يحتفل العالم في العاشر من ديسمبر كل عام باليوم العالمي لحقوق الانسان الذي اختارته منظمة الاممالمتحدة تحديدا باعتباره شهد صدور الاعلان العالمي لحقوق الانسان عام 1948. ويكتسي العام 2013 أهمية خاصة باعتباره يكلل 20 عاما على صدور اعلان (فيينا) لحقوق الانسان الذي جاء ثمرة للمؤتمر العالمي لحقوق الانسان الذي عقد بالعاصمة النمساوية في شهر يونيو عام 1993. وقد طرأت تحولات ومتغيرات كثيرة على أرض الواقع شكلت عناصر ضاغطة على الدول الممتنعة أو غير الراغبة بالانخراط ضمن المنظومة الدولية لحقوق الانسان وتردد حججا تقليدية من قبيل الخصوصية الثقافية والسيادة الوطنية. في موزاة ذلك يمر العالم في هذه الحقبة بمراحل تغير أساسية في مجال حقوق الانسان حيث استكمل مجلس حقوق الانسان دورته الاولى منذ تأسيسه عام 2006 علاوة على البدء بالمراجعة الدولية الشاملة ل192 دولة عضو بالاممالمتحدة. وعلاوة على ذلك شهد الوعي حيال حقوق الانسان في العالم ارتفاعا مطردا من خلال تخصيص آلاف البرامج الاكاديمية بحقوق الانسان في الجامعات والمراكز البحثية فضلا عن التزايد الملحوظ للمنظمات الدولية غير الحكومية بحقوق الانسان كما ونوعا وتخصصا. وقد أوجد الدور الذي يضطلع به مكتب المفوض السامي لحقوق الانسان منذ 1993 جسما متخصصا بحقوق الانسان بينما كان في السابق الجهاز الاداري المتخصص بالاممالمتحدة هو مركز حقوق الانسان الذي لم يكن الا موزعا لادبيات حقوق الانسان التي تصدرها الاممالمتحدة. وأدى ذلك الى البدء بتفعيل ثقافة وآليات حقوق الانسان داخل المنظومة الدولية وبالذات مع برنامج الاممالمتحدة الانمائي الذي كان يفتقر بشكل كبير إلى البعد المعرفي والعملياتي في هذا المجال. ولعل أهم تطور في مجال حقوق الانسان شهده مفهوم العدالة الجنائية الدولية التي بدأت أولى خطواتها بإنشاء محكمة جنائية خاصة للبوسنة والهرسك ثم راوندا فسيراليون مرورا بإقرار اتفاقية روما 1998 بإنشاء المحكمة الجنائية الدولية ودخولها حيز النفاذ في 2002 وإصدارها عدة أحكام. وكانت العلامة الفارقة اصدار أول حكم قضائي على رئيس دولة سابق في 26 سبتمبر 2013 بمقر المحكمة في هولندا هو الرئيس الليبيري الاسبق تشارلز تايلور بالسجن 50 عاما والتي سيقضيها في السجون البريطانية ومن ثم أغلقت محكمة سيراليون الخاصة أبوابها وانتهى دورها ولم يتبق من المحاكم الخاصة الا محكمة البوسنة وراواندا. وكان اعلان (فيينا) والمؤتمر العالمي لحقوق الانسان في يونيو 1993 نقطة انطلاق وبداية اعادة تأسيس لمفاهيم حقوق الانسان التي ظلت معلقة ومتعطلة في اطار الحرب الباردة التي استمرت منذ الحرب العالمية الثانية حتى إنهيار وتفكك الاتحاد السوفييتي عام 1990. وقد أوجد المؤتمر صيغة يتم فيها التوافق الدولي على المبادىء العامة للاعلان العالمي لحقوق الانسان الذي صدر في العاشر من ديسمبر 1948 كما تم استحداث منصب المفوض السامي لحقوق الانسان الذي أصبح بالتدريج يلعب دورا أساسيا في دعم وتعزيز مفاهيم وممارسات حقوق الانسان. وفي المنطقة العربية جاءت التحولات الاخيرة المتعلقة بما يطلق عليه اسم "الربيع العربي" لتطرح تساؤلات رئيسية حول حقوق الانسان وكيفية التعامل معها في ظل تلك التحولات وبالذات في عدد من الدول وكيفية التعامل مع مفهوم العدالة الانتقالية وقد حدث في بعض تلك الدول انفراجات مؤسسية وفي المقابل حدثت انتكاسات في دول أخرى.