أكد تقرير رسمي حديث أن نظام التعليم الجامعي الموازي له سلبيات كثيرة تؤثّر على نوعية التعليم الذي يتلقّاه الطالب سواء في التعليم العام التقليدي أم الموازي، كما تؤثّر سلباً على مستوى الجامعة بغضِّ النظر عن الظروف والأسباب والضغوط الاجتماعية التي فرضته. واتهم تقرير "التعليم الموازي في الجامعات اليمنية" الصادر عن لجنة التربية والتعليم والبحث العلمي بمجلس الشورى الجامعات اليمنية بأنها تحوّلت إلى دكاكين تجارية بما فيها الجامعات الحكومية، والتي سدت آفاق التعليم المجاني أمام عشرات الآلاف من الطلاب الفقراء، خصوصا وأن هذا الاتجاه لم يكن منهجيا ولم يأتِ بناءً على دراسة موضوعية أو تخطيط مسبق، وهذا النوع من التعليم لم يضف جديداً، فيما يتعلّق بتحسين التعليم وجودته، بل وربّما سيزيد من تفاقم الاختلالات والفوضى. خروقات ومخالفات واستعرض التقرير كل ما يتصل بالتعليم الموازي المسائي، الذي تم اعتماده في الجامعات الحكومية اليمنية منذ العام الدراسي الجامعي 2004 – 2005، من حيث كونه إطاراً يوفّر فرص التعليم العالي للراغبين في مُتابعة دراساتهم الجامعية على ألاّ يقل معدل الطلاب المقبولين عن 5 بالمائة من معدل القبول بالنظام العام، وبحيث لا يتجاوز عدد المقبولين به عن 25 بالمائة من إجمالي عدد الطلاب المقبولين بالنظام العام، وعلى مستوى كل كُلية وتخصص وبعدد محدد من المقاعد نظير قيامهم بدفع تكاليف الخدمات الجامعية التي تقدِّمها الجامعات وكالمثل نظام النّفقة الخاصة. ولاحظ التقرير نمواً متسارعاً في عدد المقبولين وزيادة في حجم الموارد التي تتحصل عليها الجامعات نظير فرضها رسوماً محددة على الطلاب المقبولين التعليم الموازي، حيث تصل عائداته إلى مليار و290 مليون ريال، وعائدات النّفقة الخاصة 3 ملايين و25 ألف دولار في جامعة صنعاء، فيما تصل عائداته في جامعة ذمار 189 مليوناً وجامعة عدن 650 مليوناً. وحسب الأرقام فإن الاستثمار في التعليم يُعدّ من أربح الاستثمارات وأقلّها كُلفة، وهو ما يرشّح تعميم التجربة على بقية الجامعات الحكومية وكُلياتها وأقسامها المختلفة. وبيّن الخُروقات والمخالفات في التعليم الموازي، منها خرق ومخالفة نسبة الالتحاق وتغييرها من واقع 5 بالمائة، إلى 10 بالمائة في العام الدراسي 2005 - 2006، وإلى 25 بالمائة في العام 2006 - 2007 ومن ثم 50 بالمائة في العام 2007 – 2008، وهكذا تباعا. خصخصة واعتبر التقرير أن هناك شبه خصخصة واضحة بالنسبة لنظام التعليم الموازي في الكليات العلمية والأدبية، من حيث الرسوم والمبالغ الطائلة التي لا تتناسب إلا مع الأثرياء وحرمان الطلاب الفقراء، ففي حين لا يتجاوز راتب الموظف الحكومي الحاصل على شهادة البكالوريوس 150 دولاراً، تبلغ رسوم النظام الموازي والنّفقة الخاصة 25100 ألف ريال في الكليات الأدبية قسم اللغة الانجليزية، و24100 ألف ريال في بقية تخصصات الكليات الأدبية، بينما إجمالي الرسوم في الكليات العلمية في السنة الواحدة 1750 دولار، تتوزّع ما بين 200 دولار رسوم التسجيل و1500 دولار رسوم السّنة الواحدة و50 دولارا رسوم حكومية وأنشطة، ويأتي هذا تحت مُسمّى "مقعد تنافسي"، حيث تم اقتسام النّسبة من المقاعد الدراسية المُخصصة لعدد من الطلاب الملتحقين بالنظام الموازي ما بين: مقاعد تنافسية 1750 دولاراً، ومقاعد غير تنافسية 2450 دولاراً. تدهور القيمة الاجتماعية وأكد التقرير أن مؤسسات التعليم العالي (الجامعات) والمجتمع دفعت ثمناً كبيراً بسبب السياسات المتّبعة في توسيع التعليم الجامعي دون تخطيط مسبق وسليم وعلمي ودون توفير الاحتياجات الضرورية من الإمكانيات المادية والبشرية، بالإضافة إلى عوامل أخرى لعبت دوراً في تدنِّي التحصيل العلمي والمناخ الأكاديمي للجامعات، وأن النمو الكمِّي الكبير في عدد الجامعات لم يواكبْه تطوير نوعي، إذ أن تلك المُخرجات لم تمثل إضافة نوعية لسوق العمل ورفده باحتياجاته من القوى العاملة، وفي التخصصات التي يحتاج إليها، بل أضافت بطالة إلى البطالة القائمة، وتدهورت القيمة الاجتماعية للتعليم بسبب ذلك وظهرت قيم مجتمعية تحترم "الغني" بدلاً من "احترام التعليم"، كما أن البطالة الجُزئية والمقنّعة تُعد أخطر مشكلات تشغيل خريجي التعليم الجامعي، وهذا يعني وجود خلل جوهري بين احتياجات المجتمع من العمل (سوق العمل) وبين مُخرجات التعليم الجامعي، بسبب نسق وطبيعة التعليم الجامعي وواقعه، وضُعف السياسات العامة، بالإضافة إلى غياب العلاقة بين مؤسسات التعليم الجامعي والدّولة والقطاع الخاص، وغياب فلسفة ورؤية واضحة للجهات الحكومية المعنية أو القطاعات الخاصة عن حاجاتها من القوى العاملة وغياب الخُطط والتصوّرات، ممّا ترتب على ذلك وجود فائض، وخصوصاً في بعض التخصصات الإنسانية، الأمر الذي أدى إلى تزايد البطالة (المقنّعة أو السافرة) في أوساط الخرجين، ونقص في احتياجات عملية أخرى تلبي حاجة السوق والتنمية، كما أن البحث العلمي من أهم وظائف التعليم الجامعي، ولكن الملاحظة بأن العلاقة بين البحث العلمي واحتياجات التنمية لا تزال ضعيفة وشبه معدومة. كليات دون مبانٍ وأشار التقرير إلى أن هناك مناهج دراسية عفا عليها الزمن ولا زالت تدرّس منذ ثمانينيات وسبعينيات القرن الماضي، وأن البنية التحتية لم تشهد أي تطوّر أو اتساع ولا زالت بعض الكليات دون مبانٍ خاصة بها ويدرس طلابها كلاجئين في كُليات أخرى، ومنها كلية اللغات في جامعة صنعاء التي لا مبنى لها، ويتم استخدام قاعات كُلية الشريعة والتربية، وبنفس الوقت تم فتح باب القبول للموازي بقدرة استيعابية 200 مقعد سنويا، 620 طالب عام، أي أن هناك 3280 طالب لغات في المستوى الأول إلى الرابع دون كُلية، ولا زالوا يعتبرون الدراسة في كلية خاصة في اللغات حُلما عصياً على التحقيق. وأوضح أنه كان الأحرى بالجامعات الحكومية أن توفِّر البيئة اللازمة من كادر وتقنية وغيرها لفتح نافذة التعليم عن بُعد لكي يتسنّى لمن فاته قطار التعليم اللحاق به، وأنه رغم وجود مركز صغير للتعليم عن بُعد في جامعة صنعاء إلا أنه لم يُذكر لا في دليل القبول السنوي للأعوام الجامعية السابقة ولا في الأنظمة المتّبعة مثل التعليم الموازي والتعليم المفتوح وتعليم النفقة الخاصة والتعليم عن بُعد. سياسة تعليمية موحّدة واستند التقرير في تقييمه لنظام التعليم الموازي على دراسات بحثية ميدانية، وبعض وسائل الإعلام واعتمد على المُقارنة بين مبررات الرفض والقبول لهذا النّوع من التعليم، وبنى تقديره أيضاً على آراء شريحة من الطلاب الجامعيين المستفيدين من التعليم الموازي. ولفت إلى دور وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وحرصها على رفع مستوى الطالب التعليمي، والرّقي بنظام التعليم الجامعي والعالي إلى المستوى الجيّد، وكذا دورها فيما يتعلّق بالمُخالفات الخاصة في نظام التعليم الموازي وتحذيراتها للجامعات بضرورة الالتزام بالضوابط و..، ومع ذلك استمرت التجاوزات والمخالفات من قبل الجامعات والكُليات. وبين مطالب الوزارة بتحديد الهدف من التعليم، وتبني سياسة تعليمية موحّدة، باعتبار أن الأساس يكمن في التعليم الأساسي والثانوي، خصوصا وأنه توجد مستويات متدنِّية جداً بين الطلبة في نظام التعليم الموازي، نتيجة لتفشي ظاهرة الغش من قبل الطلاب في امتحانات الثانوية العامة والتحايل الذي يضعهم في مواقف مُحرجة أثناء دراستهم الجامعية مع أنفسهم قبل كل شيء. وبيّن التقرير الضغوط الاجتماعية على القائمين والمسؤولين في الجامعات والتي تُشكِّل عاملاً هاماً للتجاوزات الحاصلة في التعليم الموازي وغيره، خاصة في ظل عدم احترام تطبيق القواعد والنّظم بشكل واضح ومحدد، وبحيث يشعر أفراد المجتمع بأن تلك القواعد والنّظم مطبّقة على الجميع دون تمييز أو مُحاباة وهو ما يجب الالتزام به ومعاقبة كل من يُخالف ذلك. توصيات وأوصى التقرير بضرورة وضع القواعد والضوابط الصارمة لقبول الطلاب في التعليم الموازي، والالتزام بما يصدر عن المجلس الأعلى للجامعات وإحالة كل من يخالف تلك القواعد إلى النيابة أيا كانت مواقع أعمالهم. ووضع ضوابط وقواعد مالية تحددها اللائحة المالية يُمنع فيها صرف مبالغ بالأمر المباشر، وخاصة ما يتعلق بشراء السيارات والأثاث وبدل السفر وتذاكر الطيران والحفلات والتهاني وإعلانات الصحف والمجلات، وعكس المبالغ المحصّلة من التعليم الموازي ضمن الموازنة المُخصصة للجامعات وتخصيص 25 بالمائة من عائداته لأغراض البحث العلمي، وأجور الساعات الإضافية للمدرِّسين وشراء الدّوريات العلمية والاشتراك فيها على أن تتضمّن ذلك في اللائحة المالية، وعكس كل المبالغ المحصّلة ضمن موازنة الجامعات ومُراعاة رصد المبالغ اللازمة لتشغيل المنشآت والمرافق. كما أوصى بأن يكون من بين أهم أهداف التعليم الموازي خفض كُلفة التعليم في الموازنة العامة للدولة ومُراعاة الظروف الخاصة للطلاب الفقراء وإتاحة فرصة التعليم لأكبر عدد مُمكن، وبأن تصبح مثل هذه البرامج الجديدة مؤشراً على تقدّم التعليم في الجامعات تقنياً وتعليمياً وتوفير إمكانات مساندة ومتفوِّقة على مستوى الفصول والقاعات والمعامل والمختبرات والمكتبات والأنشطة الطلابية والبحوث العلمية وإنشاء مركز تعليمي يتولّى الإشراف والمتابعة والتعليم والتوجيه والإرشاد الطلابي، وكل ما يحتاجه الطالب من أمور أكاديمية وغير أكاديمية يتطلّبها العمل التربوي، ويقوم بربط سياسة القبول ومواد المناهج الدراسية بسوق العمل وتوجيه وربط قبول الطلاب نحو متطلبات الوظائف بمختلف المهام وتنمية وعي الطلاب باختيار مهنة المستقبل وتقوية الروابط بين الجامعات وسوق العمل والقيام بالبحوث والدراسات المتعلقة بتطوير المناهج في مختلف مراحل التعليم ودعم التخصصات العلمية المختلفة بما تحتاجه من كفاءات وأجهزة علمية ومختبرات حديثة وغيرها. ودعا التقرير إلى تشكيل لجنة تشترك فيها كليات: الهندسة والتربية والعلوم والآداب ووزارة التربية والتعليم، والتعليم الفني والمهني والتعليم العالي والبحث العلمي، للنظر في إعادة تجربة الكليات المتوسطة التي كانت ملحقة بهذه الكليات خلال فترة الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي؛ بهدف إعداد وتأهيل الكوادر العلمية المؤهّلة لتلبية احتياجات البلاد من المدرِّسين المطلوبين لعملية التدريس في المدارس والمعاهد الفنية إلى جانب توجيه التعليم العام والعالي بأنواعه المختلفة نحو التكامل والتنسيق والتعاون بين مؤسساته ومؤسسات الأعمال والإنتاج لتبادل المنفعة بين الطرفين. بلغ عدد الجامعات الحكومية حتى عام 2010، 16 جامعة، منها 7 جامعات تحت التأسيس، هي: "لحج - حجة - الضالع - أبين - شبوة - وادي حضرموت – صعدة"، وال9 القائمة تضم 113 كلية، منها: 51 في التخصصات العلمية والتطبيقية، و62 في العلوم الإنسانية، تضم في مُعظمها كليات وأقسام وتخصصات مكررة، تضيف مُعظم مُخرجاتها بطالة جديدة. أما عدد الجامعات والكليات الأهلية فقد وصل عام 2009 إلى 32 جامعة وكلية، تضم 67 كلية، 41 منها في التخصصات الإنسانية و26 في التخصصات العلمية والتطبيقية. ولم يتجاوز عدد الطلاب الملتحقين بمؤسسات التعليم العالي عند إعلان إعادة الوحدة اليمنية 39 ألفا و990 طالبا وطالبة، مقارنة بعدد المُلتحقين في الجامعات الحكومية والأهلية خلال العام 2008-2009، والذي وصل إلى 253 ألفا و816 طالباً وطالبة -بحسب تقرير وزارة التعليم العالي لعام 2010. في المقابل، تنامت أرقام البطالة الجامعية، والتي تشير إلى ما يزيد عن 150 ألف عاطل، وتنامت خلال الفترة 2003 إلى 2007 بمقدار 95 ألفاً، ولا زالت الفجوة في اتساع؛ نظرا لفشل تلك الجامعات في مواكبة احتياجات سوق العمل من جانب وعدم قدرة سوق العمل على استيعاب مخرجات هذه الجامعات من جانب آخر. سبأنت