ومع إمعان اسرائيل في تمزيقها وإستخفافها بالجيوش العربية طيلة ربع قرن ويزيد فان تلك الجيوش اثبتت نفسها من ان عصر القوة والهيمنة والبلطجة الاسرائيلي لايمكن ان يستمر في كسر ارادة الرجال وفي قلب كل موازين وحقائق القوة الذاتية للأمة العربية التي لم تعان مطلقا من حالة الجبن التي يريدون الصاقها بالمقاتل العربي فاذا كانت هزيمة الخامس من يونيو 1967م المذلة قد أريد لها ان تظل عنوانا دائما علي العجز العربي والتفوق الحضاري للانسان الاسرائيلي، فان حرب اكتوبر كانت البرهان الأنصع علي تهاوي وفشل كل الدعايات وأباطيل "البروبوغاندا الصهيونية" ان حرب العاشر من رمضان اعادت للشارع العربي والمصري ثقته في ذاته بعد أن كانت تجتاح حالة من الإحباط الشديد اثر نكسة 1967 والتي رافقها العديد من المظاهر الاجتماعية في الوطن العربي فلأول مرة في تاريخ حروب الدبابات يتم تدمير 150 دبابة في مدة لا تزيد عن 20 دقيقة مع اسر معظم أطقمها من المقاتلين , وهذه ماحدث في حرب اكتوبر 73 التي تكبد فيها العدو الصهيوني خسائر فادحة في الأرواح إذ بلغت خسائره 2522 قتيل بخلاف الأسرى والجرحى والمفقودين وتتمثل ضخامة هذه الخسائر فيما لو قورنت بتعدادها البشري المحدود وهذا ما اعترفت به رئيسة وزراء الكيان الصهيوني آنذاك جولدا مائير حيث قالت " لقد عبر المصريون القناة وضربوا قواتنا فى سيناء بقوة ودفع السوريون حشودهم داخل مرتفعات الجولان وتكبدنا خسائر فادحة على كلتا الجبهتين وبقي السؤال المؤلم الان وهو هل نطلع الامة على حقيقة الموقف العصيب ؟ " واضافت انني اكتب عن حرب يوم كيبور ليس كتقرير عسكري ولكن ككارثة شخصية لصيقة وكابوس فظيع عانيت منه انا شخصيا وسيظل يطاردني ما بقي لي من عمر لقد انتصر العرب على الدولة العبرية , وتلقى الجيش الإسرائيلي الذي قيل عنه أنه لايقهر تلقى ضربة قاسية في هذه الحرب حيث تم إختراق خط عسكري أساسي في شبه جزيرة سيناء وهو خط برليف وتحطيمه على ان أهم نتائج هذه الحرب , التي كانت مباغتة للجيش الإسرائيلي , يتمثل في إسترداد السيادة الكاملة على مضيق سيناء ، وإسترداد جزء من الأراضي في شبه جزيرة سيناء , اضافة الى تحطم إسطورة أن جيش إسرائيل لا يقهر والت ي كان يقول بها القادة العسكريون في إسرائيل وهذا ما عبر عنه موشيه دايان وزير الدفاع الاسرائيلي في ذلك الوقت بقوله " لقد اظهرت الحرب اننا لسنا باقوى من المصريين ولم تصمد هالة التفوق ولا القناعة السياسية والعسكرية بان اسرائيل اقوى من العرب وانهم سينهزمون اذا ما جرؤوا على شن حرب " وتتوالى الاعترافات الاسرائيلية بحقيقة انتصار العرب وتحطم الاسطورة الاسرائيلية , فقال المعلق العسكري الاسرائيلي امنون كابلوك " يقول المثل الانجليزي بما معناه ما يقع الا الشاطر وفي السادس من اكتوبر سقطت اسرائيل من فوق قمة برج السلام والطمانينة التي بنته لنفسها وكانت للصدمة تاثير عميق مطابق لكل هواجسنا السابقة " اما زائيف شيف وهو ايضا معلق عسكري اسرائيلي فقد اعترف بان الجيش الاسرائيلي عانى في هذه الحرب صدمة المعركة ، مشيرا الى أن بعض الجنود الاسرائيليين احتاجوا للعلاج النفسي حتى ان بعضهم نسي اسمه ، وأكد أن حرب اكتوبر اسقطت اسرائيل من القمة الى القاع لتحل محل الثقة الزائدة المخاوف السابقة ، متسائلا هل ستتحمل اسرائيل حرب اخرى ؟! لقد انكسرت نظرية الأمن الإسرائيلي على المستوي الاستراتيجي والتي تقوم على عدة مرتكزات هي التفوق الكيفي أمام الكم العربي وضعف عربي عام بسبب الخوف وحرب الأعصاب مما يؤدي إلى وهن على مستوي اتخاذ القرار وأحدث انكسار هذه النظرية صدمة عسكرية وسياسية لم يسبق لها مثيل في التاريخ القصير للدولة الصهيونية , وقد أدي ذلك بدورة إلى تفكك تركيبة القيادة السياسية والعسكرية في إسرائيل وتمزق العلاقات فيما بينها وبدأت مرحلة تبادل الاتهامات وتصفية الحسابات كما أدى انكسار النظرية الإسرائيلية على مستوى الراى العام إلى سقوط أساطير إسرائيلية كثيرة على رأسها الجيش الإسرائيلي الذي كان أمل إسرائيل وموضع اعتزازها الأول , وأيضا سقطت صورة المخابرات الإسرائيلية التي كانت غائبة عن مسرح الأحداث بالمعلومات والكشف والتحليل كما سقطت شخصيات إسرائيلية كانت مثل أصنام لدى الراى العام الإسرائيلي ومنها جولدا مائير وموشي ديان. كما أن الكيان الصهيوني وجد نفسه مرغما على الاستمرار في عملية التعبئة العامة لدعم خطوطها العسكرية , وكان ذلك يعنى أن عجلة الإنتاج الإسرائيلي في الزراعة والصناعة والخدمات توقفت أو أصبحت على وشك التوقف أما المواقف العربية خلال الحرب أظهرت وعدا بعصر عربي جديد يضع العرب على موضع يرضونه لأنفسهم من توافق وتكامل يؤدي بهم إلى الصفوف الأولي فقام تحالف واسع على الناحية العربية للمعركة وراء جبهة القتال تمثل في عدة خطوط تساند بعضها بطريقة تستطيع تعويض جزء كبير من الانحياز الأمريكي لإسرائيل , وقد كانت الجيوش العربية المقاتلة بشجاعة هي الخط الأول وكانت الجبهات العربية الداخلية التي تجلت إرادتها هي الخط الثاني كما ظهر سلاح البترول للمرة الأولى بعد أن لوحت السعودية باحتمال قطع امدادتها لاى دولة تقوم بمساعدة إسرائيل وكان استخدام الدول العربية لاول مرة سلاح البترول والأرصدة في موقف عربي متضامن لم تشهده الأمة العربية منذ عدة قرون بمثابة القوة السادسة , التي جعلت السنوات الاولى من حياة منظمة الدول المصدرة للنفط سنوات مساومة مع الشركات النفطية للحصول على شروط بيع أفضل لكن هزيمة السادس من اكتوبر التي منيت بها اسرائيل لم تثنيها عن مخططاتها العدوانية , لتواصل لعبة الاستفزاز المتعمد لمشاعر العرب من خلال انتهاكاتها المستمرة لحقوق الانسان الفلسطيني من خلال اجتياحها لمدن وقرى فلسطينالمحتلة وارتكبها ابشع المجازربحق ابناء الشعب الفلسطيني والتي كان اخرها اجتياحها مدنية غزة ليضاف الى قائمة مجازر الارهابي شارون بحق الشعب الفلسطيني في رفح وغيرها من المدن والقرى الفلسطينية فالحقيقة ان التحرك الاسرائيلي الاخير الذي تشهدة غزة يمثل استكمالا لحلقة العنتريات على كافة الجبهات من الشمال الى الجنوب واظهار القدرة على تحقيق عنصر الردع على اكثر من جبهة عبر استفزاز جبهات هادئة، فهي في هذة المرة توجهه رسالة للعالم مفادها ان العرب ليسوا في حالة تشبة حالتهم في حرب السادس من اكتوبر عام 1973 التي واجهت فيها خطر الهزيمة على الجبهتين الشمالية والجنوبية حتى تداركتها المعونات والامدادات الاميركية العاجلة واتضح لها خلال تلك الحرب ان تصوراتها عن (التفكك) العربي ليس له سند من الواقع، وانهم يعانون الان حالة من التهاون في الامن القومي العربي لم يسبق لها مثيل، كما انها تريد ان تؤكد للعالم انها لا تواجه خطر تصعيد عسكري من جانب العرب مهما كانت تحركاتها العسكرية فما يجري الان في غزة ورفح على وجه الخصوص حيث خطوط التماس مع مصر يؤكد ذلك، اما مزاعم السيطرة على الانفاق فما هي الا الذريعة، اذ المعلوم والذي تم التأكيد عليه من قبل هو ان المصدر الرئيسي للسلاح الذي بيد المقاومة الفلسطينية الآن هي اسرائيل حيث يقوم منتسبو جيش الاحتلال ببيع هذه الاسلحة مقابل المال ونخلص الى القول ان مقارنة بسيطة بين اسلوب التنسيق العربي قبيل حرب اكتوبر 1973 وبين التفكك والتهاون الراهن تعطي الدليل الاكيد على مبررات جرأة اسرائيل ومبادرتها الى التهديد والوعيد والقتل والإجرام بحق الشعب الفلسطيني الأسير. سبا