تشهد الساحة السياسية اللبنانية حالة من الغموض والقلق حول مسار المؤسسات الدستورية بالبلاد جراء فشل الفرقاء السياسيين بالاتفاق على تشكيل حكومة منذ ما يقارب السبعة اشهر وتعطيل مجلس النواب اللبناني منذ اكثر من ثلاثة اشهر جراء ازمة دستورية تتعلق بمسألة التشريع في ظل حكومة تصريف الاعمال الى جانب تصاعد وتيرة المخاوف حول الاستحقاق الرئاسي الذي يصادف شهر مايو القادم مما يضع لبنان امام تحديات خطيرة خاصة في ظل الوضع الامني المتردي. ويواجه لبنان مأزقا حكوميا نظرا لعدم التوافق على تشكيل حكومة منذ تكليف تمام سلام برئاسة الحكومة شهر ابريل الماضي بعد استقالة نجيب ميقاتي شهر مارس الذي سبقه وذلك في ظل الاختلاف بين قوى الثامن والرابع عشر من اذار حول شكل الحكومة وخاصة مسألة مشاركة حزب الله في الحكومة. ويرى عدد من المهتمين بالشأن اللبناني الداخلي ان تغليب المصالح الشخصية لبعض الفرقاء السياسيين دون مراعاة المصلحة الوطنية أوصل البلاد الى هذا الوضع السياسي والدستوري والامني المترهل وهذا ما اشار اليه الرئيس اللبناني ميشال سليمان الذي قال في تصريح له قبل ايام ان قياس الامور المطروحة من منظار المصلحة الشخصية لدى بعض الفرقاء من دون مراعاة المصلحة الوطنية واخذها في الاعتبار سياسيا وحكوميا وأمنيا هو الذي يساهم في مفاصل عديدة في عرقلة الامور وابقاء الوضع في دائرة المراوحة والانتظار . ويكمن الخلاف بين قوى الرابع عشر من آذار التي ترفض مشاركة حزب الله بالحكومة خاصة بعد إعلانه القتال إلى جانب النظام السوري وقوى الثامن من آذار التي تصر على مشاركة حزب الله بالحكومة ، مؤكدة على ضرورة تشكيل حكومة سياسية وهو الشرط الذي ترفضه قوى 14 آذار التي تفضل حكومة تكنوقراط لتلافي دخول الحزب بالحكومة في حين يؤكد الرئيس اللبناني على ولادة حكومة جامعة ووحدة وطنية في بلاده .. مبينا في الوقت عينه أنه ضد خيار " الثلث المعطّل " ومع مشاركة الجميع في هذه الحكومة وعدم استبعاد "حزب الله" عنها . ويواجه تأليف الحكومة اللبنانية عقبات يضعها بعض الفرقاء السياسيين بالبلاد ، إذ اكد تمام سلام رئيس الحكومة اللبنانية المكلف في تصريح له الاسبوع الماضي على استمرار وجود العقبات التي تحول دون تشكيل الحكومة اللبنانية .. لافتا الى عراقيل من قبل بعض القوى السياسية في هذا المسار. وتؤكد بعض المصادر المطلعة في بيروت أن مراوحة الوضع في سوريا اعاق تحريك اتصالات تأليف الحكومة في ظل تمسك قوى الثامن من آذار بأن تستأثر على الثلث المعطل في الحكومة ورفضها للصيغة الحكومية وفقا لرؤية الرئيس سليمان وتمام سلام رئيس الحكومة اللبنانية المكلف القائمة على التمثيل المتساوي التي ترتكز على تشكيل حكومة الثلاث ثمانات أي ثمان وزراء لقوى الرابع عشر من آذار و8 وزراء لقوى الرابع عشر من آذار و8 وزراء لما عرف بالوسطيين في لبنان ، أي لرئيس الحكومة المكلف تمام سلام ورئيس الجمهورية والنائب وليد جنبلاط أحد الاقطاب السابقين لقوى الرابع عشر من آذار عند انطلاقتها. وقد نبه عدد من المسؤولين اللبنانيين من ربط الواقع اللبناني بالازمة السورية ، وفي هذا السياق انتقد الرئيس سليمان تكرار بعض اللبنانيين أخطاء الماضي في الرهان على الخارج. ورأى سليمان ان "بعض اللبنانيين يكرر خطأ الرهان على الخارج وتجاهل اعلان بعبدا الذي يرتكز على سياسة النأي بالنفس حيال الازمات الاقليمية والدولية ، في اشارة منه الى الازمة السورية".. مضيفا : "ليس مقبولا أن يبدو لبنان في مرحلة تقرير المصائر في المنطقة كأنه معلق على مصير الآخرين، وليس مسموحا أن تلتقي الإرادات الدولية وأن تكون عيون الخارج على وطننا لمساعدته، بينما بعض اللبنانيين يكرر أخطاء الماضي في الرهان على الخارج، أملا في تغيير توازات أو معادلات لاستعادة موقع فضلا عن التمادي في تجاهل إعلان بعبدا الذي أعاد تكريس روح الميثاق الوطني لجهة تحييد لبنان عن المحاور والصراعات وشكل معبرا إلزاميا للحوار الوطني". من جانبه قال نجيب ميقاتي رئيس حكومة تصريف الاعمال اللبنانية في تصريح له أن المشكلة الرئيسية التي تعيق التوافق في بلاده حول تشكيل حكومة ومسائل اخرى هي ان كلا الفريقين السياسيين من الثامن والرابع عشر من آذار يراهن على تطورات الازمة السورية لصالحه. واعتبر ميقاتي أن المبادرات التي تطرح في بلاده لا تسهل مهمة الرئيس المكلف تمام سلام لتشكيل الحكومة، بل تزيدها تباعداً، لان هناك تباعداً بين مبادرة هذا الفريق او ذاك في اشارة منه الى الاختلاف بين قوى الرابع عشر والثامن من آذار. وقد استبعدت مصادر لبنانية مطلعة أن تتمكن التحركات السياسية الجارية حاليا من تذليل العقبات أمام تشكيل الحكومة خلال الفترة القادمة حيث يراهن بعض الفرقاء بلبنان على انتصار فريق على اخر في سوريا ويحسم المعركة وهو ما سيؤثر على ميزان القوى بالداخل اللبناني في ظل تأييد بعض الفرقاء للنظام السورى في حين يراهن بعض الفرقاء على انتصار الثورة السورية. وأكد معنيون بالملف الداخلي اللبناني ان انتظار ما ستؤول اليه الامور في سوريا لا يجوز ، معتبرين ان انتظار التطورات الخارجية ستعقد الوضع في الداخل اللبناني مشددين على ضرورة تسريع التأليف التي طالت اكثر من سبعة اشهر . وأكد المهتمون بالشأن اللبناني أن ما يعقد المشهد السياسي اللبناني يتمثل بالمأزق الذي يواجهه البرلمان اللبناني في ظل تعطيل مجلس النواب حيث فشل المجلس في عقد جلسته التشريعية لست مرات على التوالي في غضون ثلاثة اشهر ، كان آخرها الاسبوع الماضي ،بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني ومقاطعة بعض الكتل النيابية للجلسة على خلفية خلاف مع السلطة التنفيذية حول دستورية التشريع في ظل حكومة تصريف أعمال. وقد أثار تأجيل الجلسة العامة لمجلس النواب مرات عديدة، بوادر أزمة بين السلطتين التشريعية ممثلة ب نبيه بري رئيس مجلس النواب اللبناني والتنفيذية ممثلة بنجيب ميقاتي رئيس حكومة تصريف الاعمال على ضوء الاختلاف في وجهات النظر حول دستورية انعقاد الجلسة العامة لمجلس النواب والتي تم تأجيلها لست مرات على التوالي وسط تمسك بري ببنود الجلسة المؤلفة من 45 بندا واصرار ميقاتي على عدم جواز التشريع في ظل حكومة تصريف الاعمال الا في نطاق محدود . ودعا سليمان في اكثر من مناسبة الى اعادة الروح الى مجلس النواب"، ورأى ان "على كل فرد من الافراد مسؤولية القيام بنقد ذاتي لخيار انتخاب ممثليه في البرلمان . وتثير الحالة السياسية والامنية اللبنانية حالة من القلق لدى السياسيين اللبنانيين حول مسار الاستحقاقات الدستورية .. منبهين من خطورة الوضع خاصة في ظل التوترات الامنية المتلاحقة واخرها الاشتباكات المتواصلة في طرابلس شمال لبنان والتي تجددت منذ ما يقارب الاسبوع اثناء بث مقابلة تلفزيونية للرئيس السوري حيث اسفرت الاشتباكات الدموية عن اكثر من 70 من الضحايا بين قتيل وجريح . وفي هذا السياق قال الرئيس اللبناني الاسبق امين الجميل ان "الفراغ خطير لذلك نحن بحاجة الى وقفة شجاعة والى قيادات تتحمل مسؤولياتها، لم نمر يوماً في فترة عولجت الامور بهذه الخفة، وحكومة تصريف الاعمال غير قادرة على مواجهة كل الاستحقاقات". واعتبر ان "هناك ضرورة ملحّة لتشكيل حكومة انقاذ في اسرع وقت . وقال الجميل "الحكومة معطلة، تم التمديد للبرلمان، الوضع الامني يعالج بالمسكنات وكل هذا على حساب المواطنين والوضع الاقتصادي في البلد ونحن نعالج مرض السرطان بحبة اسبرين"... مؤكدا على اهمية حصول الانتخابات الرئاسية في مواعيدها الدستورية. ويتخوف عدد من المتابعين للشأن اللبناني ان تستحق الانتخابات الرئاسية التي تصادف شهر مايو القادم ويبقى الوضع الدستوري على حاله على الرغم من تأكيد الرئيس سليمان في اكثر من مناسبة انه ضد تمديد ولايته الرئاسية . وبرأي المهتمين ان خطورة الوضع في لبنان تكمن في انقطاع الحوار بين الفرقاء الا في نطاق محدود على الرغم من دعوات الرئيس اللبناني بالعودة الى طاولة الحوار ضمن هيئة الحوار الوطني التي يرأسه والتي تضم مختلف الأقطاب السياسية اللبنانية . ويبقى السؤال هل سيتوصل الاقطاب في لبنان الى حوار داخلي لمعالجة ازمتهم الداخلية ليشكلون بذلك خرقا لما اعتاد عليه لبنان من تدخل خارجي وخاصة دول الجوار الاقليمى لحلحلة ازماتهم الداخلية المعقدة والمتشابكة .