الصحافة هي فن الإبداع في تقديم الحقائق للقراء مبرأة من الزيف والخديعة والتضليل، والصحافة هي فن تقديم المعرفة للمتلقين والإحاطة بالإحداثيات ومجريات الأمور وحتى الحقائق الصغيرة التي تشكل جزءاً من الحقيقة الكبرى، وفي سعيها لتحقيق ذلك تنأى الصحافة الملتزمة بالقواعد المهنية والأطر الأخلاقية بنفسها عن استخدام الكلمات المبتذلة وساقط القول أو المهاترة أو محاولة تضخيم الأحداث بصورة غير حقيقية الأمر الذي يقود إلى إحداث إرباك أو أن يعرض الأمر على غير صورته الأصلية، فالتدليس ممكن في كل شيء ولكنه يجب ألا يكون منهاجاً في الصحافة أو العمل الصحفي. ينتابني قلق شديد من ممارسات بعض الصحف سواء في عالمنا العربي أم في محيط صحافة العالم الثالث حيث تنأى صحف عديدة بنفسها عن انتهاج الطريق القويم مهنياً وأخلاقياً، ونجد بعض تلك الصحف تستخدم عبارات مذمومة وألفاظاً هابطة وتعتمد أسلوباً مباشراً لدرجة الفجاجة فهي لا تحترم كبيراً ولا توقر صغيراً ولا توفر المقدمات المطلوبة للوصول إلى النتائج المنطقية، فالحقائق عندها مبتورة والمعنى غير موصول واللغة تتسم بالركاكة وتميل إلى العامية مع الميل الفاضح إلى تبني الخط الرسمي للدولة حتى ولو جانبه الصواب أو اعتراه الوهن في عرض قضيته بصورة منطقية تؤطرها الحكمة أو تتسم بالوضوح والمباشرة. ما دفعني لكتابة هذا المقال ما أقرأه في بعض الصحف العربية حيث باتت الصفحات والمساحات ساحة لتصفية الحسابات بين الفرقاء في الحقل السياسي حيث تروي قصصاً وحكايات بصورة غير موثقة عن شخصيات عامة بهدف تشويهها أو النيل منها لمصلحة قوى أخرى في الساحة ذاتها، وعادة ما يتم هنا تسريب معلومات للإضرار والإساءة، وتنبعث من تلك الصحف رائحة كريهة من الدس والمكايدات، وفي حالة السعي للقصاص القانوني تكون القصة الزائفة قد انتشرت، كما أن كثيرين لا يقرأون التصويب الذي يتم والذي عادة ما ينشر بصورة غير لافتة. الأدهى أن إحدى تلك الصحف وقعت في يدي قبل أسبوع وذهلت من الإسفاف الذي تتعامل به هذه الصحيفة في قضايا لا يجوز مناقشتها بتلك الغوغائية الفجة وتلك المباشرة التي لا تحترم كبيراً ولا تقدم مبررات أو مسوغات منطقية، وتتهم شخصيات في مناصب قيادية هامة بأنهم وغيرهم غير جديرين بالبقاء في تلك المناصب لأنهم أعجز وأفشل من أن يقدموا شيئاً وإن عليهم الرحيل إلى وجهات أخرى قد يكونون أفيد فيها لأنفسهم. أعرف أن بعض تلك المقالات تأتي من أعلى أو على أقل تقدير برضاء ومباركة ذلك الجالس هناك وأن أقلام بعض الصحفيين يتم استئجارها لنشر مثل هذا الهراء المسف وليس عليهم سوى التوقيع بإمضاءاتهم ووضع صورهم مع المقالات، وأعتقد أن هذا نوع محتقر من الممارسة الفكرية وأن مثل تلك الأقلام لن تدافع عن قضية أو تنتصر لحق ولكنها ستبقى بوقاً أجوف. الراية