على مدار نصف عقد من الزمن هو عمر التعليم الموازي في الجامعات اليمنية، ظلت الاتهامات بين مدخلات هذا النوع من التعليم والقائمين على تدريسه بالجامعات الحكومية مثار جدل دائم، فالطلاب يشكون جملة من التجاوزات والأخطاء التي ترتكب بحقهم، ليأتي الرد عليهم بأكثر مما شكوا منه، وفي الاتجاه المقابل تعالت أصوات أكاديمية ونقابية لسوء استغلال موارد هذا النوع من التعليم، وإنفاق مبالغ طائلة في مجالات وهمية، وهو ما كانت تنفيه إدارة الجامعات الحكومية مراراً وتكراراً، ووسط هذا الجو من الاتهامات المتبادلة صدر مطلع الشهر الفائت أول تقرير رسمي عن التعليم الموازي في الجامعات الحكومية، ليؤكد صحة تلك الانتقادات التي وجهت لهذا التعليم، و أن الأهداف المادية أضحت الهم الأول للقائمين على إدارة الجامعات الحكومية، وحذر التقرير من استمرار هذا النوع من التعليم دونما إعادة النظر في مساراته الخاطئة سيشكل كارثة حقيقة لمستقبل التعليم العالي ومخرجاته في البلاد. وبداية هذا التقرير سلطت على الطبيعة المادية للتعليم الموازي، إذ أشار إلى أن الجامعات اليمنية صارت تولي أهدافها المادية اهتماماً رئيسياً وذلك على حساب جودة التعليم ونوعيته، بل إنها تحولت إلى دكاكين تجارية بما فيها الجامعات الحكومية، موضحاً أن الأخيرة أوصدت حق التعليم المجاني أمام مئات الآلاف من الطلاب الفقراء، وهو الأمر الذي سيرفع من معدلات البطالة في أوساط هذه الشريحة من السكان التي تشكل نسبتها السواد الأعظم من سكان البلاد. ونوّه التقرير إلى أن الهدف المادي من التعليم الموازي دفع بالجامعات إلى تجاوز اللوائح المنظمة لهذا النوع من التعليم، ولعل أكبر دليل على ذلك هو أن الهدف من إنشائه هو إتاحة الفرصة للراغبين بالالتحاق بالدراسات العليا بشرط أن لا يتعدى حجم الطاقة الاستيعابية على 25بالمائة من إجمالي عدد الطلاب المقبولين بالنظام العام، وعلى أن يكون الحد الأدنى للطاقة الاستيعابية (5)% من حجم الطاقة الاستيعابية وذلك على مستوى كل تخصص وكلية، وعلى مستوى كل كُلية وتخصص وبعدد محدد من المقاعد نظير قيامهم بدفع تكاليف الخدمات الجامعية التي تقدِّمها الجامعات وبالمثل نظام النّفقة الخاصة. تجاوزات بالمليارات ومع ذلك فقد كشف التقرير أن هذه اللوائح تم اختراقها، حيث تم اختراق نسبة الالتحاق مما تم تحديدها بنسبة 5 بالمائة كحد أدنى للطاقة الاستيعابية إلى 10 بالمائة في العام الدراسي 2005 - 2006، ومن (25)% كحد أعلى للطاقة الاستيعابية إلى 40 بالمائة في العام 2006 - 2007 وقد تجاوز هذا واقع هذه المخالفة 50 بالمائة في العام 2007 – 2008، وفي العام الدراسي الفائت وصل حجم المخالفة إلى نحو 60 %، الأمر الذي يؤكد سعي الجامعات إلى جني الأرباح المادية. وأضاف التقرير أن هذا النوع من التعليم أضحى مورداً استثمارياً هاماً للغاية، بل إنه من أنجح الاستثمارات وأقلّها كُلفة، ففي مقابل ارتفاع حجم الطاقة الاستيعابية للمقبولين ارتفاع حجم الموارد التي تعود لخزينة الجامعات مقابل الرسوم التي يدفعها الطلاب المقبولين في التعليم الموازي، والتي قدر حجمها السنوي في جامعة صنعاء بنحو مليار و290 مليون ريال، فيما بلغ مكاسب مقاعد النّفقة الخاصة نحو 3 ملايين و25 ألف دولار، ووصلت عائدات هذا النوع من التعليم في جامعة عدن لنحو 650 مليوناً، فيما تصل عائداته في جامعة ذمار لنحو189 مليوناً.. واعتبر التقرير أن هذا النظام من التعليم فتح مجال التنافس في إدارة الكليات العلمية والأدبية، ومصدر هذا التنافس يكمن في تلك الرسوم التي يعجز عن دفعها الآلاف من الطلاب المنتمين للطبقات الفقيرة ، خصوصاً إذا ما علمنا أن نسبة كبيرة من أرباب الآسر يعيشون ضائقة مالية ولا يوجد لهم دخل ثابت، وبالنسبة لموظفي القطاع الحكومي فالأمر لا يختلف كثيراً، فراتب الموظف العام يقع بين (30- 40) ألف ريال، وذلك في حده الأقصى لحاملي مؤهل البكالوريوس، بينما تتطلب رسوم النظام الموازي والنّفقة الخاصة في الكليات النظرية أكثر من 50 ألف ريال ، وبعض التخصصات ينقص هذا المبلغ إلى نحو48200 ألف ريال في بعض التخصصات الأدبية، بينما يصل المبلغ المطلوب سنوياً في الكليات العلمية لنحو 1750 دولاراً، يذهب منها 200 دولار كرسوم تسجيل و1500 دولار رسوم السّنة الواحدة و50 دولاراً رسوم حكومية وأنشطة، وتندرج هذه الرسوم تحت مصطلح (مقعد تنافسي)، حيث تم اقتسام النّسبة من المقاعد الدراسية المُخصصة لعدد من الطلاب الملتحقين بالنظام الموازي ما بين مقاعد تنافسية 1750 دولاراً، ومقاعد غير تنافسية 2450 دولاراً. وأشار التقرير إلى أن نظام التعليم بالمقابل المادي عمل على تدني القيمة الاجتماعية للتعليم لتنمو في المقابل قيم مجتمعية تحترم "الغني" بدلاً من "احترام التعليم"، كما أن البطالة الجُزئية والمقنّعة تُعد أخطر مشكلات تشغيل خريجي التعليم الجامعي، وهذا يعني وجود خلل جوهري بين احتياجات المجتمع من العمل (سوق العمل) وبين مُخرجات التعليم الجامعي، بسبب نسق وطبيعة التعليم الجامعي وواقعه، وضُعف السياسات العامة، بالإضافة إلى غياب العلاقة بين مؤسسات التعليم الجامعي والدّولة والقطاع الخاص، وغياب فلسفة ورؤية واضحة للجهات الحكومية المعنية أو القطاعات الخاصة عن حاجاتها من القوى العاملة وغياب الخُطط والتصوّرات، ممّا ترتب على ذلك وجود فائض، وخصوصاً في بعض التخصصات الإنسانية، الأمر الذي أدّى إلى تزايد البطالة (المقنّعة أو السافرة) في أوساط الخريجين، ونقص في احتياجات عملية أخرى تلبي حاجة السوق والتنمية، كما أن البحث العلمي من أهم وظائف التعليم الجامعي، ولكن الملاحظ أن العلاقة بين البحث العلمي واحتياجات التنمية لا تزال ضعيفة وشبه معدومة. وتناول التقرير كثيراً من الجوانب المتصلة بالتعليم الجامعي الموازي، موضحاً أن هذا النوع من التعليم الذي تم اعتماده في الجامعات الحكومية اليمنية منذ العام الدراسي الجامعي 2004 – 2005، لم يبن على دراسات علمية أو رؤى منهجية موضوعية أو تخطيط مسبق "منهجياً "ولم يأتِ بناءً على دراسة موضوعية أو تخطيط مسبق، وهذا النوع من التعليم لم يضف جديداً، فيما يتعلّق بتحسين التعليم وجودته، بل وربّما سيزيد من تفاقم الاختلال والفوضى. وفيما استند التقرير في تقييمه لنظام التعليم الموازي على دراسات بحثية ميدانية، وبعض وسائل الإعلام واعتمد على المُقارنة بين مبررات الرفض والقبول لهذا النّوع من التعليم، وبنى تقديره أيضاً على آراء شريحة من الطلاب الجامعيين المستفيدين من التعليم، أوضح أن التعليم الموازي لها مساوئ كثيرة وأن هذه المساوئ ستنعكس سلباً على جودة التعليم الذي يتلقاه الطالب بين طلاب النظام العام والموازي على حدٍ سواء، كما تؤثّر سلباً على مستوى الجامعة بصرف النظر عن الظروف والأسباب والضغوط الاجتماعية التي فرضته. وعدّد التقرير جملةً من الأسباب والتحدّيات التي يواجهها المسئولون في الجامعات والتي تعد مصدراً مهماً للتجاوزات التي تحصل في التعليم الموازي وغيره، خاصة في ظل عدم احترام تطبيق القواعد والنّظم بشكل واضح ومحدد، وبحيث يشعر أفراد المجتمع بأن تلك القواعد والنّظم مطبّقة على الجميع دون تمييز أو مُحاباة وهو ما يجب الالتزام به ومعاقبة كل من يُخالف ذلك. وحذر التقرير من أن سياسة العشوائية المنتهجة في عملية التوسع التعليمي والسير بها دونما تخطيط مسبق وسليم وعلمي ودون توفير الاحتياجات الضرورية من الإمكانيات المادية والبشرية، بالإضافة إلى عوامل أخرى قد ساهمت في تدنِّي التحصيل العلمي والمناخ الأكاديمي للجامعات، وأن النمو الكمِّي الكبير في عدد الجامعات لم يواكبْه تطوير نوعي، إذ إن تلك المُخرجات لم تمثل إضافة نوعية لسوق العمل ورفده باحتياجاته من القوى العاملة، وفي التخصصات التي يحتاج إليها، بل أضافت بطالة إلى البطالة القائمة، لافتاً إلى أنه كان أحرى بالجامعات الحكومية أن توفِّر البيئة اللازمة من كادر وتقنية وغيرها لفتح نافذة التعليم عن بُعد لكي يتسنى لمن فاته قطار التعليم اللحاق به، وأنه رغم وجود مركز صغير للتعليم عن بُعد في جامعة صنعاء إلا أنه لم يُذكر لا في دليل القبول السنوي للأعوام الجامعية السابقة ولا في الأنظمة المتّبعة مثل التعليم الموازي والتعليم المفتوح وتعليم النفقة الخاصة والتعليم عن بُعد. التقرير الرسمي امتدت انتقاداته إلى تقهقر البنية التحتية للجامعات التي قال إن البعض منها لم تشهد أي اتساع أو تطور منذ تأسيسها خلال العقود المنصرمة، حيث إن بعض الكليات تعيش حالة اختناق في مبانيها، وتضطر على مدار العام إلى أن يدرس طلابها في القاعات الدراسية للكليات الأخرى، كما هو الحال في كلية الشريعة والإعلام واللغات في جامعة صنعاء، وما زاد الطين بلّة حد وصف التقرير هو أن التعليم الموازي استحدث دون أن يرافقه توسعٌ في عملية تجهيز المباني، الأمر الذي تسبب في أن القاعات الدراسية تضيق بالطلاب، ويزداد هذا الاختناق عاماً تلو آخر دون أن نلمس توسعاً في مجال البنية التحتية وإنشاء القاعات الدراسية، على الرغم من أن المخصصات المادية التي تكتسب من وراء هذا التعليم يمكن أن تقدم حصة كبيرة من تكاليف إنشاء مبانٍ جديدة تلبي احتياجات النمو المتسرع في الطاقة الاستيعابية لنظام التعليم الموازي.