الأربعاء الماضي الموافق الأول من ديسمبر احتفل العالم باليوم العالمي لمكافحة الإيدز تحت عنوان "حقوق المتعايشين مع الإيدز"، حيث تنظم المنظمات الدولية والإقليمية والمحلية في كل بلد فعاليات مختلفة بهذه المناسبة، للتذكير بأن هذا المرض ما زال خطرا ومنتشرا بأعداد كبيرة تتطلب تكاتف الجهود للوقوف في وجه هذا الداء. وقد أظهر تقرير جديد للأمم المتحدة تراجع حجم الإصابات بفيروس نقص المناعة المكتسبة "الإيدز" بنحو 20 في المائة على مدار العقد الماضي، كما تراجعت الوفيات الناجمة عن الإصابة بالمرض بواقع واحد من كل ستة أشخاص، خلال السنوات الخمسة الأخيرة. وجاء في التقرير أن عدد الإصابات الجديدة بفيروس بلغ حوالي 2.6 مليون حالة إصابة، مقارنة بما يقرب من 3.1 مليون حالة في عام 1999، كما أشار إلى وفاة نحو 1.8 مليون شخص نتيجة الأمراض المرتبطة بالإيدز في عام 2009. قبل هذه المناسبة بأيام قليلة فقط قضى متعايش مع الإيدز نحبه، بعد صراع مرير كان الجزء الأكبر منه مع المجتمع، ومعاناة شديدة مع نظرات الناس إليه. وهذا يظهر الهوة العميقة والتحدي الكبير بين ما يحلم به المهتمون بهذا الشأن والقائمون على مكافحة الإيدز وبين ما يصنعه المجتمع عن جهل وقلة وعي من صد لكل الجهود الحالمة بالحد من انتشار هذا الوباء واجتثاثه. هذه القصة التي عايشتها منذ علمت باكتشاف الفيروس في هذا الشخص، أكدت بما لا يدع مجالا للشك بأننا بعد عقود مضت على اكتشاف أول حالات إيدز في اليمن، لا يزال حالنا على ما هو عليه من قلة الوعي المجتمعية والإدراك والحقيقة للكيفية الحقيقة لمقاومة مرض الإيدز ومحاولة القضاء عليه. كنت قد عرفت الشخص قبل مرضه كما عرفه الناس بروحه السمحة وطبعه الاجتماعي، شديد المرح والفكاهة خفيف الطباع. حتى إذا ما بدأ الناس يعلمون بإصابته بالفيروس نفروا منه. الأمر المحزن أن عائلته البسيطة انتقلت للعيش في المدينة رغم فقرها، ربما هربا من كلام الناس، وربما سعيا للحصول على علاج. وبدأت تكابد المرارات كلها، فعائلها الوحيد في حالة المرض الشديد لا تسمح له ذاكرته حتى بتذكر أبنائه وأقاربه. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل كل من يصاب بالإيدز يستحق ما لقيه صاحبنا من الويلات، على افتراض أنه قد التقط المرض من حرام، وهو ما لا يمكن لأحد تأكيده؛ نظرا لتعدد مسببات الإصابة؟ ربما يرى البعض أن مرض الإيدز ملتصق بالأفعال الجنسية المحرّمة، وأن واجبنا أن ننبذ المريض ونحقّره على ما ارتكب من فعل مسيء. غير أن الرؤية الدينية تنفي ذلك، الشيخ جبر إبراهيم وهو فقه وداعية إسلامي يؤكد أن "واجب المجتمع تجاه مريض الإيدز هو واجبه نحو كل مريض آخر، ويجب أن يعينه على مواجهة المرض، فليس كل مصاب بالإيدز قد اقترف فعلا حراما، ويجب زيارتهم والتعامل معهم". ويؤكد جبري "أنه لا يجوز الاعتداء على كرامة المصاب بالإيدز مهما كان سبب العدوى، ولا السخرية منهم، ولا إلصاق التهم بهم". دور سلبي: أما عن دور هذا التصرفات وتأثيرها في جانب مكافحة المرض والوقاية منه، فإنها بلا شك تؤدي أثر سلبيا يهدم كل ما يقوم المعنيون ببنائه في هذا الجانب. قال مدير البرنامج الوطني لمكافحة الإيدز الدكتور عبد الحميد الصهيبي "إن الوصمة أو التمييز تلعب دورا سلبيا جدا في طريق المكافحة، والوقاية من الإيدز في الأوساط المجتمع حيث أنها تؤثر بشكل كبير على نفسية المتعايش مع المرض وتؤدي به إلى مرحلة من الإهمال، إهماله لنفسه أولا والإهمال واللا مبالاة نحو المجتمع، فلا يهمه وقاية المجتمع طالما أن المجتمع يعامله بشكل من التمييز ووصمه بالعار". ويؤكد الصهيبي: "لو كانت الوصمة والتمييز أداة فاعلة في مكافحة الإيدز خلال الفترة الماضية لما زادت أعداد الحالات في العالم بأسره، ولكنه خلال الفترات الماضية لعبت دورا سلبيا، حيث تسببت في اختفاء بعض الحالات وبالتالي ظلت تمارس ممارسات خاطئة عن قصد أو غير قصد زادت من عملية انتشار المرض". وحول تأثير التعاملات الإنسانية مع المتعايشين ودورها في المكافحة، يقول الصهيبي: "لاحظنا بشكل كبير أننا حينما نتعامل مع المتعايشين مع المرض بشكل إيجابي ونقدّم لهم الدعم النفسي والخدمات الرعاية والعلاج نلاحظ أنهم يتحولون بشكل كبير إلى أشخاص فاعلين في المجتمع، وأنهم أصبحوا لديهم من المهارات والإمكانيات ما يمكّنهم من إقناع زملائهم الآخرين بقضية الوصول إلى خدمات الرعاية والعلاج، وأن يكونوا أداة فاعلة في وقاية المجتمع، غير أنه من المؤسف أن عددا من الحالات التي تأتي ويتم اكتشافها تكون متأخرة، وهذا للأسف بسبب الوصمة والتمييز التي تكون أولا في البيت لدى الأسرة نفسها والتي تصبح السبب في تأخّر الكثير من الحالات في الوصول إلى الرعاية والعلاج، وتتأخر وقد تتسبب في الوفاة، أو تكون قد أثرت تأثيرا سلبيا وربما تكون السبب في إصابة أناس آخرين أبرياء كأن يصيب الزوج زوجته أو الأم جنينها". حقوق المصابين: إن المتأمل لواقع الحال يجد بلا شك أن المتعايش مع الإيدز لا يفقد إنسانيته بأي حال من الأحوال، وأن له حقوقا وواجبات كأي مريض بداء آخر، قال الدكتور الصهيبي ذلك، ثم قال: "للمتعايش مع الإيدز الحق في التعليم والعمل والصحة وممارسة حياته بصورة طبيعية جدا، وقد صدر قانون بذلك، ونحن نحاول أن نترجم ذلك في شكل آليات تنفيذية نستطيع من خلالها حصول المتعايشين على حقوقهم كاملة". وهو ما أكده الشيخ جبر في حديث سابق أن مريض الإيدز هو إنسان أصيب بنوع معيّن من المرض، وهذا لا يفقده حقوقه الإنسانية المكفولة له ولكل شخص آخر. ويرى أن من حق المتعايش مع الإيدز على المجتمع "أن يلقى العناية والاحترام والحنان اللازم بإحياء روح التعاون معه والكفالة والعيادة، وله الحق في احترام خصوصياته وعدم إفشاء سره، ومن حقه المشاركة في كل أنشطة المجتمع التي لا تؤثر عليه أو على المجتمع سلبا، والتأكيد على إنسانيته وحقه في الحياة بصورة تكفل له احتياجاته الاجتماعية والصحية والاقتصادية وفق الضوابط الشرعية، وأيضا توفير الدواء له وتشجيعه على أن يحيا حياة متزنة صحيا وبدنيا ونفسيا وروحيا، كما أن الدّعم المادي لهم يدخل في الإطار العام لمفهوم الصدقة الواجبة في الإسلام". ويتساءل: "لنفترض أن مرضى الإيدز قد أقدموا في يوم من الأيام على فعل جنسي محرّم أعقبهم المرض، وقد أدركوا جرمهم وأليم ما أصابهم، أليس من حقهم أن نقف إلى جانبهم للعودة إلى الطريق القويم ونبذ طرق ومداخل الشيطان، ومؤازرتهم حتى يعودوا إلى المجتمع أناسا صالحين، أم نظل نحقِّرهم ونصمهم بالعار لنقتل في وجوههم كل آمال العودة إلى حضن المجتمع الأم، ونزرع فيهم روح الانتقام لنكون جميعا غرماء في نظرهم"، لتستمر بذلك الدائرة في التوسع تحت ستار الصمت وبعيدا عن رقابة المهتمين. سبأنت السياسية