لم يعد حلم قبائل الجوف التي تعاني من الثأرات في الالتقاء والمصافحة والاجتماع تحت مظلة واحدة حلما صعب المنال كما كان يتصور، إذ تجلى كحقيقة واقعة في مهرجان قرناو للتراث السياحي الذي اختتم فعالياته مؤخرا . ففي نتيجة غير متوقعة ، ترك ابناء قبائل الجوف خلافاتهم وجراحاتهم وحتى أسلحتهم وذخائرهم جانبا ، واتجهوا صوب منطقة الاشراع مديرية خب والشعف محافظة الجوف الحدودية المحاذية لصحراء الربع الخالي ليرسوا دعائم اللبنة الاولى لتقليد سنوي تمثل في تدشينهم لمهرجان قرناو الذي وصف بانه الاول من نوعه بما تضمنه من فعاليات ثقافية ورياضية وتراثية نوعية حملت بين جنباتها الكثير من الصور والمشاهد واعادت المشاركين إلى زمن الماضي الجميل ، بعيدا عن صخب الحياة اليومية المعاصرة وضجيجها . بدأ المهرجان فعالياته بنصب الخيام والبيوت المنسوجة من شعر الأغنام والماعز ، ولم ينتهي بإشعال نيران الشواء وتناول اصناف الوجبات الشعبية المختلفة التي تميز ابناء البادية، إذ أحيا المشاركون مساءات المهرجان الدافئة بجلسات القصيد والزوامل الشعبية التي تمدح العادات العربية الاصيلة للبدو الرحل تاره ، وتتغزل في سحر الطبيعة الصحراوية الاخاذة تارة اخرى . ومع رشفات القهوة العربية على الطريقة التقليدية ، وتجاذب اطراف الاحاديث فيما بينهم في اجواء يغمرها الاحساس بالسعادة والالفة ..تابع المشاركون في المهرجان وبصورة يومية وقت شروق وغروب الشمس وتأملوا طويلاً في منظر النجوم المتراقصة في سماء الصحراء ، باعتبار ذلك واحدا من اهم التمارين الروحية التي يمارسها سكان البادية ، وتمنحهم نوعا من الصفاء النفسي . كما تضمنت يوميات المهرجان عروضاً حية للموروثات والصناعات التقليدية مثل النسيج والغزل ، والطحن ونزع المياه من البئر ، جسدت في تفاصيلها انماط حياة البادية المختلفة بكل مفرداتها وأبرزت خصوصية ما تتيمز به المحافظة من مخزون تراثي وصناعي فريد. وبرز من بين أهم الفعاليات التي ميزت المهرجان اطلاق العديد من السباقات ، ومنها رالي السيارات وسباق الهجن والخيول بمشاركة العديد من ابناء الجوف والمحافظات الاخرى والتي احرز فيها المراكز الاولى العديد من ابناء المحافظات الاخرى في اشارة إلى انفتاح المنظمين وعدم حصر المشاركات. ومثلت السباقات التي شارك فيها 20 خيل و15 سيارة ، و42 ناقة بمثابة الدعوة المفتوحة للمشاركة في فعاليات المهرجان على المستوى المحلي والاقليمي والعربي والتي توقع المنظمون ان تشهد اتساعا اكبر خلال في المستقبل. ومهرجان قرناو الذي جاءت تسميته نسبة لمدينة قرناو التاريخية عاصمة الدولة المعينية التي تعود للقرن الثاني قبل الميلاد ، لم تقتصر نجاحاته على ما تضمنه من فعاليات ومناشط مختلفة.. حيث قال الشيخ عرفج بن هضبان رئيس اللجنة المنظمة للمهرجان أن المهرجان الذي جاء بتشجيع ودعم ورعاية من فخامة الأخ الرئيس على عبد الله صالح رئيس الجمهورية ، لفت الانتباه إلى ماتمتلكة المحافظة من مخزون اثري وتراثي ومقومات سياحية تشجع على تطوير السياحة الصحراوية . علاوة على انه - حسب المنظمين - استطاع ان يكسر الحاجز النفسي تجاه المحافظة وأبناءها نتيجة للصورة السلبية التي أرتسمت لدى الكثيرين بفعل التصرفات الغوغائية واللامسئولة للبعض ممن يحاولون تشوية صورة المحافظة وابناءها. ورأى المنظمون في المهرجان خطوة هامة على طريق جذب المحافظة للاستثمارات السياحية والصناعية المختلفة فيما اعتبره المشاركون مناسبة ايقظت في داخلهم الحنين للترحال في أحضان البادية .