استعرض سياسيون وأكاديميون وباحثون التحديات الراهنة للوحدة اليمنية وسبل مواجهتها في ندوة فكرية عقدت اليوم بجامعة صنعاء. وهدفت الندوة التي نظمها قسم العلوم السياسية بكلية التجارة الوقوف أمام الإشكاليات على الساحة المحلية ومدى أثرها على الوحدة الوطنية وطرق معالجتها بما يعزز وحدة الصف الوطني والدفع بالمسيرة التنموية والخطط المستقبلية لبناء اليمن الواحد والمزدهر. وأكد وزير التعليم العالي والبحث العلمي دكتور صالح باصرة في ورقته التي تناول فيها " الوحدة من منظور تاريخي" خلال الجلسة الأولى برئاسة رئيس الجامعة دكتور خالد طميم، على واحديه الأرض اليمنية عبر التاريخ. وقدم الوزير سردا موجزا لأبرز محطات تاريخ الأرض والمجتمع اليمني منذ عصر ما قبل الإسلام وحتى التاريخ الحديث.. مبينا فيها تأثير تلك الأحداث على النظام السياسي في اليمن في مختلف المراحل بما فيها مرحلة الاستعمار البريطاني والاحتلال العثماني وما فرضاه من واقع تشطيري على البلاد. وبين باصرة أن اليمن تمكن من تجاوز هذا التمزيق لجسده الواحد بإرادة الشعب ونضاله لإعادة وحدته التي تحققت في ال22 من مايو 1990م. موضحا إن هذه الوحدة ليست أول وحدة في تاريخ اليمن، وان الحفاظ عليها مسئولية جماعية على أبناء الوطن. وأضاف: الوحدة ستكون بخير اذا تمكنا من أن نتعايش ونتحاور بروح الاخوة وعلينا ان نفكر في كل شيء، الحكم، الإدارة، التقسيم الإداري، ولكن دون الخروج من المعلب الذي دخلناه بإرادتنا وعلينا ان نستفيد من الوحدة لتحقيق التطور والمستقبل المنشود لهذا الوطن. وشدد على ان الوحدة يمكن حمايتها بيد أبناء الوطن أنفسهم وليس بيد الآخرين.. وقال: "نعم هناك من يريد ان يقسم اليمن لكن القلعة لا تصمد الا من الداخل, والوحدة وسيلة لغايات أسمى هي التنمية المستدامة". وقلل من الأصوات الداعية إلى الرجوع بالوطن إلى ما قبل العام 1990م.. كونها "مشكلات بسيطة أذا بدأنا في اصلاحها فإننا سنتجاوز كافة المعوقات". وأكد أن اليمن لا يستطيع ان يكون إلا يمنا واحدا, وأن موضوع الجنوب العربي الذي ينادي به البعض قد تخطاه الزمن, وان مرتكز الحل للخلافات القائمة يتأتى بالحوار الوطني الجاد والمسئول تحت سقف الوحدة. وخلص الوزير باصرة إلى القول: الحلول ان نعالج المشاكل عبر الحوار وليس عبر الحراك، وفيما يخص الحراك عبر عن رأيك بحرية ولكن دون المساس بالثوابت الوطنية، الوحدة أنقذتنا جميعا وقد ركبنا سفينة الوحدة وأنقذتنا ويجب ان نحافظ عليها". وأضاف: "علينا ان نتحاور عن مشاكل الشمال وخصوصية الشمال، عن مشاكل الجنوب وخصوصية الجنوب". وأفاد أنه " لو استقل الجنوب فإنه سيتجزأ" ويعيش تناحرات وحروب يكون الإنسان اليمني هو الخاسر الوحيد فيها. فيما تناولت الورقة الثانية لوزير المالية السابق دكتور سيف العسلي " الوحدة اليمنية وأحداث الجنوب" لخص فيها رؤيته لواقع الأحداث على الساحة وحقيقة الوحدة اليمنية كقدر يعيشه أبناء الوطن اليوم بمختلف انتمائهم السياسية ورؤاهم الوطنية. وقال الدكتور العسلي:" الوحدة قدر اليمن حققتها الجغرافيا والإنسان وهي أمر مفروغ منه ولا يمكن ان نعيش بغير يمن واحد". واعتبر ان اليمن غير مهيئة للحكم الفيدرالي كون المجتمع اليمني بحسب قوله "مجتمع قبلي". وأكد ان "الوحدة اليمنية كانت بريئة من الصراعات السياسية كبراءة الذئب من دم ابن يعقوب". وأضاف: المشكلة اليوم أننا نعرف حساسية الوحدة اليمنية ونريد ان نستخدمها بشكل غير صحيح فالجميع يستخدمها كرهان لتحقيق مصالحه". وذهب العسلي إلى ان الحل للخروج من الخلافات وتجاوز العقبات يتم من خلال تنمية الثروة وتصحيح أساليب توزيعها واستثمارها. وناقش المشاركون في الجلسة الثانية برئاسة الدكتور خالد الفهد أربع أوراق عمل تناولت الأولى لأستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء الدكتور عبد الله الفقيه " الوحدة اليمنية والتحديات الخارجية". وأكدت الورقة أن المصالح الدولية المنظورة بشقيها الإقليمي والدولي في اليمن هي في سيادة الاستقرار في جميع أجزاء الوطن والذي بوجوده تتحقق مصالحها وتضمن سيادة الأمن في المنطقة ككل. وأوضحت أن مفهوم الاستقرار في هذه الجزئية هو الاستقرار الذي يغيب فيه الحراك الواسع وحركات التمرد, وتسيطر الدولة على حدودها وتتميز البيئة بالأمن الذي يشجع الاستثمار. وبينت ان اليمن لتأمين ذلك الاستقرار وضمان استمراره في حاجة إلى تبني سياسات داخلية وخارجية تكفل: حل سريع للمشاكل الداخلية لا سيما في بعض المحافظات، ودراسة التحولات الإقليمية والدولية القائمة والمتوقعة والعمل على التكيف معها. فيما أوضحت الورقة الثانية للدكتور عارف الشيباني" آثار الانفصال على انهيار الدولة.. الصومال أنموذجا".. وقدمت رؤية مقاربة لواقع ما تعيشه دولة الصومال من صراعات وحروب داخلية تتنازع على السلطة وتغيب فيها الرؤى الوطنية الموحدة للعمل الجماعي. فيما أكدت الورقة الثالثة لأستاذ العلوم السياسية الدكتور عمر العمودي, ان الوحدة جوهر كيان الإنسان اليمني واعتبرت ان نظام الحكم الفيدرالي لا يمس كيان الدولة ولا وحدتها غير أن نظام الحكم الأكثر نفعا لليمن يتمثل في نظام الحكم المحلي واسع الصلاحيات, وفكرة الدولة الموحدة. وقدمت الورقة الأخيرة لأستاذ علم الاجتماع السياسي الدكتور عبدالباقي شمسان، مقاربات لمكون نسيج المجتمع اليمني وخصوصيته في اطار توزعه على جغرافية الوطن في نظرته للأحداث السياسية الراهنة على الساحة. ودعا شمسان إلى ضرورة العمل بروح المسؤولية لتجاوز كافة الإشكاليات والوصول إلى رؤية تعزز مسار الوحدة الوطنية وتنأى باليمن عن المخاطر المحدقة به في شتى النواحي. وأثريت الندوة بمناقشات ومداخلات الحضور من باحثين ومهتمين التي أثرت موضوع النقاش وسلطت الرؤية حول الحلول الكفيلة بصون الوحدة اليمنية وحمايتها من كل المخاطر.