الشتاء هذه المرة على غير عاداته "الباردة" سيضعنا أمام اختبارات "نارية"، وعلى غير خطواته المتثاقلة سيسرع بنا نحو اكتشافات وتعريات جديدة في أنفسنا، وفي نسيجنا المجتمعي من خلال عدة قضايا ساخنة: *الأولى: حرب صعدة والتي لا تزال نيرانها مشتعلة حتى يومنا هذا وكما يبدو الأمر فإن جذوتها ستظل ملتهبة ولم تخمد.. إن لم تُشّخص المشكلة برؤية وطنية عن طريق الحوار والحكمة ومن ثم إيجاد المعالجات والحلول الناجعة لذلك وإنهاء الحرب بصورة نهائية ما لم ستشهد الساحة اليمنية معارك أشد من المعارك السابقة، وأكبر دليل على هذا استمرار حرب صعدة وخوض ست جولات منذ العام2004م، وكانت الجولة السادسة مستمرة إلى اليوم أشد ضراوة وأطول فترة من الجولات السابقة ناهيك عن تطورات وتعقيدات هذه الحرب وأقلمتها.. *الثانية: الحراك السياسي في الجنوب بموضوعه "الطفرة" إنتاج قضيته: مطالبه ومقاصده والتي تمثلت في البداية بالمطالبة بالشراكة الوطنية على قاعدة اقتسام عادل للثروة والحكم وتحقيق العدالة والمساواة وإعادة المسرحين قسراً من أعمالهم، وكذلك رد الأملاك المنهوبة للمواطنين كالأراضي وغيرها.. ورد الاعتبار لأبناء الجنوب.. لكن شيئاً من هذا القبيل لم يحصل بل تعاملت السلطة مع هذه المطالب كما يقول المثل "أذن من طين وأذن من عجين" بل وصل بها التسلط إلى قمع واستخدام العنف ضد كل مظاهرة واحتجاج سلمي، وهذا التصرف السلطوي أدى إلى خلق حالة تذمر شعبي واسع النطاق في أوساط الجنوبيين ورفضهم لممارسة السلطة والوقوف في وجهها بإرادة لن تنكسر مما أدى إلى رفع سقف مطالب الحراك وتصاعد أنشطته واحتجاجاته وظهرت من خلالها شعارات حادة تغيض السلطة.. ولكن نستطيع أن نقول بأن الحراك في الجنوب لا يزال سلمياً ومشروعاً ومهما رُفع سقف المطالب مادام هناك ظلم وتهميش واستبداد وفساد لذا يتطلب الأمر تدارك الأمور والاعتراف بالقضية ومن ثم إيجاد الحلول لها.. *الثالثة: حرب السلطة ضد القاعدة والتي قامت بها السلطة من خلال تنفيذ عمليات عسكرية استباقية ضد من أسمتهم بأوكار القاعدة.. وما صاحب هذه العمليات من أخطاء فادحة تسببت بسقوط العديد من الأبرياء مثل ما حدث في مجزرة المعجلة بأبين في أواخر ديسمبر من العام المنصرم وبحرب السلطة على تنظيم القاعدة في اليمن تكون هذه السلطة قد فتحت جبهة جديدة إلى جانب حرب صعدة وحراك الجنوب.. فالحرب غير مجدية في ظل هذه الأوضاع التي تعيشها البلاد حيث إنها تمر بأسوأ مراحلها التاريخية والتهويل في هذا الجانب وتصدير الأزمات يفتح الباب على مصراعيه أمام القوى الطامعة للعبث بأمن واستقرار البلاد وتحقيق مآربها الاستعمارية فالأمر يتطلب القيام بالبحث عن البدائل الناجحة لمكافحة الإرهاب كالقضاء على الأفكار الإرهابية ووأدها وهي في مهدها، والعمل على تجفيف منابعها. *الرابعة: الحوار الوطني والتي مازالت خطواته متعثرة واقفة مسدودة في الوقت الذي فيه الوطن بأمس الحاجة لمثل هكذا حوار هادف شامل يلتقي من خلاله فرقاء الحياة السياسية للبحث عن سبل وطنية تؤدي إلى انفراج سياسي ومن ثم حل مشاكل وأزمات الوطن.. لكن ما هو حاصل اليوم هو استخدام الحوار كشماعة فقط، السلطة تدعو إلى الحوار ولكن حوار من نوع خاص بها وعلى مزاجها تريد أن تجمع المعارضة معها على طاولة الاشتراك بتحمل نصيبها من الأخطاء والممارسات التي قادت البلاد إلى مثل هذه الأزمات التي نعيشها.. بينما ترفض المعارضة مثل هكذا حوار.. في الوقت الذي تقدمت برؤية وطنية إنقاذية تهدف لإجراء حوار شامل ودعت فيها كافة القوى السياسية للتحاور من أجل إنقاذ الوطن ومعالجة قضاياه.. للراصد المتأمل بحيادية بيضاء فإن هذه الأحداث سانحة عظيمة كان ولا يزال ينتظرها المجتمع بفارغ الصبر.. لأنفسنا التواقة لهذه الخطوات فرصة ذهبية لاختبار هذا التراكم السياسي والاجتماعي الذي أخفيناه طويلاً عن رهبة الاختبار.. خوفاً من الرسوب حيناً وخوفاً من النجاح المتفوق جداً حيناً آخر. هذه الأحداث إذا ما تجاوزت أطر التنظير إلى التفعيل العملي، وإذا ما بعدنا بها عن الزركشة الزائدة والمسرفة فإنها ستجعله شتاءً مختلفاً.. وشمسه ستكون مختلفة.. سيدب الحراك في مفاصلنا التي قاومت الصدأ طويلاً.