بمرور الأيام تزداد المعالم اتضاحاً حول ماهية الخطاب المكرّس لترويج ثقافة العنف وإعلاء صوت الفوضى والمناطقية في بلادنا. ومع تتبع بداية نشر هذا الخطاب وتكريسه في الصحافة وبعض المحافل التلفيقية وغير الشعبية يلاحظ المراقب واحدية الوجهة وانصباب الهدف حول زعزعة الكيان الواحد وتقويض دولة الوحدة.. والمتآمرون على الوطن يرون في تحقق هذه الغايات انفتاح باب من الشر على شعب اليمن لن يستطيع إغلاقه كائناً من كان. ولأن هذا الخطاب المقيت ليس وحده في سياق المؤامرة، مع إيماننا بحتمية أن يكون - أي هذا الخطاب - بوقاً مأجوراً يقوم بدور المترجم لتطلعات عناصر التخريب ومخططاتها العدوانية.. فإن حق الشعب في قلقه على منجزاته ومكاسبه الوحدوية يقتضي من كل الجهات القانونية والتنفيذية أن تقف بصرامة ضد كل ما يجري حول المبادئ التي نافح من أجلها الشعب زمناً طويلاً وفي مقدمتها وحدته الوطنية عنوان كرامته وصمام أمان استقراره وسلامه وطريقه إلى المستقبل. والشيء المثير للاستياء في الوسط الشعبي عامة أن يصبح منطق الفتنة لغة سائدة وأسلوباً لطرح الآراء ووجهات النظر ليس حول بعض المشكلات الوطنية وكيفية إيجاد الحلول المناسبة لها بموضوعية، ولكن ما يثير الانزعاج هو جدل رخيص يطمح إلى تفكيك البنى الوطنية ونقض عُرى المودة والتلاحم والاصطفاف الواحد، وما إثارة تلك الزوابع على هذه الصورة الإجرامية التي تستعدي الوطن والمواطنين إلا غطاء شفاف لمطامع ونوايا سيئة كثيرة ترى في ركوب موجة الفوضى والشغب أسلوباً للوصول والسيطرة. وليس من سبب وراء هذا السريان المزعج لخطاب الكراهية وممارسات الإخلال بالأمن والسكينة العامة إلا استصغار همم النضال الوطني بفعل الأفق الديمقراطي المفتوح الذي أطلق ويطلق العنان لكل الرؤى لتناقش وتحلّل وتنتقد، وهو الخيار الذي أرادت به دولة الوحدة تجذير قيم الحرية والديمقراطية في نفوس المواطنين، ولكن وللأسف فقد جاء اليوم من يطال هذه المبادئ الوحدوية والحضارية والقيم والديمقراطية بالأذى في سياق خطاب تحريضي وتعبئة متواصلة ضد دولة الوحدة لكسر هيبتها ونصب العوائق أمام مسيرتها وحراستها للمكاسب الوطنية العليا. إن الجموع الوطنية اليوم لترقب بعين مدققة فاحصة كل ما تسعى إليه بعض الصحف بنشرها لأفكار مأزومة وإرشادات وآراء تأتي معاكسة وعلى النقيض من الجهود والتوجهات الوطنية، ومن هنا فإن الشعب كل الشعب يضع اليوم ما يشكل مصدراً للقلق ومبعثاً للاضطراب ولا خوف على الوحدة أمام كل من خوّله إبلاغ صوته وتحقيق تطلعاته وإدارة شؤونه من أحزاب سياسية ومنظمات مجتمع مدني وصحافة وإعلام وتوجيه وإرشاد وقانون وضبط، فالجميع بلا استثناء أمام مسؤولية وطنية جسيمة والقيام بها فرض عين على كل عاقل يجري في عروقه دم يمني، من أجل فضح كل من يسعى للإضرار بالوطن وزجّه في أتون صراعات تعيده أميالاً إلى الوراء، ومن أجل وضع حد لما يصرف الجهود عن الانشغال بمعركة الوطن الحقيقية.. معركة البناء والتنمية والإصلاحات المالية والإدارية، أو تجاوز الأزمات الخانقة والقابضة على مفاتيح التقدم والتطور المعرفي والاقتصادي، لا سيما ونحن نعيش أجواءً تبخرت فيها أموال العالم وشابت فيها اقتصادياته وهي اليوم تلملم شتات أوراقها للرحيل.