إن الساحة السياسة اليمنية تشهد في الآونة الأخيرة أزمة سياسية حادة، تلك الأزمة التي تجلت بصورة واضحة في الفترة الأخيرة، وظهرت على صورة عنف داخلي وصراع سياسي.. فيها العنف السلطوي الموجة إلى المواطنين، يعد تطوراً سلبياً خطيراً على الساحة اليمنية.. وهي تستوجب اتخاذ خطوات حاسمة على أعلى المستويات لدراستها كظاهرة ومن ثم اتخاذ موقف بشأنها. فضحايا العنف والاقتتال الداخلي ليسوا فقط هم الصرعى الذين يسقطون بهذا الرصاص في ردفان والحبيلين والضالع وأبين وصعدة وفي سائر أرجاء الوطن. إن أول ضحايا هذا العنف هو صورة هذا الشعب ومستقبله.. وعندما نتكلم عن صورة الشعب الموحد فنحن لا نتكلم عن شيء مبهم الأبعاد ونحن لا نعني بالضرورة صورة هذا الشعب بمعنى منظره أمام الآخرين، بل نحن في الواقع نعني نظرة هذا الشعب إلى نفسه ونظرة أبنائه له ولأنفسهم.. فالطاقات الاقتصادية التي تهدر يمكن بشيء من التخطيط والتنسيق أن تعوض، لكن الطاقات الشابة التي تسقط والخسائر المفجعة ستبقى في الذاكرة والخيال أبد الدهور... والأدهى والأمر أن الخسارة التي تهدد كيان هذا الشعب بأسره هو ذلك الشيخ الرهيب الذي يحدث في النفسية اليمنية كلما أرتفعت حدة العنف الداخلي وأشتدت ألسنة وتوسعت دائرته.. إن الاجيال اليمنية الشابة التي ترث وضعاً مأساوياً تطورت فيه وسائل العنف الداخلي... وأجيال مفجوعة ومهددة في أمنها ومستقبلها. فلم تعد الشقة التي تفصل بين الأجيال في الوطن مبعثها اختلاف الزمن وتطور المناظير القيمية والأخلاقية فقط ولكن مبعث هذه الشقة يعود إلى أجيال الرعيل الأول تتكلم كلاماً مبهماً غير مفهوم بالنسبة للأجيال الصاعدة، فأجيال الرعيل الأول تحدثت عن الثورة والوحدة والديمقراطية وأجيال الرعيل الثاني لا ترى إلا الظلم والاستبداد والحدود والقيود وخنق الحرية.. وأجيال الرعيل الأول تحدثت عن أن الدم لا يصبح ماءً وأن لا تسيل قطرة دم يمني، بينما ترى أجيال الرعيل الثاني أن الدم اليمني هو أرخص سلعة في الوطن، وتغنت الأجيال الأولى بوحدة الهدف والمصير وحتمية الالتقاء اليمني، ولا تجد الأجيال الثانية سوى الانقسام والتمييز والتشتت والصراع والمعاناة. إن الرصاص التي يعيشها بعضنا، لا تقل عن الكبت والاحباط الذي يكابده بعضنا الآخر.. وإن الدمار النفسي الذي ينشأ فيه أطفال اليمن وهم يرون يمنيين يسقطون برصاص يمنيين، يهدد في الواقع مصير هذا الشعب ومستقبله.