ركضت اليمن خلف مصطلحات عالمية رنانة، أفرزتها العولمة بشكلها الحديث مثل الانفتاح، الديمقراطية، المشاركة، الحكومة، التكنوقراطية، وغيرها من المصطلحات التي تحول تطبيقها على أرض الواقع إلى نوع من العبث السياسي والاجتماعي؛ لأن المدلول ظل غامضاً على الكثير من القادة، فتاهوا في كيفية ممارسته بشكل يسمح لهم بعدم التخلي عن الامتيازات المتوازنة التي تمتعوا بها عقوداً طويلة من الزمن، باعتبار أن إعطاء الآخر حقه في إبداء الرأي هو بشكل ضمني تنازل الطرف الأقوى عن رأيه إلى حدما. وفي ظل تنامي معضلة الفقر والفساد السياسي والمالي والإداري، وانتشار البطالة، وكل هذا الفساد والعنف السياسي والفوضى وعدم الاستقرار والانفلات الأمني الذي يجري في ظل الديمقراطية التي من شروطها تعزيز نظام الدولة السياسي ومؤسساته الشرعية وزيادة نفوذها في فرض سيادة النظام والقانون، تتوجب حماية الديمقراطية والوحدة من الذين يتخذون نظام الدولة السياسي ويعبثون بالنظام والقانون ومال الدولة العام وثرواتها، وما لم تتم تلك الحماية من الاستغلال السياسي وتحويلها إلى مجرد ديكور شكلي وقناع سياسي مزيف يلمع صورة السلطة أمام العالم، فإن الديمقراطية لن يكتب لها البقاء على قيد الحياة وهي لا تزال في طور نشأتها وكذا الحال يسري على الوحدة التي حولتها السلطة الحاكمة اليوم إلى مشروع استثماري خاص بها، لأن مشروعها الوطني السلمي وكذلك الديمقراطية التي اقترنت بتحقيقه تعرضا منذ المهد لمحاولات الاغتيال. ما يحصل اليوم في الوطن هو وجود مؤسسات جوفاء موجودة داخل المباني، لكنها خالية من المعاني، موجودة شكلاً، غائبة مضموناً، ولما كان ليس بالإمكان أن ينتقل المجتمع اليمني إلى المجتمع المدني، مجتمع العدالة، مجتمع الحقوق، وقيام الدولة الحديثة دولة المؤسسات التي تستطيع إخراج المواطن من إطار القبيلة إلى رحاب الدولة، التي يقوم بناؤها السياسي والاقتصادي والاجتماعي على أساس الدستور، كان لابد من عدة خطوات في هذا الطريق، تتمثل في بسط سلطة الدولة والقانون على كل أراضي الدولة وخلق ولاء مجتمعي بدلاً من الولاءات القبلية والعشائرية والسلالية، وإقامة تنمية شاملة ومستقلة وعادلة، لكن الملاحظ على تصرف السلطة أنها انشغلت بمسألة تأمين وتعزيز سيطرتها واستمرار تسلطها على هذا الشعب المغلوب على أمره. لقد عاش الشعب وهم الانفتاح وهو يشاهد أمامه حضارة الأسمنت ترتفع، متناسياً أن حضارة القيم تنخفض، وهنا لابد من وقفة طويلة لدراسة الوضع النفسي لهذا الانجراف وإعادة النظر حول ماهية البناء الحقيقي والمثمر، الذي يتمثل في بناء ثروة من العقول، لا بناء ثروة من الأسمنت!