هي الأرض والماء والحياة، هي فلسطين مهد الحضارة، كل شيء مدينٌ لها بأشياء كثيرة، فيا ترى ما هو ذنب من يبذل نفسه وأغلى ما يملك لكي يأتي غيره وينعم بخيراته ويعيش على أرضه، هناك أناس تتعب ليرتاح آخرون بدون وجه حق، وتزرع ليحصد غيرها المحصول، وتدافع عن موطنها بكل ما أوتيت من قوة إلا أن القوة الطاغية تظل هي المسيطرة على الأرض، وهناك أطفال حرموا من أبسط حقوقهم في اللعب واللهو والاطمئنان والعيش في كنف آبائهم وأمهاتهم، لقد أصبحوا يحملون عبئاً أثقل كواهلهم، ومع ذلك فإنهم لم يبالوا بكل تلك الغطرسة والهمجية، وأصروا على مواجهة كل التحديات بكل صبر وأناة وحزم. أطفال العالم يحلمون كل يوم بغد أفضل، لكن أطفال فلسطين يصنعون كل يوم مجداً جديداً، وآلة جديدة، وخطة جديدة ليصدوا بها كيد الغاصبين، غير مكترثين بلعب ولا متع، بل إن كل همهم هو كيف يواجهون عدوهم وينتقمون ممن حطم آمالهم، هم رجال في أجساد أطفال، هم قوة الكبار في ضعف الصغار. فلسطين ذلك البلد الذي عاش أهوالاً يعجز اللسان عن وصفها، وتتجمد دموع العين حيال رؤيتها، فلسطين تجسد لنا صورة واضحة لمعاناة شعبها، فهي قلق النساء، وهي الشهداء والأسرى، وهي البنيات الصغيرات اللواتي يبحثن جاهدات من أجل العثور على طفولتهن التي يغتالها المحتلون، وفي فلسطين يمشي المواطن وهو يحمل كفنه على كتفه، ويمضي بجسمه ودمه والطين ذاكرته، إنه بذلك يرسم صورة واضحة عن وجهته في ظل صمت وتجاهل هذا العالم له، إنها الوجهة التي ما حظيت حتى بالتفاتة واحدة من عالمٍ بأسره، إنها الوجهة التي يريد من خلالها تحرير أرضه من الغاصبين، والحفاظ على كرامته التي ظلت وستظل شامخة مهما حاول الأعداء النيل منها، إنه لا يلقي بالاً لمصيره الذي قد يراه الآخرون مجهولاً، لأنه متأكد كل التأكيد أن مصيره واضح المعالم، وغايته مشرقة كشمس النهار لا يستطيع أحد طمسها مهما بلغ من الغطرسة والعنفوان، إنه من أجل قضيته لا يبالي إن عاد محمولاً على الأكتاف، أو إن لم يجد من يحمله، فغايته الأسمى مزروعة في وجدانه، تسري في شرايينه، تنبض مع دقات فؤاده، وحين يبذل من أجلها حياته فإن هذه الغاية ستظل تجلجل من أعماق قبره، تصرخ في وجه المغتصبين: "كفى قتلاً وتدميراً فإن ذلك لن يثنينا عن المطالبة بحقوقنا المغتصبة".