يصادف اليوم الثلاثاء مناسبة مرور 35 عاما على توقيع معاهدة "كامب ديفيد" بين الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات ورئيس وزراء إسرائيل مناحيم بيجن بعد 12 يوما من المفاوضات في المنتجع الرئاسي كامب ديفيد، وتحت إشراف الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر. ونتج عن هذه الاتفاقية التي وقعت في 17 سبتمبر 1978 حدوث تغييرات على سياسة العديد من الدول العربية تجاه مصر، وتم تعليق عضوية مصر في جامعة الدول العربية من عام 1979 إلى عام 1989 نتيجة التوقيع على هذه الاتفاقية في مدينة كامب ديفيد الأمريكية. ومن أهم بنود هذه الاتفاقية ما يلي: (1) إنهاء حالة الحرب بين مصر وإسرائيل للأبد، والامتناع حتى عن التهديد بالحرب، وحل أي مشكلة بين الطرفين بالطرق السلمية. (2) الانسحاب الإسرائيلي التام من شبه جزيرة سيناء، ولكن ليس من غزة التي كانت تتبع في الأصل الحكومة المصرية. (3) الاعتراف بسيادة كل طرف من أطراف النزاع على أرضه.. وهذا معناه الاعتراف بشرعية الكيان الصهيوني المحتل لفلسطين، والإقرار بهذه الدولة بصورة لا رجعة فيها، وكان المسلمون والعرب حتى وقتها لا يعترفون بهذه الدولة الشريرة لأنها في الأصل محتلة، وبناءً على هذا البند تم تبادل السفراء بين الطرفين. (4) إقامة علاقات تطبيع كاملة "سياسية اقتصادية ثقافية" بين الطرفين. وهذا أدى لتكريس قبول وجود هذه الدولة على المستوى الشعبي والحكومي وربطها بالدول العربية، والتأثير في البنية الاجتماعية والاقتصادية وغيرها للدول العربية المسلمة. (5) إقامة مناطق منزوعة السلاح على جانبي الحدود ولكن بعمق أكبر في سيناء. وهذا معناه إخراج الجيش المصري من سيناء، وإبعاد التهديد المصري عن حدود الدولة الصهيونية، مما يجعل الحدود المصرية مفتوحة سهلة أمام الجيش اليهودي الذي لم يلتزم بإبعاد جيشه عن الحدود عند منطقة غزة ولو أراد اليهود اقتحام سيناء في غضون ساعات لفعلوا بلا مدافع ولا ممانع. (6) بدء مفاوضات الحكم الذاتي للضفة الغربية وقطاع غزة.. وهو ما لم يتحقق حتى الآن. ومن أهم مساوئ الاتفاقية: - سحبت مصر من الصراع ضد العدويْن الصهيوني والأمريكي. - اعترفت مصر بإسرائيل وتنازلت لها عن فلسطين 1948. - أضعفت المقاومة الفلسطينية، وجعلتها تقف منفردة وحيدة في مواجهة الآلة العسكرية الصهيونية. - وضعت سيناء رهينة دائمة في يد إسرائيل، تستطيع أن تعيد احتلالها في أي وقت تشاء. - أعادت صياغة مصر عسكريًّا وطبقيًّا واقتصاديًّا وسياسيًّا وثقافيًّا على مقاس أمن إسرائيل. - ضربت وَحْدة الصف العربي التي تجلت في أعلى صورها في حرب 1973. وأثبتت الأحداث الأخيرة التي شهدتها مصر وخاصة في سيناء، مدى تحجيم اتفاقية كامب ديفيد للسياسات الداخلية والخارجية لمصر، ومدى تدخل الكيان الصهيوني في هذه السياسة. وترتبط اتفاقية كامب ديفيد بما يسمى "اعتقالات سبتمبر" التي بدأت يوم 3 سبتمبر1981 ، التي اعتقل على أثرها محمد أنور السادات ما يزيد علي 1536 من رموز المعارضة في مصر إلى جانب عدد من الكتاب والصحفيين ورجال الدين، وذلك من أجل قمعهم لمعارضتهم للاتفاقية، بالإضافة إلى أن السادات قام أيضا بإلغاء إصدار صحف المعارضة. وقال مدير مركز يافا للدراسات والأبحاث الدكتور رفعت سيد أحمد إن المادة الرابعة من معاهدة السلام "كامب ديفيد" بين مصر وإسرائيل تنص على أن لكل طرف الحق فى تعديل الاتفاقية لاعتبارات الأمن القومى. وأضاف أحمد أنه منذ مرور 35 عامًا على توقيع المعاهدة، ومياه كثيرة تحركت فى النهر، حيث توجد فى سيناء تنظيمات إرهابية، و5000 عنصر تابع للجماعات الجهادية التكفيرية، كما أن حدوث ثورة جديدة لابد أن يتعبها التخلص من الاتفاقية المقيدة للإرادة الوطنية. وأوضح أنه من الناحية السياسية إن كان إلغاء الاتفاقية سيصبح له تأثير فى اندلاع حرب مع إسرائيل، فعلى الأقل لابد من تعديل الاتفاقية، وعدم طلب تعديلها يؤكد أن الأيدي المصرية ما زالت مرتعشة فى التعامل مع الجانب الإسرائيلي. وقال الخبير فى القانون الدولي في مصر المستشار حسن عمر إلى أن هناك إشكالية قانونية لصالح مصر، تتعلق بأن معاهدة "كامب ديفيد" تخالف اتفاقية فيينا للمعاهدات الدولية، باعتبارها الدستور الدولي للمعاهدات، ومن ثم يجب على مصر أن تحيل هذه المعاهدة إلى المحكمة الدستورية الدولية، ونحن لدينا فرصة للمضي قدمًا فى تحقيق ذلك. وطالب استاذ القانون الدولي الدكتور نبيل حلمي بضروره تعديل معاهده السلام مع إسرائيل "كامب ديفيد"، وقال:"ان مصر من حقها طلب تغيير بعض بنود معاهده السلام عن طريق تقديم طلب إلى إسرائيل بذلك وعلى مصر أن تبرر انها تريد حماية أمن بلادها من الإرهاب". كما أكد الخبير الحقوقي بمؤسسة عالم جديد لحقوق الإنسان عماد حجاب، أن الأوضاع الأمنية فى سيناء تتطلب تعديل اتفاقية كامب ديفيد، بما يسمح بوجود أكبر لقوات الجيش، خصوصاً أنه بات من الضروري استمرار جهود الجيش والشرطة، لفترة زمنية طويلة فى سيناء للسيطرة على التجمعات الإجرامية والإرهابية من عناصر القاعدة والجهاديين السلفيين، والتكفيريين، الموجودين فى مناطق الشيخ زويد، ورفح، على الحدود الشرقية لمصر. وقال رئيس حزب الدستور سيد المصري أنه أعرب في لقائه مع الرئيس المصري عدلي منصور، عن دعم الحزب لخريطة الطريق التي اتفق عليها ممثلي الشعب المصري في 3 يوليو، وتطلعه للمضي قدما نحو الاتفاق على دستور يليق بمصر ما بعد ثورة 25 يناير وما يلي من ذلك عقد انتخابات تشريعية ورئاسية، مطالبا باستخدام حق مصر في إعادة النظر فى الترتيبات الأمنية الخاصة بسيناء المرفقة بمعاهدة السلام وفقا للمادة الرابعة بما يكفل ضمان بقاء دائم لقواتنا المسلحة في ما يعرف بالمنطقة "ج" من سيناء بدلا من التواجد المؤقت. اتفاقية كامب ديفيد واجهت صخبا عربيا رافضا لها آنذاك إلا أن نفس الأطراف التي هاجمت الاتفاق عادت وقبلت الحكم الذاتي الذي كان منصوصا عليه في الاتفاق وبمساحة اقل وبعد خمسة عشر عاما عقب اتفاق أوسلو والاعتراف المتبادل بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية. وأثارت الاتفاقية ردود فعل معارضة في مصر ومعظم الدول العربية.. ففي الشارع المصري استقال وزير الخارجية محمد إبراهيم كامل لمعارضته الاتفاقية وسماها مذبحة التنازلات.. وطالب المثقفون المصريون إلى الابتعاد عن " العروبية المبتورة" التي لا ترى العروبة إلا في ضوء المصلحة المصرية فقط. وعقدت عدد من الدول العربية مؤتمر قمة رفضت فيه كل ما صدر في هذه الاتفاقية.. ولاحقاً اتخذت جامعة الدول العربية قراراً بنقل مقرها من القاهرة إلى تونس احتجاجاً على الخطوة المصرية. وعقد العراق على وجه السرعة قمة لجامعة الدول العربية في بغداد في 2 نوفمبر 1978 ورفضت اتفاقية كامب ديفيد وقررت نقل مقر الجامعة العربية من مصر وتعليق عضوية مصر ومقاطعتها وشاركت بهذه القمة 10 دول عربية ومنظمة التحرير الفلسطينية وعرفت هذه القمة باسم "جبهة الرفض". وفي 20 نوفمبر 1979 عقدت قمة تونس العادية وأكدت على تطبيق المقاطعة على مصر. وازداد التشتت في الموقف بعد حرب الخليج الأولى إذ انضمت سوريا وليبيا إلى صف إيران وحدث أثناء هذا التشتت غزو إسرائيل للبنان في عام 1982 بحجة إزالة منظمة التحرير الفلسطينية من جنوب لبنان وتمت محاصرة للعاصمة اللبنانية لعدة شهور ونشأت فكرة "الإتحاد المغاربي" الذي كان مستنداً على أساس الانتماء لأفريقيا وليس الانتماء للقومية العربية. الجدير ذكره أنه كان هناك العديد من المحاولات للتفاوض على السلام بين اليهود والعرب أيام جمال عبد الناصر، ومبادرة عرضها الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة، ومبادرة عرضها ملك المغرب الحسن الثاني.. كما أدت هذه الاتفاقية لانشقاق الصف العربي وقطع العلاقات العربية مع مصر وطردها من جامعة الدول العربية وسحب السفراء العرب من مصر والعكس، وأصبح الفلسطينيون وحدهم في مواجهة القوة الإسرائيلية الغاشمة. كما يجدر بالذكر أنه توجد عدة بنود سرية لهذه الاتفاقية لم تنشر على الملأ حتى لا تثور الأمور أكثر من ذلك، وبالجملة كانت هذه الاتفاقية نكبة بكل المقاييس وأشد على العرب والمسلمين من هزيمة حرب الأيام الست. وبسبب اتفاقية ديفيد للسلام ابتعد العرب عن مصر بعدما عارضوا الاتفاقية، كما كانت هناك معارضة قوية في الساحة المصرية للسلام مع إسرائيل، وبرغم اغتيال الرئيس السادات، ونهاية نظام الرئيس حسني مبارك، إلا أن السلام مع إسرائيل ما زال الكثير من المصريين غير راضين عنه خاصة في ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية المحتلة، في فلسطين وسوريا ولبنان. ويرى البعض إن الاتفاقية كانت في صالح إسرائيل كليا حيث تغير التوازن العربي بفقدان مصر لدوره المركزي في العالم العربي وفقد العالم العربي أكبر قوة عسكرية عربية متمثلة بالجيش المصري.