تفاقمت مشاهد الفقر من عام إلى آخر بمحافظة الحديدة بشكل كبير جداً أصبح ينذر بحصول كارثة اجتماعية خطيرة وغير مسبوقة نتيجة الجرعات المتتالية التي تنفذها الحكومة بحجة الإصلاحات الاقتصادية التي سحقت شريحة كبيرة من المواطنين في هذه المحافظة حيث تقدمت هذه الشريحة تحت خط الفقر السحيق الذين أصبحوا غير قادرين على توفير القوت الضروري لأسرهم. وأصبحت هذه المأساة تفصح عن نفسها في هذه المحافظة المغلوب على أمرها وخاصة هذه الأيام من خلال الآلاف من المتسولين رجالاً ونساء وأطفال يتسولون بصورة جماعية في مايمكن تسميته تظاهرات يومية حيث يفترشون أرصفة وأبواب الشركات والمصانع والجمعيات الخيرية وجولات الشوارع والأسواق وأبواب المساجد بأعداد كبيرة جداً. عاهاتهم مرضية حقيقية تساعد البعض في الاستجداء، وآخرون يلجأون إلى اصطناع عاهات وهمية للحصول على قوت أطفالهم اليومية محمد يوسف من أحدى قرى مديرية زبيد يقول ضاقت بي الدنيا وأجبرتني الظروف المعيشية الصعبة على الدخول إلى مدينة الحديدة في هذا الشهر المبارك للبحث عن قوت لأطفالي من خلال التسول وأنا كما ترى فقير وعاجز. أما عائشة إبراهيم الأرملة وأم الأطفال الأربعة فقد افترشت إحدى الجولات بشارع صفاء وسط مدينة الحديدة مع أطفالها بجوار عشرات الأمهات الأخريات مع أطفالهن يحركن مشاعر المتصدقين بملامح الفقر الشديد الذي تظهر عليهن وعلى أطفالهن. أحلام معظم هؤلاء المتسولين متواضعة لا تتعدى لقمة العيش وهذا كل ما يطلبونه من المارة في الشوارع ومن المحلات التجارية التي يقفون أمامها بعد أن عجزت الحكومة عن توفيرها لهم بل يعتقد الكثيرون متهم بأنها تسببت في ما وصلوا إليه. فهارون عياش أحد المتسولين يقول وفي عينيه دمعة لم يستطع منعها من السقوط، بأنه لا يحلم كبقية الناس بتوفير ملابس العيد لأطفاله الخمسة والألعاب وغيرها من المرفهات التي يقدمها الآباء لأطفالهم في العيد بل يحلم بتوفير لقمة عيش لأطفاله الذين لم يتجاوز أكبرهم 12 سنة ولم يدخلوا المدرسة قط. هذه هي ظروف المتسولين في محافظة الحديدة الذين استطعنا التحدث معهم في بعض الشوارع وجولات المدينة المكتظة بالمتسولين الذين لكل واحد منهم مأساة خاصة به أجبرته على مد يده للتسول لسد رمق أطفاله وتوفير حاجتهم بعد أن تقطعت بهم السبل. تقديرات البعض تذهب إلى أن عدد المتسولين في المدينة وحدها هذا العام أكثر من ثلاثين ألف متسول منهم نسبة عالية قدموا من الأرياف بينهم نساء وأطفال ورجال يقضون أوقاتاً طويلة أمام الشركات والمحلات التجارية في انتظار ماتجود به أيدي عدد من التجار ورجال الأعمال في محافظة لايتناسب عدد الفقراء فيها مع إيراداتها الكبيرة التي تتجاوز 42 مليار ريال سنوياً. هذا التناقض بين الدخل العالي وماتؤكده التقارير الرسمية التي تعتبر هذه المحافظة من أفقر محافظات الجمهورية جعلت كثير من المهتمين بشأن الحديدة يتساءلون عن أسباب غياب الدولة تجاه الآلاف من الأسر الفقيرة التي لا تعرف شبكة الضمان الاجتماعي كوسيلة للتخفيف من الفقر والتي قيل إن ملياراتها مرصودة للأسر المتضررة من ما تسميه الجهات الرسمية آثار الإصلاحات الاقتصادية لكن هذه المليارات فيما يبدو تخطئ طريقها إلى شريحة الفقراء وإن وصلت لعدد قليل منهم فهي لا تتجاوز 7000 ريال كل ثلاثة أشهر للأسرة الواحدة خاضعة للاستقطاعات أيضاً. هؤلاء البائسون يجدون ضالتهم في بعض الشركات والمؤسسات والجمعيات الخيرية التي تحاول بحسب قدراتها رسم الفرحة على وجوه الفقراء من خلال أنشطة البر والإحسان التي تقوم بها عبر فروعها المنتشرة في محافظة الحديدة في محاولة لإعادة الأمل والابتسامة لهذه الأسر التي طالها الفقر، فمجموعة شركات هائل سعيد أنعم تصل صدقاتها إلى عدد كبير من منازل الفقراء في مدينة الحديدة وتقوم بتوزيعها عبر لجان منظمة منتشرة في أحياء المدينة ومديرياتها، بالإضافة إلى إقامة العشرات من الوجبات وموائد رمضانية في مساجد المدينة المختلفة، شركات إخوان ثابت توزع المواد العينية من زيوت ودقيق وعصائر وألبان وغيرها للأسر الفقيرة، فيما تقوم شركة العيسي هي الأخرى بتوزيع الأرز والدقيق والسكر والزيت والتمور لعدد 27 ألف أسرة في أحياء مدينة الحديدة الفقيرة حسب إحصاءاتها إلى جانب مشروع إفطار الصائم الذي ينظم في العديد من المساجد. في جانب آخر تحاول الجمعيات والمؤسسات الخيرية رسم الفرحة على شفاه العديد من الأسر الفقيرة عبر مساعدتها على تلبية احتياجاتها الرمضانية من خلال توزيع المواد الغذائية المختلفة للمئات من الأسر الفقيرة علاوة على مشاريع كفالة الأيتام والأرامل في أحياء المدينة إلى جانب وجبات إفطار الصائم وسحور الصائم. هكذا هو المشهد في الحديدة دولة تصنع الفقر والحرمان ببرامجها السعرية وجرع التجويع، ومئات الآلاف من الجياع والمتسولين لايجدون من ملجأ لهم سوى في صدقات فاعلي الخير من التجار والمؤسسات التجارية والخيرية رغم أنها لاتكفي لتغطية الحاجة.