حذر أمين عام رابطة العالم الاسلامي الدكتور عبدالله بن عبد المحسن التركي, من خطورة تجريد الحياة البشرية من الدين الذي هو مصدر الاخلاق الاساسية التي يقوم عليها الامن الاجتماعي الانساني, مؤكدا أن الانحراف بالدين عن وظيفيته الحقيقية في الحياة البشرية كان أحد اهم الاسباب التي جرأت على ادعاء أنه يعوق التآلف والتأخي بين ابناء الاسرة البشرية بما يثير الاحقاد والحروب بينهم . وقال التركي في كلمته أمام مؤتمر الاعلام المعاصر بين حرية التعبير والاساءة للدين الذي بدأ اعماله اليوم السبت في العاصمة صنعاء " ان الحديث عن الاسلام والحياة الاسلامية بشكل أو بآخر، اصبح من ابرز الاهتمامات الفكرية والاعلامية والسياسية المعاصرة في العالم الغربي وانعكس بتفاعلاته وأصدائه في العالم الاسلامي في صورة من الجدلية والحوار الفكري غير المباشر". وأضاف التركي "أن تزايد الاهتمام بذلك مرده افتراض الاسلام خصما جديدا للغرب بعد سقوط المعسكر الشيوعي ، وهو افتراض تتبناه اطروحات الصراع الحضاري ومنها قضايا العنف والارهاب التي طغت بعد أحداث الحادي عشر من شهر سبتمبر 2001م", منوها بأهمية المؤتمر في الاسهام نحو تقوية الروابط بين العالمين العربي والإسلامي. وتابع بقوله " إن اليمن تصلنا بأبنائه لحمة الجوار والاسلام الذي يرجع في بدايته إلى الصحابي الجليل معاذ بن جبل حين أرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم داعيا في هذه الربوع ، وأرسل عددا آخرين منهم أبو موسى الاشعري وعلى بن أبي طالب ، رضوان الله عليهم أجمعين، مستشهدا في ذات الصدد بثناء الرسول الاعظم على أهل اليمن، مستدلا بقوله " أتاكم أهل اليمن، هم أرق أفئدة وألين قلوبا، الايمان يمان والحكمة يمانية". واعتبر العلاقات التي تربط بين اليمن والمملكة العربية السعودية أنموذجا يحتذى به على مستوى المنطقة في علاقات الجوار والاخاء والمصالح والمصير المشترك... مؤكدا على أهمية الحرص على فتح آفاق للتعاون بين المؤسسات المتناظرة وبخاصة الجامعات والهيئات العلمية. ولفت الى الاهمية والاولوية التي يحتلها موضوع المؤتمر باعتبارة من الموضوعات التي تحتل مركز الصدارة في ترتيب القضايا الاسلامية لدى الرابطة التي توليها اهمية خاصة سواء في الرصد والمتابعة أو وضع الخطط والبرامج وما تقوم به من مناشط أنطلاقا من ان الدين هو اعز ما تملكه الامة وتتميز به عن غيرها, معربا في الوقت نفسه عن ترحيب رابطة العالم الاسلامي بالتواصل والتعاون مع وزارة الاوقاف والارشاد وغيرها من الجهات التي تلتقى مع الرابطة في اهدافها ومجالات عملها وفي سياق الدعم للعالم الاسلامي المشترك وبخاصة العلماء والمؤسسات الدينية والتعليمية. من جانبه أعرب وزير الأوقاف والإرشاد القاضي حمود الهتار, عن أمله في أن يفتح المؤتمر ، آفاق للحوار وقنوات للتواصل مع الذات ومع الاخر لما فيه خدمة الحق والعدل والسلام والمصالح الانسانية المشتركة وغيرها من القيم الانسانية النبيلة. وقال الهتار في كلمة مماثلة : أن المؤتمر يهدف الى إيجاد صيغ علمية للتعاون بين مؤسسات الاعلام ومؤسسات الدعوة في الدفاع عن الاسلام وتصحيح الصورة المغلوطة التي يروجها اعداؤه عنه ومواجهة حملاتهم الاعلامية المغرضة وعلاج آثارها في المجتمعات الانسانية. وأضاف أن التأصيل العلمي لمفهوم الاعلام وأهدافه ومهامه وبرامجه ووسائله التي تدعم قيم الحق والعدل والسلام ، وإيجاد نظام اعلامي اسلامي قادر على الحفاظ على الهوية الثقافية الاسلامية وخدمة المصالح العقدية والاجتماعية والتربوية المشتركة للمسلمين إزاء التحديات المعاصرة، من ابرز الاهداف التي يسعى المؤتمر الى تحقيقها . واكد وزير الاوقاف أهمية إنعقاد المؤتمر في ظل ظهور بعض المقالات والكتب والرسوم والافلام المسيئة للانبياء والكتب السماوية عموما ولمحمد صلى لله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وللقرآن خصوصا وبروز تيارات فكرية دينية متطرفة إسلامية ومسيحية ويهودية وعجز الخطاب الاعلامي عن التعريف بالاسلام والمسلمين والدفاع عن مقدساتهم ومعالجة قضاياهم وتحقيق الاهداف الانسانية المشتركة في هذا العصر. يأتي هذا في الوقت الذي ناقش فيه المؤتمر خلال جلسة عمله الأولى المحور الأول من محاور المؤتمر والخاص بدوافع الإساءة إلى الإسلام والمسلمين . وفي الجلسة الذي عقدت برئاسة رئيس رابطة العالم الاسلامي استعرض عضو هيئة التدريس بقسم الدراسات العليا التاريخية والحضارية في جامعة أم القرى الدكتور / عبدالله بن سعيد الغامدي، وعضو مجلس الشورى استاذ التاريخ في كلية الأداب جامعة صنعاء ورقتي عمل حول الحروب الصليبية وأثرها التاريخي في تشويه صورة الإسلام. واشارت الورقتان الى أن مظاهر الإساءة للدين الإسلامي تعود في إحدى جوانبها التاريخية لتأثيرات الدعاية التي اطلقها فرسان الحروب الصليبية لتبرير تلك الحرب على المشرق العربي والإسلامي محاولة إلصاق بعض التهم بالإسلام وإقناع الرأي العام في المجتمعات الأوروبية بدعم تلك الحروب. واكدتا أن بعض الفرق الصليبية بعد خروجها من المشرق العربي والإسلامي وعودتها لأوروبا حيث تعرض كثير من أفرادها للملاحقات هناك، ظلت تحتفظ بعدائها للإسلام والمسلمين وتحمل معها ثقافة الكراهية والكيد ومنها فرقة التيوتون . فيما استعرض المستشار السابق لرابطة العالم الإسلامي الدكتور سعيد إسماعيل الصيني ومستشار مدير جامعة الإمارات العربية المتحدة لشؤون خدمة المجتمع الدكتور سعيد عبدالله حارب المهيري ورقتي عمل حول الإنحلال والإلحاد وعلاقتهما بنشوء حرية التعبير غير الملتزم. وتناول المسؤولان تأثير الإعلام على القيم الأخلاقية من حيث محتوى وبرامج وسائل الإعلام المختلفة بوظائفها المتعددة وماتخلفه من تأثيرات سلبية أوإيجابية على سلوك الأفراد والتي تزداد في ظل الفضاءات الإعلامية المفتوحة تراجع وضعف القنوات الرسمية . وأشارا إلى إرتباط تلك التأثيرات بالنواحي الثقافية واللغوية والعادات والتقاليد والقيم الأخلاقية . وحاولا التعريف بحرية التعبير وضوبطها من الناحية الدينية ووضع تعريف إسلامي لها من خلال الاقتباس من سيرة الرسول صلى الله عليه وأله وسلم وخلفائه الراشدين في مناقشة المسائل الحياتية والمتعلقة بالأحكام الشرعية مقارنة بتعريف حرية التعبير في الحضارة الغربية . اما الموضوع الثالث حول الأطماع السياسية والاقتصادية في العالم الإسلامي وأثرها في الإشاءة إلى الإسلام والمسلمين, فقد تحدث نائب رئيس جامعة صنعاء للشئون الأكاديمية الدكتور أحمد محمد الكبسي والأمين العام لرابطة الجامعات الإسلامية الدكتور جعفر عبد السلام علي عن مداخل الأطماع السياسية المختلفة في العالم الإسلامي وتأسيسها للإساءة إلى الإسلام تحت شعارات وإيدلوجيات مختلفة وإظهار العداء للمعارضين للمصالح الغربية في العالم الإسلامي . ولفتا إلى محاولة الغرب لتحقيق أطماعه في العالم الإسلامي من خلال المداخل الاقتصادية والسياسية والعسكرية والثقافية . وكانت قد طرحت في الجلسة العديد من المداخلات حول استراتيجية مواجهة الإساءة للإسلام والمسلمين وبناء خطاب إسلامي ناجح وقادر على مخاطبة الآخر ومواجهة حملات التشهير والإساءة للإسلام والعمل على تعزيز الثقافة والهوية الإسلامية من خلال إجادة صناعة الرسالة الإعلامية الهادفة والمحترفة وتطوير مضمون هذه الرسالة . وأكدت المداخلات على أهمية وجود إعلام يحمل الشخصية الإسلامية النقية المعبرة عن سماحة الإسلام ووسطيته ومبادئه السامية وكذا ضرورة التحرر من مظاهر التبعية الاقتصادية والسياسية والثقافية والإعلامية . ومن المقرر أن يواصل المؤتمر جلسات أعماله يوم غدٍ الأحد, حيث سيناقش بقية الموضوعات وأوراق العمل حول أزمة الوعي بالدين والأخلاق في الإعلام المعاصر وواجبات الأمة الإسلامية في معالجة الإساءة إلى الدين، وكذا دور الإعلام وواجبه في التعايش والسلم العالمي وحماية المجتمعات من الآفات الفكرية، بالإضافة إلى أهمية الحوار والتعاون مع المنصفين لتصحيح المفاهيم المغلوطة عن الإسلام والمسلمين، إلى جانب مناقشة دور ومسؤولية الحكومات والمنظمات الدولية في منع الإساءة للدين. يشار الى أن المؤتمر الذي يشارك فيه أكثر من 200 من العلماء والباحثين والإعلاميين في الوطن العربي والإسلامي, ويستمر ثلاثة أيام, يهدف إلى التأصيل العلمي لمفهوم الإعلام وأهدافه ومهامه وبرامجه ووسائله الداعمة لقيم الحق والعدل والسلام، والمساهمة في إيجاد نظام إعلامي إسلامي يحافظ على الهوية الثقافية الإسلامية ويخدم المصالح العقدية والإجتماعية والتربوية المشتركة للمسلمين إزاء التحديات المعاصرة. كما يهدف المؤتمر الى تحقيق المساندة الإعلامية المنظمة لمهام العلماء وبرامج المنظمات الإسلامية في توحيد الصف الإسلامي تجاه المشكلات والتحديات الماثلة أمام المجتمعات الإسلامية، بالإضافة إلى إيجاد صيغ عملية للتعاون بين مؤسسات الإعلام والدعوة في الدفاع عن الإسلام وتصحيح الصورة المغلوطة ومواجهة الحملات الإعلامية المغرضة في هذا الصدد. وعلاوة على ذلك يهدف المؤتمر الى المساهمة في إيجاد قنوات تعزز الحوار الحضاري بين الإعلاميين المسلمين ومؤسسات الإعلام الدولي سعيا للعمل المشترك في خدمة الحق والعدل والسلام والمصالح الإنسانية المشتركة، وكذا تسخير الإعلام الدولي لخدمة مهام الحوار في العالم من أجل تحقيق التفاهم والتعاون والتعايش بين شعوب العالم, والعمل على تحقيق التواصل مع مؤسسات التعليم والثقافة في الغرب لتعديل الصور النمطية المسيئة للإسلام في المناهج الدراسية والأجهزة والوسائل الثقافية الغربية.