية الرأي والتعبير عوائق عدة منها الموضوعي، ومنها الذاتي فاليمن بتعبير أمين الريحاني بلد الجهل المدجج بالسلاح، تركيبتها القبلية نفي وأي نفي للمجتمع المدني الذي تعتبر الصحافة الحرة والديمقراطية رئتيه النقيتين ونعتقد أكثر أن نسبة الأمية تتجاوز ال 60% في صفوف الرجال وال 80% في صفوف النساء في حين تحتكر الدولة الصحافة المرئية والمسموعة والأخطر من ذلك كله أن عيون نيابة الصحافة والإعلام والأجهزة الأخرى مفتوحة على الآخر على المولود المشؤوم حرية الصحافة.
وإذا كان الدستور قد اقر بحرية الرأي والتعبير في حدود القانون وعلينا أن نضع خطين تحت( في حدود القانون).. وإذا كانت الصياغة الدستورية اقل مما يعطي الإعلان العالمي، والعهد الدولي الذي يعطي الحق لكل شخص في حرية الفكر والوجدان ويشمل هذا الحق حريته في تغيير دينه أو معتقده وحريته في إظهار دينه بالتقيد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم بمفرده أو مع جماعة وأمام الملأ أو على حده.
بينما تنص المادة ال 19 لكل حق التمتع بحرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفي التماس الأنباء والأفكار ونقلها إلى الآخرين بأية وسيلة ودونما اعتبار للحدود، ففي حين يمد العهد الدولي على تفاصل هذه الحرية المطلقة وغيرها لتشمل الاعتقاد والديانة فان الدستور يعمد إلى الإجمال ثم يحيل المجمل إلى تفصيل القانون، ويأتي القانون ليأخذ باليمين ما أعطى الدستور باليسار، فكيف تعاطى القانون رقم 25 لسنة 1990م بشأن الصحافة والمطبوعات ولكي نؤكد الخطر المنحدر من العهد الدولي إلى الدستور إلى القانون فإننا نشير أولا إلى المواد المجرمة في القانون والذي نعتبره من أفضل التشريعات الصحفية في اليمن منذ قيام الثورة اليمنية فما هي المواد المجرمة والقامعة في القانون في الفصل الثاني مبادئ عامة تنص المادة ال 3 على أن حرية المعرفة والفكر والتعبير والاتصال والحصول على المعلومات حق من حقوق المواطنين؟ لضمان الإعراب عن فكرهم بالقول والكتابة أو التصوير أو الرسم أو بأية وسيلة أخرى من وسائل التعبير، وهي مكفولة لجميع المواطنين وفق أحكام الدستور وما تنص عليه أحكام هذا القانون ولكن في المادة الرابعة مباشرة يضيف قيدا إلى أحكام القانون التي هي الأخرى قيدا أضافيا تضيف أن حرية التعبير متاحة في إطار العقيدة الإسلامية أو الأسس الدستورية وأهداف الثورة اليمنية وتعميق الوحدة الوطنية.
إذن نحن أمام وعد بحرية مقيدة بالعقيدة الإسلامية والدستور والقانون وأهداف الثورة اليمنية، أي ايلول / سبتمبر وتشرين الاول / أكتوبر ومسؤولية تعميق الوحدة الوطنية.
واللافت أن كل حق للصحفي يقيد مباشرة فالمادة 13 لا تجيز مساءلة الصحفي ما لم يكن فعله مخالفا للقانون والمادة 17 لا تجيز للصحفي أن يكون مراسلا لوسيلة أجنبية إلا بترخيص من وزارة الإعلام يجدد كل عامين.
وتتحدث المادة 18 عن عدم جواز فصل الصحفي أو وفق أحكام هذا القانون والأنظمة النافذة فالفصل هنا ليس مقننا بالقانون إياه بل مفتوح على الأنظمة وما هي الأنظمة النافذة المفتوحة كأبواب الجحيم.
والمادة 20 تلزم الصحفي بالتقيد بالدستور وأهداف ومبادئ الثورة اليمنية، وبما لا يتعارض مع أحكام هذا القانون والأكثر غرابة إن لم يكن فجيعة أن المادة 30 تلزم الصحفيين ومراسلي الصحف ووسائل الإعلام التقيد بالقوانين والأنظمة النافذة واحترام سيادة واستقلال البلاد، وعقيدة وشريعة وعادات وتقاليد الشعب اليمني.فالصحفي ملزم بالتقيد بالقوانين والأنظمة النافذة التي لا يعرفها، وليست محددة، وهو ملزم بمراعاة السيادة والاستقلال والعقيدة والشرعية والأخلاق والعادات والتقاليد، فكيف يتأتى للصحفي مراعاة الأخلاق والعادات والتقاليد والاعتقادات فمثلا الثأر والاختلاف وحمل السلاح والعصبيات القبلية والاحتراب عادات قبلية، وازدراء المرأة وعدم توريثها أو تزويجها خارج القبيلة تقاليد مرعية وعدم احترام هيبة الدولة تقاليد قبلية فهل إذا انتقد الصحفي مثل العادات والتقاليد يتعرض للمساءلة والعقاب؟ أما الاستقلال والسيادة والأهداف والمبادئ الثورية والعقيدة والشرعية فكمائن لا يمكن للصحفي أن يفلت منها.!
والمواد 20، 21، 22، 23، 24، 25، 26، فكلها مواد مجرمة تلزم الصحفي بشرف المهنة التي لا يعرف احد ما هو؟ وبمواثيق العمل الصحفي، وهي قيود مضافة كما تلزمه باحترام الكرامة والسمعة والحصول على المعلومات من مصادر موثوقة !!.
كما تلزمه بعدم نشر الأنباء غير الموثوقة، وعدم استغلال المهنة والمنافع الشخصية وعدم قبول الإعانات والهدايا والهبات والتبرعات، بمعنى أنها قيود بعضها فوق بعض.
أما المراسلون الأجانب فهم فوق كل ذلك ملزمون بالحصول على المعلومات بالطرق المشروعة المادة 30 الفقرة 2 ترى ما هي الطرق المشروعة وكيفية الحصول عليها؟
وتحتكر وزارة الإعلام منح الصحفيين بطاقة الامتيازات حسب المادة 10 كما تحتكر أيضا ترخيص الصحف حسب المادة 27 كما أن لها الحق في منح المراسلين المعتمدين بطاقات لها حق إلغائها المادة 31، وتحدد اللائحة التي تصدرها وزارة الإعلام شروط عمل ونشاط الصحفيين العرب والأجانب المادة 32، ويشدد القانون أو بالاحرى يضع اشتراطات لإصدار الصحف أهمها التصريح من وزير الإعلام 34، كما يشترط القانون بيان رأس المال والمجلة واسم البنك الذي تتعامل معه ويعطي القانون الحق لوزير الإعلام برفض الطلب مادة 36، وتعالج المادة 37 إلغاء ترخيص الصحيفة أو المجلة.
ويكرس الفصل للرقابة المالية على الصحف كما يعطي القانون لوزارة الإعلام الإطلاع على البيانات المالية للصحف وحساباتها وميزانيتها ومستنداتها المادة 54، واضح أن مثل هذه القيود تختصم من الحرية التي أعطاها الدستور لحرية الرأي والتعبير، كما أنها تتنافي مع العهد الدولي الذي صادقت الدولة عليه ومع الإعلان العالمي الذي التزمت به.
وجلي أن المقياس العالمي للديمقراطية في عصرنا هو استقلال وسائل الإعلام، وعدم وجود وزارة تراقب الصحافة، كما أن لها الحق في تسجيل الصحيفة فقط، وليس التصريح هو الأساس، كما أن عدم وجود قانون للأحزاب أو الصحافة هو احد المعايير للديمقراطية الحقة.
واخطر مواد القانون تحميل رئيس التحرير المسؤولية الكاملة عن كل ما ينشر في صحف الأحزاب والمنظمات الجماهيرية والإبداعية والمؤسسات الحكومية.
وهو إجراء لا يتعارض فقط مع الدستور ولا مع العهد الدولي والإعلان العالمي وإنما يتعارض أيضا مع كل الشرائع السماوية والقانونية الوضيعة التي جعلت الجريمة فردية.و بموجب هذه المادة جرجر كل رؤساء التحرير إلى المحاكم والنيابة في قضايا نشر، كما تحمل المادة 85 صاحب المطبعة ومديرها المسؤولية الكاملة عن أي مطبوع يصدر عنها مخالفا لأحكام القانون والحال أن المواد 56،57، 58، 59، تفرض على من يرغب في مزاولة مهنة استيراد وبيع وتوزيع وتداول الكتب والمطبوعات والمجلات الثقافية والمواد القرطاسية وإقامة المعارض الثقافية أن يحصل على ترخيص كتابي مسبق من وزارة الثقافة كما تعطي الحق لوزير الإعلام في المصادرة إذا تناقضت مع نصوص الدستور والواقع أن نشر الثقافة كتبا وصحفا ومجلات ومعارض حق يمتلك التصريح به السيد الوزير حتى القرطاسية.
ويفرض القانون على المطابع ودور النشر الترخيص أولا من وزارة الثقافة كما هو شأن المناشط والمؤسسات والأندية الثقافية والمعارض الفنية والمسارح والفرق الفنية، وتنص المادة 91 على عدم جواز ممارسة مهنة تصدير أو استيراد أو تأجير أو بيع أو تصوير أو عرض أو توزيع المصنفات الفنية، الأفلام السينمائية، الفيديو، أشرطة الكاسيت، وأي مصنفات فنية أخرى؟ لاحظو أي مصنفات إلا بترخيص كتابي مسبق من وزارة الثقافة وهو ما يعني الرقابة المسبقة المتعارضة مع الدستور والعهد الدولي والإعلان العالمي.
ولعل أفضل ما في القانون استثناء عروض الأحزاب حسب المادة 93، وقد أعطت المادة 40 الأحزاب والمنظمات الجماهيرية والإبداعية والوزارات والمؤسسات الحكومية الحق في إصدار صحافتها ومجلاتها بدون ترخيص كما يعطي القانون الحق لوزير الثقافة في إصدار اللوائح، والأنظمة التي تحدد شروط وبيانات منح التراخيص، فالأصل هو الحظر الذي لا يزول إلا بالرجوع إلى المسؤول في الإعلام أو الثقافة لتحديد الجواز من عدمه.
وإذا كان القانون لا يعترف نظريا بالرقابة المسبقة إلا انه في المادة 91 يطرحها بشكل مكشوف كما أن المادة 101 تحضر توزيع أي عمل مطبوع ما لم يسجل ويودع طبقا للقانون وهذه المادة نفسها قد استخدمت وتستخدم كالكمين لقراءة الصحيفة قبل توزيعها والعمل على إيقافها أو سحبها من المكتبات وقد عانت الصحافة منها الكثير والكثير.
ويتدخل الحظر والمنع حتى في الإعلان الذي يشترط له القانون صدور لائحة منظمة لمنح التراخيص بمزاولة المهنة المادة 75 ويشترط للإعلان ألا ينطوي على ما هو محظور في هذا القانون ويلتزم رئيس التحرير المسؤول بالامتناع عن نشره، المادة 74.
أما الباب الخامس فقد كرس لمحظورات النشر والسادس للأحكام الجزائية، واللافت أن اغلب الأبواب مكرسة للحظر والمنع فماذا نجد في محظور المحظورات؟ والأحكام الجزائية؟
تبدأ المادة 103 بما يلي " يلتزم كل العاملين في الصحافة المقروءة والمسموعة والمرئية، وبصفة خاصة في الإذاعة المسموعة والمرئية، وكل من صاحب الصحيفة ورئيس تحريرها المسؤول وصاحب المطبعة، ودور النشر والصحفيين بالامتناع عن طباعة ونشر وتداول ما يلي :
1 ما يمس العقيدة الإسلامية ومبادئها السامية، أو يحقر الديانات السماوية والعقائد الإنسانية.
2 ما يمس المصلحة العليا للبلاد من وثائق ومعلومات سرية أو إفشاء أسرار الأمن والدفاع عن الوطن وفقا للقانون.
3 ما يؤدي إلى إثارة النعرات القبلية أو الطائفية أو العنصرية أو المناطقية أو السلالية، وبث روح الشقاق والتفرقة بين أفراد المجتمع، أو ما يدعو إلى تكفيرهم.
4 ما يؤدي إلى ترويج الأفكار المعادية لأهداف ومبادئ الثورة اليمنية أو المساس بالوحدة الوطنية، وتشويه التراث والحضارة اليمنية والعربية والإسلامية.
لنقف أولا إزاء المادة الأولى من المحظورات لنعرف أن المحظورات يمكن لها أن تأول لتشمل كل شيء فأنت أمام محظور من العقيدة الإسلامية، ومبادئها السامية بديهي أن العقيدة ليست شيئا منضبطا أو محددا، والمبادئ السامية لكل فرقة إسلامية مبادئ تتفق وتختلف مع الفرق الأخرى، وهي عبارات عائمة وعامة يمكن أن تجعل أي اجتهاد محظور أو حراما سلفا،
و الأدهى العقائد الإنسانية فالعقائد الإنسانية أوسع من جهنم نفسها، فالبعث عقيدة إنسانية والناصرية والعالمية في تركيا والماركسية والستالينية والعبادات الوثنية والبوذية والهندوسية والخرافات والأساطير كلها عقائد إنسانية، إن كل الميثولوجيا البشرية إنسانية، فإذا حظر قانون الصحافة اليمني عدم مس العقيدة الإسلامية لا حظوا مس العقيدة الإسلامية والمبادئ السامية، أو العقائد الإنسانية ففي ماذا يجوز الحديث إذا غير الاعتصام بالحكمة البوذية " لا اسمع لا أرى لا أتكلم " وفي ضوء تشريع بهذا الشمول والتعميم فان الكلام لا يكون محرما وإنما هو كمينا وحينها لن تسكت شهرزاد عن الكلام المباح لان الكلام عن أي شيء وفي كل شيء يصبح محرما.
ما هي المصالح العليا للوطن ومن يحددها، و ما هي الأفكار المعادية لأهداف الثورة ومبادئها، بل ما هي اليوم أهداف الثورة ومبادئها، وكيف يفهم زيد الوحدة الوطنية ويفهمها عمرو؟.
والأغرب تجريم تشويه التراث؟! فلو قلت إن بلقيس خرافة لجرمك القانون، ولو قلت إن شمر يهرعش كان سفاكا ودمويا لعاقبك القانون، ولو قلت إن الفنان فلان الفلاني لا يروقك لكنت خارجا على القانون.!!
والواقع أن القانون كله إلا قليلا ينطوي على محظورات تشمل كل شيء وتطال كل شيء.
والادهى والامر أن الأحكام الجزائية المادة 104 تنص على" مع عدم الإخلال بأي عقوبة اشد في أي قانون آخر يعاقب كل من خالف هذا القانون بغرامة لا تزيد عن عشرة آلاف ريال وبالحبس لمدة لا تزيد عن سنة واحدة"، وبهذه المادة انفتح القانون الصحفي على كل القوانين العقابية الأخرى وبفضل هذه المادة حكم على الصحفيين وعلى الفقيد الكبير عبد الله سعد وأخيه عبد الجبار سعد في قضية نشر بالمنع من الكتابة وإغلاق الصحيفة والجلد والتغريم، وربما عقوبات أخرى أما المادة 106 فتجيز للمحكمة أن تقضي بإحدى العقوبات التكميلية التالية:
1 منع مزاولة مهنة الصحافة والطباعة وتداول المطبوعات وتصدير واستيراد وتأجير وبيع الأفلام السينمائية، وعروض المصنفات الفنية وغيرها من المهن المنصوص عليها في هذا القانون، ولمدة لا تزيد عن سنة.
وإذا كان ختامها مسك كما يقال إن القانون الديمقراطي نسبيا يقول بان ختامها عقاب، فالمادة 108 تجعل رئيس تحرير فاعلا اصليا لأي فعل مخالف لهذا القانون أما المادة ال 109 فتنص انه وفقا لأحكام المادة 104 كل مستورد وموزع أي مطبوع (صحيفة أو مجلة، أو أي مصنف فني أشتمل على كتابة ورمز وصور رسمية، أو طريقة أخرى من طرق التعبير نشرت في الخارج بصورة مخالفة لهذا القانون).
وتنص المادة 110 على معاقبة كل صحفي وصاحب مطبعة آو صحيفة أو دار نشر ثبت حصوله على أموال أو خدمات من جهة خارجية بقصد البلبلة والإثارة في أوساط الرأي العام.
أما المادتان قبل الأخيرة فتنص على إخضاع المكاتب ووكالات الأنباء والخدمات الصحفية والإعلامية وصالات ومكاتب الترجمة لأحكام القانون.
وتخول المادة 114 وزير الإعلام كل فيما يخص القرارات واللوائح والتعليمات المنفذة لأحكام القانون.
وحفاظا على سلامة مشاعرك وعدم تعكيرها بمواصلة السير في الخط الهابط، فإننا نترك قراءة اللوائح التنفيذية والقرارات والتعليمات التي تعرفون أنها لن تكون إلا أسوأ من النص الأول " القانون ".
أما الممارسة الفعلية فالكل يعرف انه لا توجد صحيفة لم ترفع عليها قضايا في المحاكم ولم تجرجر إلى النيابة وليس هناك رئيس تحرير لم يعاقب ويحقق معه على الأقل بسبب كونه فاعلا اصليا.
وإذا كانت الدولة تحتكر الإعلام القومي. فالصحافة الرسمية المقروءة والتلفزيون والإذاعة حكر على الدولة وحزب الحكم فما الذي يبقى؟
فلكي تصبح حرية الرأي والتعبير دعامة أساسية وركيزة من ركائزها فلا بد أن يكون من القوة والفاعلية والتأثير والاستقلالية بحيث يستطيع تلجيم وحش الفساد ويكون قوة إلزام ورأي عام غالب يؤثر في صناعة القرار ويلزم الحاكم التقيد به وعدم تجاوزه أو الخروج عليه.
إن حرية الرأي والتعبير في بلادنا ما تزال في مراحلها الباكرة وتواجه صعوبات وعوائق أخطرها عدم القدرة على التحول إلى إدارة ضغط فاعلة، فهي تواجه عوائق ذاتية وموضوعية، ففي بلد تصل الأمية فيه إلى تلك النسب المذكورة سلفا، وتسيطر الدولة على الإعلام المرئي والمسموع فان الحديث عن حرية تمثل دعامة أساسية وركيزة حديث يتسم بقدر من التفاؤل، وعدم الدقة والموضوعية.
التطبيق الفاجع
لم يكن حرص المشرع اليمني على سن القيود عبثا. ولم يكن فتحه الباب أمام العديد من العقوبات في قانون الصحافة مزاحا، فموجب المادة 104 " مع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد بأي قانون آخر يعاقب كل من خالف أحكام هذا القانون بغرامة لا تزيد عن 10 آلاف ريال أو بالحبس لمدة لا تزيد عن سنة واحدة ".
وبموجب المادة 106 يجوز للمحكمة أن تقضي بإحدى العقوبات التكميلية التالية
1 منع مزاولة المهنة والطباعة، وتداول المطبوعات وتصدير واستيراد وتأجير أو بيع الأفلام السينمائية وعروض المصنفات الفنية وغيرها من المهن المنصوص عليها في هذا القانون ولمدة لا تزيد عن سنة، فقد حكم على الأخوين سعد بالجلد وإيقاف الصحيفة والتغريم، ولا يزال محمد حسين هيثم الأمين العام لاتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين (السابق) يحاكم حتى اليوم لأنه نشر مقاطع من رواية سبق نشرها.
كما صدر حكم غرائبي يمنع الصحفي جمال عامر من الكتابة مدى الحياة.
وبموجب المادة 42 – و108 والمادة 85 وهي المواد التي تجعل رئيس التحرير فاعلا اصليا وتحمل صاحب المطبعة مسؤولية ما يصدر عن الدار بموجب المواد التي تتصادم على العهد الدولي والشرائع السماوية والقوانين الوضعية جرجر إلى المحاكم العشرات من رؤساء الصحف الحزبية والأهلية المستقلة وحتى الرسمية أحيانا كما أغلق مركز عبادي لأنه قام بطبع رواية قوارب جبلية لوجدي الأهدل الذي اتهم بدوره بالارتداد عن الدين ولم يعف عنه الأخ رئيس الجمهورية إلا بعد تدخل غونتر غراس الأديب الألماني.
وليس من المبالغة القول انه لا يوجد رئيس صحيفة حزبية أو مستقلة لم يستدع إلى النيابة وليست هناك صحيفة لم تتعرض لأثار هذه القوانين المجرمة والقامعة.
نقلا عن مجلة (المراقب العربي)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.