«كاك بنك» يشارك في اليوم العربي للشمول المالي 2024    رفض قاطع لقرارات حيدان بإعادة الصراع إلى شبوة    قذارة الميراث الذي خلفه الزنداني هي هذه التعليقات التكفيرية (توثيق)    ما الذي كان يفعله "عبدالمجيد الزنداني" في آخر أيّامه    قوات دفاع شبوة تحبط عملية تهريب كمية من الاسلحة    أكاديمي سعودي يلعنهم ويعدد جرائم الاخوان المخترقين لمنظومة التعليم السعودي    قيادي إصلاحي يترحم على "علي عبدالله صالح" ويذكر موقف بينه و عبدالمجيد الزنداني وقصة المزحة التي أضحكت الجميع    عاجل: الحوثيون يعلنون قصف سفينة نفط بريطانية في البحر الأحمر وإسقاط طائرة أمريكية    دوري ابطال افريقيا: الاهلي المصري يجدد الفوز على مازيمبي ويتاهل للنهائي    ريال مدريد يقترب من التتويج بلقب الليغا    لا يجوز الذهاب إلى الحج في هذه الحالة.. بيان لهيئة كبار العلماء بالسعودية    عمره 111.. اكبر رجل في العالم على قيد الحياة "أنه مجرد حظ "..    آسيا تجدد الثقة بالبدر رئيساً للاتحاد الآسيوي للألعاب المائية    رصاص المليشيا يغتال فرحة أسرة في إب    وزارة الحج والعمرة السعودية تكشف عن اشتراطات الحج لهذا العام.. وتحذيرات مهمة (تعرف عليها)    سلام الغرفة يتغلب على التعاون بالعقاد في كاس حضرموت الثامنة    حسن الخاتمة.. وفاة شاب يمني بملابس الإحرام إثر حادث مروري في طريق مكة المكرمة (صور)    ميليشيا الحوثي الإرهابية تستهدف مواقع الجيش الوطني شرق مدينة تعز    فيضانات مفاجئة الأيام المقبلة في عدة محافظات يمنية.. تحذير من الأمم المتحدة    الجريمة المركبة.. الإنجاز الوطني في لحظة فارقة    أول ظهور للبرلماني ''أحمد سيف حاشد'' عقب نجاته من جلطة قاتلة    فرع العاب يجتمع برئاسة الاهدل    الإطاحة بشاب وفتاة يمارسان النصب والاحتيال بعملات مزيفة من فئة ''الدولار'' في عدن    أكاديمي سعودي يتذمّر من هيمنة الاخوان المسلمين على التعليم والجامعات في بلاده    مأرب: تتويج ورشة عمل اساسيات التخطيط الاستراتيجي بتشكيل "لجنة السلم المجتمعي"    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    لا يوجد علم اسمه الإعجاز العلمي في القرآن    حزب الإصلاح يسدد قيمة أسهم المواطنين المنكوبين في شركة الزنداني للأسماك    - عاجل شركة عجلان تنفي مايشاع حولها حول جرائم تهريب وبيع المبيدات الخطرة وتكشف انه تم ايقاف عملها منذ6 سنوات وتعاني من جور وظلم لصالح تجار جدد من العيار الثقيل وتسعد لرفع قضايا نشر    ناشط يفجّر فضيحة فساد في ضرائب القات للحوثيين!    المليشيات الحوثية تختطف قيادات نقابية بمحافظة الحديدة غربي اليمن (الأسماء)    خال يطعن ابنة أخته في جريمة مروعة تهزّ اليمن!    مغالطات غريبة في تصريحات اللواء الركن فرج البحسني بشأن تحرير ساحل حضرموت! (شاهد المفاجأة)    الدوري الانجليزي ... السيتي يكتسح برايتون برباعية    الزنداني.. مسيرة عطاء عاطرة    مأرب.. تتويج ورشة عمل اساسيات التخطيط الاستراتيجي بتشكيل "لجنة السلم المجتمعي"    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين جراء العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34305    إيفرتون يصعق ليفربول ويعيق فرص وصوله للقب    انخفاض الذهب إلى 2313.44 دولار للأوقية    المكلا.. قيادة الإصلاح تستقبل جموع المعزين في رحيل الشيخ الزنداني    ذهبوا لتجهيز قاعة أعراس فعادوا بأكفان بيضاء.. وما كتبه أحدهم قبل وفاته يُدمي القلب.. حادثة مؤلمة تهز دولة عربية    مفاوضات في مسقط لحصول الحوثي على الخمس تطبيقا لفتوى الزنداني    تحذير أممي من تأثيرات قاسية للمناخ على أطفال اليمن    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    نبذه عن شركة الزنداني للأسماك وكبار أعضائها (أسماء)    الإصلاحيين يسرقون جنازة الشيخ "حسن كيليش" التي حضرها أردوغان وينسبوها للزنداني    طلاق فنان شهير من زوجته بعد 12 عامًا على الزواج    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    دعاء الحر الشديد .. ردد 5 كلمات للوقاية من جهنم وتفتح أبواب الفرج    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    برشلونة يلجأ للقضاء بسبب "الهدف الشبح" في مرمى ريال مدريد    دعاء قضاء الحاجة في نفس اليوم.. ردده بيقين يقضي حوائجك ويفتح الأبواب المغلقة    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    كان يدرسهم قبل 40 سنة.. وفاء نادر من معلم مصري لطلابه اليمنيين حينما عرف أنهم يتواجدون في مصر (صور)    السعودية تضع اشتراطات صارمة للسماح بدخول الحجاج إلى أراضيها هذا العام    مؤسسة دغسان تحمل أربع جهات حكومية بينها الأمن والمخابرات مسؤلية إدخال المبيدات السامة (وثائق)    لحظة يازمن    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإعلام في اليمن.. معارك وهمية وفقر معلوماتي
نشر في الجمهورية يوم 09 - 02 - 2014

الصحافة هي مجمل المنشورات المطبوعة التي تظهر بشكل دوري (يومي أو أسبوعي، أو نصف شهري أو شهري)، وتكون إما صحافة رأي أو صحافة إعلام أو صحافة متخصصة أو تكون كل ذلك معاً مع التشديد على غاية أساسية من هذه الغايات ،ومع اكتشاف التقنيات الحديثة، والتي أصبحت بفضلها صحافة شعبية، أصبحت تقوم بوظائف عديدة، منها سياسية و اجتماعية وثقافية ونفسية وإعلامية. ويتسع دورها لتتخذ أهمية أكبر ما جعل منها(سلطة رابعة).
ليس للصحفيين وظيفة اجتماعية هامة فحسب، بل إن لديهم قدرة كامنة على التأثير في الأفكار والآراء إن لم يكن تشكيلها كذلك، كما أن المشكلات التي تواجههم بحكم طبيعة عملهم تجعل من الصحافة مهنة ورسالة في وقت معاً، ومن هنا تأتي ضرورة الإشارة إلى حقوق الصحفيين وإلى حدود هذه الحقوق. ومجمل القول إن مسألة حقوق الصحفيين يمكن إيجازها في حق الحصول على المعلومات، حرية الحركة داخل البلدان وعبر الحدود، حرية نقل المعلومات دونما عراقيل، الحماية من الأخطار التي تهدد جسدياً الصحفي عندما يقوم بواجبه، حق نشر المعلومات بحرية، تحقيق التكافؤ ما بين وسائل الإعلام في مسألة الحصول على المعلومات ،مشاركة الصحافيين في عملية الإدارة لكسر الاحتكار في اتخاذ القرارات وذلك عبر نظام الإدارة الذاتية وحق الصحافة في حماية مصادر أخبارها.
حماية الصحفيين
تنبع الحاجة إلى إقرار أحكام لحماية الصحفيين من عدد من الاعتبارات تتجاوز مجرد ضمان سلامتهم الشخصية واستقلالهم ونزاهتهم، وتتعلق بحرية التعبير التي هي جزء حيوي من العملية الديمقراطية. وهناك حقان أساسيان هما حق تبليغ الأنباء والمعلومات والآراء وحق تلقي الأنباء والمعلومات والآراء ومن ثم فإن حق الاتصال وتلقي المعلومات من الغير يتوقف في النهاية على توافر ضمانات كافية لأولئك الذين يعملون في جمع المعلومات ونشرها على الجمهور.
ويواجه الصحفيون الذين يعدون عادة شهوداً يسببون الحرج ومن ثمّ يصبحون هدفاً مُفضلاً للهجمات ويتعرضون لأخطار ملموسة عند تغطيتهم لأخبار النزاعات والحروب والمظاهرات ففي العام الماضي 2013 سجلت 138 حالة انتهاك تعرض لها الصحفيون وفقاً للتقرير السنوي لمنظمة «صحفيات بلا قيود» عن الحقوق والحريات الصحفية في اليمن، وتشير منظمة «هيومن رايتس» إلى مقتل أكثر من مئة صحفي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فضلاً عن سجن واحتجاز عديد من المنتمين إلى هذه المهنة.
التشريعات
اعتمد عدد من البلدان تشريعات خاصة تنظم مختلف جوانب مهنة الصحافة وهناك تباين بين الدول في ما يختص بوجود تنظيمات مهنية خاصة بالصحفيين، إضافةً لجدل حول هذا الموضوع ، وقد صدرت في اليمن العديد من القوانين المنظمة للعمل الصحفي كان أولها قانون المطبوعات العثماني الصادر في 13يوليو 1959، ثم القانون رقم (27) لعام 1939 في ظل الاحتلال البريطاني لجنوب الوطن، وبعد قيام النظام الجمهوري صدرت العديد من القوانين وأولها قانون المطبوعات الصادر في شمال الوطن بتاريخ 18 نوفمبر 1968، وتوالت القوانين حتى صدر القانون رقم 25 لسنة 1990 بشأن الصحافة والمطبوعات ولائحته التنفيذية بعد إعادة تحقيق الوحدة اليمنية.
الصحافة اليمنية
في اليمن كانت البداية مع صحيفة (صنعاء) لسان حال الإمارة الرسمية، التي صدرت في العام 1879، وفي العام 1926 أصدر قائد بن محمد سريع صحيفة (الإيمان). أما في العهد الجمهوري فقد صدرت ثلاث صحف كبرى وهي: الثورة التي تأسست في 29 سبتمبر 1962، والجمهورية التي تأسست في20 أكتوبر1962، وصحيفة 14 أكتوبر التي تأسست في 19يناير1968. ثم توالت الإصدارات الصحفية وشهدت طفرة كبرى عقب إعادة تحقيق وحدة اليمن، ومن ثم شهدت طفرة جديدة عقب أحداث العام 2011.
صحف صحف صحف
تزخر اليمن بما لا يقل عن 250 صحيفة ولا يزيد عن 450 صحيفة مطبوعة ورقياً، وهذا التواتر في الأعداد يرجع إلى ظهور الكثير من الصحف منذ نهاية العام 2011 واختفاء الكثير منها أيضاً على فترات متباعدة ،وبرغم التطور التقني الذي شهدته الصحف اليمنية إلا أن ذلك لم يرافقه تطور في مستواها المهني والفكري .
السياسة التحريرية
وفي الجانب المهني تبدو الصحف اليمنية بمعزل عن المعايير العلمية للعمل الصحفي، حيث نشهد انشغال الصحفيين بمعارك شخصية بين زملاء المهنة خدمة لأطراف سياسية أو تمويلية وغيرها، وانتشار ظاهرة صحفيي الدفع المسبق، الذين يعملون على طريقة (ادفع وسأكتب لك ما تريد)، وفي مقابل ذلك نجد صحفيين يدفعهم الضغط المالي والابتزاز أو الضغط من شخصيات كبيرة ونافذة إلى كتابة أمور لا يؤمنون بها، وهناك شخصيات كبيرة أصبحت تفخر بنشر مقالات باسمها في الصحافة وهي من كتابة أشخاص آخرين، والبعض لا يحترم حقوق الملكية الفكرية فينقل من صحيفة إلى أخرى دون الإشارة للمصدر، والغريب أن تجد صحفياً يسرق مادة صحفية ليست له وينشرها في نفس الصحيفة المنقول عنها للأسف، بل إن أحدهم نشر استطلاعاً كان قد سرقه من صحيفة أخرى ولم يتنبه إلى أن اسمه مذكور في متن النص كأحد الأشخاص المشاركين في الاستطلاع، وللأسف نشرته صحيفة كبرى في اليمن، فاستحق بذلك الدخول إلى موسوعة غينيس العالمية باعتباره الصحفي الأول في العالم الذي أجرى حواراً صحفياً مع نفسه!!، وذات مرة اتصل أحد القراء بإحدى الصحف سائلاً عن الصحفي الفلاني الذي نشر كلاماً على لسان أخيه المتوفى منذ تسع سنوات.
كثرة الأخطاء
الصياغة أو العملية التحريرية في صحف اليمن تعكس حالة من البؤس التي تعيشها تلك الصحف، وكثيراً ما يواجهك المعنيون بالأمر في تلك الصحف بالرد الجاهز بأننا أخطأنا ولكن ليس عن قصد، بل لأننا نعمل، ومن يعمل يخطئ، أما من لا يعمل فهو لن يخطئ بالتأكيد، وكأن هؤلاء يضعون أمامنا خيارين أحلاهما مر: إما تجاهل أخطائهم أو تركهم بعيدين عن ممارسة العمل!! أي منطق هذا؟
والبعض يتحجج بأن الأخطاء واردة خصوصاً في الصحف اليومية، لكنهم يتجاهلون أن تلك الأخطاء نادرة الحدوث في الصحافة غير اليمنية حتى الصحف اليومية، فلماذا تصبح الصحف اليمنية مغايرة لنظيراتها حتى في الأخطاء؟
ويصعب في نطاق الحيز المتاح لهذا الملف أن نناقش كل أخطاء العملية التحريرية في الصحف اليمنية، لكن من قبيل التمثيل الأنسب للحالة، نشير إلى أن التحرير الصحفي يتناقض كلياً مع المعايير المحددة في الدراسات العلمية المتخصصة إذ إن الصحف تنشر عناوين طويلة للأخبار ويكاد العنوان أن يكون خبراً بحد ذاته فإذا وضع كل شيء في العنوان فماذا بقي للمضمون؟
بؤس طباعي
تفتقر كثير من الصحف اليمنية إلى الأناقة في شكلها حيث تطبع بأسلوب رديء بالرغم من تكاثر المطابع الحديثة في المؤسسات الصحفية الكبرى في البلد، وفي هذا السياق يمكن ملاحظة الكثير من الصحف التي يتساقط منها الحبر ويلتصق باليد أثناء تصفحها، وبعضها يكون ملطخاً بمواد الطباعة، ويبدو أن ثمة عدم اهتمام بالأمر.
شللية مقيتة
بصورة فظيعة تتعامل الصحافة اليمنية مع منتسبيها، فقد أصبحت الشللية تسود الوسط الصحفي، فإن كان الصحفي من الشلة الحزبية أو المناطقية فستجد مادته الصحفية طريقها إلى النشر، وإن لم يكن كذلك فستذهب إلى بريد المهملات الإلكترونية، وفي أحسن الأحوال سوف ينشر ما أرسله ولكن سوف يسقط اسمه من كشف المستحقات المالية.
الإقطاعيات الصحفية
برزت في الآونة الأخيرة ظاهرة باتت تشكل خطراً محدقاً على مستقبل الصحافة، وتتمثل في الإقطاعيات الصحفية، إذ أصبح تقسيم العمل في الصحيفة الواحدة بوابة لممارسة الإجحاف بحق الكثيرين، ففي إحدى الصحف الكبرى يرفض الرجل الكبير المسؤول عن مراجعة مقالات الرأي نشر مقالات أحد الصحفيين العاملين في تلك الصحيفة منذ سنوات طويلة بحجة أن هذا الصحفي ليس متخصصاً في كتابة المقالات وإنما يجب أن يظل في زاوية العمل الرياضي أو الإخباري أو غيره، وفي ذات الوقت يفسح ما يناهز نصف صفحة لمقال شاب لم يبلغ بعد سن الرشد، وفي مقالاته يمارس مراهقته السياسية دون إدراك لعواقب ما يكتبه، ما دام قد نال حق النشر لسبب بسيط يكمن في كونه نجل الكاتب الفلاني الذي يمثل اتجاهاً سياسياً معيناً.
عزلة مفزعة
أصبحت السياسة هي الطاغية على كل الصحف اليمنية، وبجانب عدم وجود صحافة متخصصة بشكل دقيق، سوف نجد الخبر الواحد منشوراً في 40 صحيفة بنفس الصياغة، دون أن يكلف المحرر نفسه القيام بإعادة تحرير الخبر بما يتوافق مع سياسة صحيفته التي يعمل بها، والأغرب أن الصحف اليمنية بالرغم من أنها تعد نظرياً بوابة اليمن إلى العالم والعكس، إلا أنها أصبحت تعمل في الاتجاه المعاكس مكرسة القطيعة مع العالم، فأصبح الشأن العربي والعالمي يمثل مادة لسد الفراغ في الصحيفة في حال وجوده، أما القاعدة الأساسية فهي تجاهل ما يجري في العالم كله، والانحصار في الداخل اليمني، وكأننا نعيش في جزيرة معزولة، بالرغم من أن العالم اليوم يتنافس على تغطية أخبار القطب المتجمد الشمالي الذي يعد منطقة معزولة عن باقي العالم ليصبح في قلب الأحداث العالمية.
فقر معلوماتي
في الغالبية العظمى من الصحف اليمنية لا توجد مراكز معلومات أما مراكز أو وحدات الدراسات والأبحاث فإنه لا حاجة لمراكز المعلومات ما دام كل شيء يتم وفق تصرفات شخصية وبدون أدنى الأطر المؤسسية، فهل سنشهد تطوراً في هذا المجال؟
اهتمامات قاصرة
برغم ضخامة عدد صحف اليمن فإن هناك قصوراً واضحاً في اهتماماتها، وتعد أخبار ومناقشات وملخصات الأطروحات العلمية التي تنجز في الجامعات من الموبقات التي يجب على الصحف الابتعاد عن نشرها، كما أن هناك تراجعاً في الإعلام السياحي فبعد أن كانت صحفاً كالثورة والجمهورية تصدر ملاحق أسبوعية خاصة بالسياحة صار ملحق الثورة مجرد أربع صفحات أسبوعية، أما ملحق اليمن الصادر سابقاً عن الجمهورية فذهب إلى غير رجعة ،إضافةً للقصور في تغطية تطورات الوضع الشامل للوطن العربي والعالم فأصبحت أخبار العالم مادة لتغطية الفراغات في أيام الإجازات حيث تقل المواد الصحفية المحلية المرسلة للصحف، وازداد هذا الواقع المأساوي بعد اختفاء صحيفة السياسية وقبلها الاقتصادية وكذلك النشرة العربية لصحيفة اللوموند، واختفاء (النداء) ومعها ترجمات النيويورك تايمز، واختفاء الصحافة الثقافية وخصوصاً صحيفة الثقافية، وفي مقابل ذلك تكاثرت الصحف الرياضية، وتوالدت صحف المحافظات بشكل يشيع روح المناطقية البغيضة، وهذا الأمر ليس سراً، فقد أكدت دراسة علمية أن الصحافة ساعدت على بث الكراهية في المجتمع اليمني.
تناقض بين العنوان والمضمون
من عجائب الصحافة اليمنية تناقضها بين عنوانها ومضمونها، حيث تزعم كثير من الصحف استقلاليتها، وليس لها من الاستقلال شيء، وذهبت بعض الصحف إلى الادعاء بأن رسالتها خدمة الإعلام السياحي، فيما تصف بعض الصحف نفسها بأنها سياحية فيما لا يوجد أثر للإعلام السياحي في صفحاتها بل هي صحيفة سياسية من الألف إلى الياء.
الدور التنويري
أدى غياب الثقافة العلمية والتاريخية والاقتصادية والتقنية إلى تراجع دور الصحف التنويري وأصبحت تتعامل مع هذه المجالات بخفة واستخفاف وقصور بارز حيث تشتمل على بعض الأخبار من باب المنوعات فقط لا أقل ولا أكثر، أما التاريخ فليس له سوى مناسبات محددة كأعياد الثورة والوحدة فقط مع أن صحف العالم بما فيها العربية تثير معارك ثقافية وعلمية عبر هذه المجالات ومثال ذلك ملحق الجمعة لصحيفة الأهرام القاهرية وعدد الخميس الأسبوعي للجمهورية القاهرية والراية الأسبوعية في السبت والعرب الأسبوعي فأين هو العدد الأسبوعي الأكثر دسماً ومعلوماتية وثقافة في صحف اليمن؟
ممارسات غير منطقية
الممارسة العملية للصحف اليمنية لا تمت إلى معايير العمل الصحفي بصلة في كثير من الأحيان، فكثير من هذه الصحف غير منتظمة الصدور، بل تصدر في بعض المناسبات الوطنية والدينية حيث أن إصدارها محكوم بحصول مالكيها على كمية هائلة من الدعم المالي عبر بوابة نشر الإعلانات أو التهاني في المناسبات، فيما صحف أخرى تعمد إلى نشر أخبار الإثارة والمعلومات المضللة سعياً وراء رفع نسبة المبيعات ،أما صحف المحافظات فاختفت بسبب نقص التمويل، وكذلك الحال فيما يخص صحف المؤسسات كصحف الجامعات الحكومية التي اختفت لأسباب غير معقولة وأهمها عدم اهتمام قيادات الجامعات بالإعلام.
صحف الطفرة
السيل الجارف من الإصدارات الصحفية خصوصاً منذ بداية العام 2011،لم يعد كذلك إذ ذهبت معظم تلك الإصدارات مع الريح بانتهاء مهمتها وتراجع تمويلها، والغريب أن بعض الصحفيين أو مالكي الصحف أصدروا صحفاً جديدة بأسماء جديدة سرعان ما اختفت بعد صدورها لفترة قصيرة لم تتجاوز العام الواحد، وهو ما يشير إلى عدم اقتناع ناشري تلك الصحف الجديدة بالمهمة التي أوكلت إليهم، وأنهم كانوا مضطرين للعمل بأسلوب يرضي مصدر التمويل الهادف إلى تحقيق أهداف سياسية في خضم الفوضى التي يشهدها الوطن اليمني منذ ثلاث سنوات، ومن ثم فقد حرص أولئك الناشرون على النأي بصحفهم القديمة عن خوض معارك خاسرة تتسم بالتلفيق ونشر الكذب، وليصدروا صحفاً جديدة ليتمكنوا من العيش في ظل ضغط الظروف الاقتصادية الصعبة التي عصفت بالبلاد، وما أن تراجع التمويل حتى اختفت تلك الصحف، واحتفظت الصحف القديمة بمكانتها رغم التباين الواضح في تلك المكانة في عالم اليوم.
وهنا نتساءل: أين ذهبت القيم الوطنية والمعايير المهنية للعمل الصحفي؟ هل أصبحت الصحافة مجرد مهنة لمن لا مهنة له؟ وهل أصبحت الصحافة في اليمن وسيلة للارتزاق والابتزاز، بل وأكثر من ذلك أصبحت وسيلة لترويض الرأي العام اليمني؟!
الصحافة اليمنية.. واقع مؤلم!!
بعضها أصبحت مجرد أصوات للتحريض المذهبي والمناطقي.. وأخرى أداة لتصفية الحسابات بين القوى السياسية وثالثة تدعي الاستقلالية وهي بعيدة عنها..
هل الصحافة اليمنية اليوم تُعتبر عامل بناء أم هدم؟ هل هي قادرة على إحداث تغيير في حياة المجتمع اليمني؟.. وهل هي قادرة على كشف مسئول فاسد عبر الأدلة المقنعة، أو الأفراج عن متهم بريء؟ وعلى إجبار تاجر على سحب بضاعته الفاسدة من الأسواق؟ وهل الصحافة اليمنية قبل ذلك وبعده تهدف إلى خدمة الوطن والمواطن؟ أم أن كل الصحف الخاصة مشاريع فردية والكثير منها تفتقر لأبسط متطلبات المهنة لا تصدر وفقاً لخطة مدروسة تحدد هدفها ورسالتها ووظيفتها، بحيث بدت العديد من المطبوعات وكأنها بدون قضية أو هوية ما أدى لاختفاء مجموعة من الصحف سريعاً، وكأنها أصيبت بالسكتة الإعلامية بعد صدور العدد الأول والثاني وبعضها تحولت إلى مجرد أصوات للمذهبية والحزبية والتحريض المنافي لأبسط قواعد المهنة والتي تأتي على حساب خدمة الوطن والمواطن والمصالح العامة للمجتمع! وأن تصبح أخبار بعض الصحف اليمنية مجرد إشاعات أو تلفيق لا تستند إلى أدلة أو وثائق تدعم تلك الأخبار التي عادة ما تدعي بعض تلك الصحف بأن لها مصادرها الخاصة بنشرها..!! ....الاستطلاع التالي يتناول ما سبق إضافةً لجزئيات أخرى
معيارا الحرية وحقوق الإنسان
إن تقييم الصحف اليمنية مشكلة بحد ذاته، فهو يقتضي أخذ العديد من القضايا بعين الاعتبار والتي يوضحها الأستاذ عبدالباري طاهر رئيس الهيئة العامة للكتاب بقوله: قبل أن نمضي في التقييم لهذه الصحيفة أو تلك ومدى خدمتها للتقدم والحرية، لابد من الإشارة إلى أهمية مراعاة وظيفة الصحافة كمدافع بالأساس عن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، وارتباطها بأحلام وأماني الناس في كل زمان ومكان.
فالصحافة أداة التعبير والتفكير في حماية الحريات والدفاع عنها وهي لا تدافع عن نفسها فحسب باعتبار أن الحرية الرئة التي لا تستطيع أن تعيش بدونها، كما أنها أيضاً هي الأداة الأساس للدفاع عن النظام والقانون وحماية الحق والعدل فهي لا تعيش ولا تنمو وتتطور إلا في بيئة متحررة متفتحة ومتسامحة.
تشريعات وقيود
ويضيف طاهر: وفي التقويم أيضاً لمدى خدمة التطور والدفاع عنه لابد من أن نقرأ التشريعات الصحفية والقيود المفروضة على حرية الرأي والتعبير.. ونعرف مدى تضافر قيود قمع الحريات الواصل حد وأد الحياة ذاتها، بالإضافة إلى أن الحديث عن تطور الصحافة وتحررها يقتضي أن نقرأ التشريعات ومدى قربها أو بعدها من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وتحديداً المادة 19، ومدى امتلاكها الحق في الصدور بمجرد الإبلاغ وليس بالتصريح أو الترخيص، والحق في تعددية وتنوع وسائل الإعلام وارتباطها بالعصر وبالثورة الثالثة، والحق في تدفق المعلومات وغياب الرقابة والقيود من أي نوع.
التباين في صياغة الرأي العام
وفي الاتجاه ذاته يبرز التساؤل المشروع حول نجاح الصحافة اليمنية في تشكيل رأي عام ضاغط إزاء القضايا التي تهم المجتمع؟!، وفي هذا السياق يشير الأستاذ علي السقاف- رئيس تحرير صحيفة «الشارع» إلى إن للصحافة اليمنية دوراً بارزاً في تشكل هذا الرأي العام، غير أن ذلك الدور يظل متبايناً وفق نوعية الصحيفة ذاتها، فلا يمكن القول بمستوى موحد لدور الصحافة العامة والصحافة الأهلية والصحافة الحزبية ومدى قدرتها على تحقيق هذه الغاية.
صحف تصاب بالسكتة الإعلامية
ظاهرة بروز واختفاء الصحف اليمنية خاصة الخاصة تمثل معضلة حقيقية في السياق العام ولها أسبابها التي يلخصها الكاتب والصحفي الأستاذ عبدالحليم سيف بقوله: إن كل الصحف الخاصة مشاريع فردية والكثير منها تفتقر لأبسط متطلبات المهنة مثل المكاتب والأجهزة والمحررين والأقسام الفنية المختلفة، إضافة لعدم صدور الصحف وفقاً لخطة مدروسة تحدد هدفها ورسالتها ووظيفتها، بحيث بدت العديد من المطبوعات وكأنها بدون قضية أو هوية، وتفتقر إلى الإمكانات المادية، مما أدى إلى اختفاء مجموعة من الصحف سريعاً وكأنها أصيبت بالسكتة الإعلامية بعد صدور العدد الأول والثاني.
ويضيف سيف بالقول: إضافة لعدم انتظام صدور الصحف فمنها موسمية، وأخرى مناسباتيه ويغلب على بعضها الطابع الإعلاني، إذ أن الإعلان يفوق أحياناً المادة التحريرية بنسبة تصل إلى 50 % خلافاً للمعايير المتفق عليها دولياً، والتي تحدد المادة الإعلانية ب35 % من محتويات الصحيفة خاصة في المناسبات الوطنية.
عامل بناء أم هدم؟
لكن هل تُعتبر الصحافة اليمنية اليوم عامل بناء أم العكس؟ هل هي قادرة على إحداث تغيير في حياة المجتمع اليمني؟.. وهل هي قادرة على كشف مسئول فاسد عبر الأدلة المقنعة، أو الإفراج عن متهم بريء؟ وعلى إجبار تاجر على سحب بضاعته الفاسدة من الأسواق وعبر أدلة وشواهد مقنعة؟ هل الصحافة اليمنية قبل ذلك وبعده تهدف إلى خدمة الوطن والمواطن؟.. تلك أسئلة كبيرة وكثيرة يجيب عنها الباحث والكاتب يحيى عبد الرقيب الجبيحي بقوله:
أحسب شخصياً أن الصحافة اليمنية اليوم غير قادرة على تحقيق مثل هذه الأمور-!!، ذلك أن الصحافة اليمنية تفتقر إلى الجانب المؤسسي كما تفتقر إلى استطلاعات الرأي العام إلا ما ندر.. وعدم قدرتها على استثارة الرأي العام أو التأثير الواضح فيه بسبب افتقارها لبعض الحقائق والمعلومات التي يتطلع إليها القراء، كذلك لا تعتمد الصحافة اليمنية على جهودها في الحصول على الأخبار والمعلومات التي تقوم بنشرها وإنما هي مجرد ناقل من صحف خارجية أو من صحيفة محلية إلى أخرى..!!، وأصبحت معظم الصحف اليمنية اليوم تعيش على لعن الماضي وليس على التحرر منه، لأنها تتسم بمجملها بعدم القدرة على نسيان الماضي، مما جعل إرث الأمس القريب بكل مساوئه يفرض أجندته على توجهات صحافة اليوم.
أصوات للمذهبية والحزبية والتحريض
ويضيف: وبعض الصحف تحولت إلى مجرد صوت للجوانب المذهبية والحزبية والتحريض المنافي لأبسط قواعد المهنة والتي تأتي على حساب خدمة الوطن والمواطن والمصالح العامة للمجتمع!!. كما باتت أخبار بعض الصحف اليمنية مجرد إشاعات أو تلفيق لا تستند إلى أدلة أو وثائق تدعم تلك الأخبار التي عادة ما تدعي بعض تلك الصحف بأن لها مصادرها الخاصة بنشرها..!!، بل باتت الصحافة اليمنية بوجهٍ عام تُكتب بلغة ركيكة لا تليق بلغة اليمن التي هي منبع اللغة العربية ومأوى أفئدة العرب، ثم ما باتت تتسم به معظم الصحف اليمنية اليوم من غموض في التبعية، فباستثناء الصحف الرسمية والحزبية المعروفة لدى القارئ هناك عشرات الصحف التي يصعب معرفة تبعيتها لكل القراء، والتي تدعي “الاستقلالية” وهي ليست كذلك!!
من هو الصحفي؟!
مفهوم الصحفي في اليمن بعيد كل البعد عن المفهوم المتفق عليه عالمياً، فهو يشغل أكثر من وظيفة وفي الغالب غير متفرغ للعمل الصحفي نتيجة لظروفه المادية، أو أنه متطوع لأداء أكثر من عمل في آن واحد، وللتأكيد على ذلك يجب مقارنة واقع الصحفي اليمني بالمفهوم الدولي للصحفي، فمفهوم الصحفي الذى حددته نقابة الصحفيين الفرنسيين قبل أكثر من ثمانين عاماً ليصبح ذلك التحديد أو المفهوم هو القاسم المشترك لدى معظم نقابات واتحادات الصحفيين الأوروبيين والأميركيين وغيرهم.. على أن: “الصحفي الجدير بهذا الاسم يأخذ على عاتقه تبعة كل كتاباته حتى ولو كانت غفلاً من الإمضاء إذ يُعد الطعن والتشهير والقذف والاتهامات التي لا دليل لها من أشنع أخطاء الصنعة، وهو لا يقبل إلا المهمات التي تتفق مع كرامة المهنة، ويمتنع عن ادعاء لقب أو انتحال صفة ليحصل على الخبر!.. وهو لا يأخذ مالاً من عمل حكومي أو منشأة خاصة يمكن أن تصبح فيهما صفته الصحفية أو علاقاته أو يصبح نفوذه عرضة للاستغلال، وهو لا يُوقع باسمه مقالات للإعلان التجاري أو المالي البحت، وهو لا يرتكب سرقة أدبية، ولا يسعى في أخذ مركز زميل له، ولا يعمل على فصله بأن يتقدم للعمل بشروط أدنى، وهو يحفظ سر المهنة، ولا يُسيء استعمال حرية الصحافة بقصد مُغرض؟!!”.
واقع الصحفي اليمني
وهنا نتساءل: أين يقف الصحفي اليمني من هذا التعريف الواضح لمهنة الصحفي؟، فيجيب يحيى الجبيحي بالقول: واقع الصحفي اليمني اليوم يتسم بعدم شعوره بالمسئولية تجاه القارئ بجانب عدم إلمامه بعمل بعض الجهات الرسمية وغير الرسمية التي يقوم بنشر بعض الأخبار والتحقيقات عنها إلا ما ندر، ويظل الصحفي اليمني حبيس مكتبه في الغالب بدلاً من البحث والتحري والحصول على أخبار جديدة وجديرة بالنشر، وهو ما يعني عدم انطباق مفهوم الصحفي كما حددته نقابة الصحفيين الفرنسيين على الصحفي اليمني اليوم إلا ما ندر حتى باتت الصحافة في اليمن مهنة من لا مهنة له، وإن كان ذلك ليس مطلقاً فهناك صحفيون في اليمن جديرون بهذه الصفة وقادرون على العطاء ويتواجدون في الصحف الأهلية المستقلة- أو التي تدعي أنها كذلك- أكثر من تواجدهم في الصحف الرسمية والحزبية، رُبما لأن الصحف الرسمية والحزبية تفضل جوانب الولاء والالتزام بمعاييرها الخاصة بها على الجوانب المهنية.
حقوق مهضومة
يرى الكثيرون أن حرمان الصحفي من حقوقه المشروعة يحول دون إبداعه المطلوب، وفي هذا السياق يقول المسئول الإعلامي بوزارة الثقافة منصور الآنسي: لاشك أن الحقوق المهضومة تؤثر على عملية الإبداع لدى الصحفي لأن الإبداع في الشيء يتطلب استقراراً نفسياً لا يتوفر إلا بالاستقرار المادي والمعنوي وفي بلادنا للأسف الشديد يعاني الصحفي من هضم كبير في حقوقه ناتج عن عدة أسباب أهمها عدم وجود قانون يحمي الصحفيين من الابتزاز من قبل أصحاب الصحف والمجلات سواء منها الحكومية أو الحزبية أو المستقلة إن وجدت ..
إعلام بغرض التكسب
ويشاطره الرأي مدير تحرير موقع “الحديدة نت” الإخباري حسن مشعف حيث يقول: إن الانفتاح المفاجئ الذي طرأ على الصحافة كشف عوار البنية الفنية والبشرية، الأمر الذي سمح بدخول المئات إلى ميدان الصحافة بعضهم يفتقر للتأهيل العلمي أو الخبرة الكافية أو الموهبة فكان أن انعكس هذا الحال على مضمون الممارسة الإعلامية وشكلها مما أدى إلى تسلق البعض هذه المهنة وهو لا ناقة له فيها ولا جمل مجرد وسيلة كسب وتحايل ليس إلا! الأمر الذي أساء كثيراً للمهنة وهناك أيضاً مع احترامي الشديد وللأسف أقولها بملء الفم إن البعض خرج عن طور المهنة بعد أن ضاق به الحال في ظل تساهل وهضم لحقوق حملة الأقلام من الجهات المعنية مما دفع البعض إلى السعي من أجل العيش.
سلبيات متراكمة
الصورة العامة للصحافة اليمنية تبدو قاتمة وفي هذا الإطار يقول عبدالحليم سيف: لقد كشفت الممارسات الصحفية الانحراف والخروج عن قواعد المهنة وشرف الكلمة والحرية المسؤولة، ويمكن إيراد النقاط السلبية المشتركة بين جميع الصحف ب: استخدام بعض النخب السياسية للصحفيين في تحويل الجرائد إلى منصات للتدمير وقصف الآخر بوابل من قذائف التهم والتخوين والشتم والتجريح وجنوح بعض الصحف إلى إثارة النعرات المناطقية والطائفية والمذهبية وإثارة الحرائق والفتن وكذا الممارسة السلبية لتناول الصحف للقضايا السياسية والاقتصادية أو لمجمل الأوضاع الراهنة حيث يتم شخصنة المشكلات وتوجيه سهام النقد القاسي وغير المبرر إلى الشخصيات بدلاً من توجيه النقد البناء إلى السياسيات والبرامج والخطط وكشف الاختلالات وتقديم المعالجات والحلول بموضوعية.
ويضيف: إضافةً لهيمنة الرأي الواحد وغياب الرأي الآخر في الصحافة الحكومية وتغليب الروح الحزبية في صحف المعارضة ،الإملاء والوصاية وعدم احترام عقل القارئ والتركيز على الخطاب التبريري وغياب التحليل في الصحافة الرسمية ولجوء صحف المعارضة إلى تضخيم المشكلات والتقليل من الإنجازات ولجوء بعض الصحف الخاصة إلى المبالغة في تضخيم الأحداث والاعتماد على الإشاعة، دون أن يسعى المحرر لمراجعة المختصين والمسئولين لتحليل المعطيات لاسيما أثناء الكوارث والأزمات.
ويزيد: كذلك لارتباط التغطية للقضايا السياسية الاقتصادية وغيرها بمواقف الصحيفة، ففي حين ترسم الصحف الحكومية صورة وردية للتصريحات الرسمية ولوحات متفائلة لمشكلات الوضع الاقتصادي، تلجأ صحافة المعارضة إلى التشكيك دون اعتبار للرأي العام، أي تمسك الجريدة أكانت رسمية أو حزبية أو خاصة بوجهة نظرها دون الاهتمام برأي الطرف الآخر وأعني به المواطن وغياب الريف في إدارة اهتمام الصحافة حيث يعيش السواد الأعظم من سكان البلاد كما أن الصحف لا تصل إلى معظم المحافظات بسبب ضعف التوزيع.
تغطيات عشوائية ومرتجلة
ويزيد عبدالحليم سيف بالقول: كما تتسم التغطية الإعلامية بالعشوائية والارتجال والصدفة، وفي الغالب لا يتم العناية بالتحرير الصحفي، وما تنشره الجرائد خليط، وتظهر مقالة الرأي في الصحافة الحزبية والخاصة أكثر المواد المنشورة التي تعبر في الغالب عن وجهات نظر القيادات الحزبية أو كُتَّاب هذه الصحف، وأحياناً تكون بعيدة عن اتجاهات الرأي العام واهتماماته.
كما أن الصحافة لازالت أسيرة التلقي للأخبار والتقارير والمقالات، فالمبادرة معدومة، والإرباك قائم خاصة في الأحداث الهامة حيث تبدو علامة الحيرة مسيطرة على القائمين على الصحف في كيفية مواجهة “الحدث” وفي الغالب يلجأ هؤلاء إلى “إعلام الفزعة” الذي أضراره أكثر من نفعه.
ضعف محتويات وتشابه المضمون
ويواصل سيف بالقول: ويمكننا أن نلحظ اتسام التغطية الصحفية بالعشوائية وغياب الخطط الفصلية ومواجهة الصحافة اليمنية لمشكلة تزايد تكلفة الإصدار نتيجة لارتفاع أسعار الورق والأحبار، ولمواجهة جزء من تغطية تكلفة الطبع لجأت إدارة الصحف الحكومية والحزبية وأصحاب الصحف الخاصة إلى رفع قيمة النسخة الواحدة من الجريدة.
أما تراجع كمية التوزيع للصحف اليمنية فيعود إلى جملة من العوامل والأسباب منها: عدم انتشار الصحف في مختلف محافظات الجمهورية بسبب صعوبات المواصلات وارتفاع تكلفة النقل، ويرتبط بالعامل السابق عدم إقبال القراء على شراء معظم الصحف بالنظر إلى ضعف محتوياتها وغياب المهنية فهناك تشابه كبير في مضمونها.
واقع قاتم
واقع قاتم تعيشه الصحافة اليمنية بكل معنى الكلمة، هو ما يراه يحيى الجبيحي والذي يوضح بالقول: واقع الصحافة اليمنية اليوم هو واقعٌ قاتم فهي مجرد أخبار ومقالات تتسم معظمها بالمهاترات وإثارة الفتن وإن لم يكن هذا الحكم عاماً، كما أن المحتوى والمضمون مجرد تكرار ممل لأخبار وإشاعات، بعضها تستقى من مقايل “القات” وبعضها تنقل من صحف خارجية أو من صحيفة محلية إلى أخرى دون ذكر المصدر ودون التحري من مدى صدقيتها، إضافة إلى افتقار بعض القائمين على بعض الصحف إن لم يكن معظمهم لأبسط قواعد ممارسة المهنة الصحفية، بجانب تحويل بعض الصحف اليمنية المدعية للاستقلالية إلى تصفية حسابات بين بعض الأحزاب والقوى السياسية ضد بعضها البعض حتى بات توحد بعض الصحف تجاه العدو- المشترك- إن صح هذا التعبير- رغم ما يفرق بينها هو السائد اليوم!، وبات واقع الصحافة اليمنية اليوم يتسم بالغموض والألغاز والتسريبات الصحفية وغير ذلك من الأمور التي لا تراعي ثوابت الأمة ولا مصالح الوطن إلا ما ندر.
جهل بأهمية الصورة
ثمة غياب لإدراك معنى وأسلوب استخدام الصورة في المادة الصحفية، فما تزال صحافة اليمن حتى اليوم لا تجيد التعامل مع الصورة، فهي تضع الصورة لتغطية فراغ في الصفحة الورقية فقط، لكنها تعمد إلى نشر أقرب صورة متوفرة، وأكثر من هذا أن الصور تنشر دون تعريف بها، فالقارئ يرى صوراً منشورة في الصحيفة لكنه يجهل أين التقطت؟ وما الحدث الذي توثقه؟ ومن هي الشخصيات التي تظهر في تلك الصور؟ ولعل الظاهرة الأبرز في هذا الاتجاه تجاهل الصحف اليمنية للحقوق الفكرية بإسقاطها الدائم لأسماء المصورين والوكالات التي يعملون بها حتى لو لم يكن الأمر متعلقاً بالحقوق المادية، فقد أصبح الأمر عادة يصعب التخلص منها كما يبدو، وتلك الظاهرة تمثل نوعاً خطيراً من ممارسة الفساد، فكيف يحق للصحافة أن تزعم أنها تحارب الفساد وفي ذات الوقت تمارس الانتهاك للحقوق.
تعادل مليون كلمة
تعد الصورة من أبرز أدوات العمل الصحفي، حيث إنها تعادل مليون كلمة وفق الحكمة الصينية المعروفة، غير أن صحف اليمن تذهب إلى استخدام الصورة دون دراسة لنتائج نشرها، وفي هذا السياق يتحدث محمد الأسعدي مسؤول الإعلام والاتصال بمنظمة اليونيسيف قائلاً: الصورة في العمل الصحفي شديدة التأثير، لذلك يجب التعامل معها باحترافية عالية، ولكن ما يحدث في الصحف اليمنية بعيد عن المعايير العالمية للعمل الصحفي، فمثلاً ينشر أحدهم موضوعاً عن سوء التغذية في اليمن ويزود موضوعه بصورة لطفل مصاب بسوء التغذية، ويبرز ذلك الطفل بصورة تبعث على الأسى، وفي كثير من الأحيان يتم الأمر بنية حسنة بقصد إيصال الرسالة بالتحذير من مخاطر سوء التغذية، لكنه في واقع الأمر مناقض لمعايير العمل الصحفي إذ إن هذا الطفل في لحظة ضعف إنساني شديد، فمن أعطاك الحق لتنتهك إنسانيته؟ وليسأل الصحفي نفسه قبل نشر مثل هذه الصورة؛ هل يرضى أن ينشر صورة ابنه أو بنته وهي في وضع مشابه؟ أو حتى هل يقبل أن تنشر صورته هو شخصياً في الصحافة وهو في وضع مشابه لوضع هذا الطفل؟ بالتأكيد ستكون الإجابة بالنفي، فلماذا لا يتم تطبيق الحق الإنساني ذاته على أطفال الآخرين؟
ويضيف: كما أن المعايير العالمية للنشر الصحفي تفرض نشر الصور الإيجابية بحيث تفتح باباً للأمل حتى عند نشر التحذير من أمور مشابهة لسوء التغذية، فالنص يمكن أن يفي بالغرض، دون الحاجة لانتهاك حقوق الفئة المستهدفة بالنشر الصحفي.
غياب عن الخارج
فيما تهمل الصحف اليمنية الشأن الخارجي على المستوى العربي والعالمي فيما تنشره من مواد صحفية، فإنها أيضاً غائبة عن الخارج بذاتها حيث إن الصحف اليمنية تكتفي بنشر أسعار نسخها في العديد من الدول العربية، ولكنها للأسف لا تصل إلى تلك الدول، مع أنها يمكن أن تحصل على فائدة مادية ومعنوية كبيرة من تواجدها في مكتبات الدول العربية على الأقل، وفي هذا السياق يقول الجبيحي: واقع الصحافة اليمنية على المستوى الخارجي يتسم بالغياب شبه الكلي فكم يتندر أحدنا على صحافة وطنه حينما يكون خارج الوطن، إضافة إلى المغترب اليمني المتعطش لأي شيء يأتي من وطنه حينما يجدان بشوارع جدة والرياض والقاهرة وأبوظبي صحفاً من معظم الدول العربية- بما فيها صحف سودانية، جيبوتية، وصومالية، ولا يجد صحيفة يمنية مهما كان مضمونها ومحتواها قاصراً، عدا بعض الصحف الرسمية التي قد تصل إلى الخارج- بصورة نادرة ومتأخرة..!
صحف بائتة
وفي هذا السياق يقول المواطن اليمني صالح الشامي العائد من السعودية بعد أن قضى سنوات طويلة في المهجر: نتيجة لما يتطلبه عملي في البقالة من البقاء طوال اليوم في العمل، فإنني حريص على متابعة الصحف كل يوم، ولكنني أعجب كثيراً أن الصحف اليمنية لا تولي المغترب حتى في البلدان القريبة من اليمن كالسعودية والإمارات أدنى اهتمام، حتى الصحف الرسمية، فمثلاً طوال فترة وجودي بالسعودية لم نكن نحصل سوى على صحيفة 26 سبتمبر التي تصلنا يوم الاثنين برغم صدورها في صنعاء يوم الخميس، ولا أدري هل المسافة بين صنعاء والرياض تقتضي مرور الصحيفة بخمسة أيام كاملة؟، وعلى العكس من ذلك نجد كل صحف العالم موجودة في الرياض في نفس اليوم.
ويضيف: لكني وجدت الحال نفسه تقريباً في اليمن فعندما عدت إلى بلدي اليمن وجدت أن الصحف تعاني من مشكلة دائمة في التوزيع فهي في كثير من الأيام تصل قرابة الظهر، وهذا ليس مفيداً للقارئ وللصحيفة، فالقارئ يريد قراءة الصحيفة مع فنجان قهوته الصباحية، وللأسف فصحيفة الرياض مثلاً كانت توزع قبل الساعة السادسة صباحاً في كل مكان على طول وعرض السعودية، ولا يوجد أي تأخير، فلماذا لا تأخذ صحف اليمن الدروس من الصحف الأخرى الناجحة وتطور نفسها وتفيد أصحابها وتفيد المجتمع.
الأمل والمستقبل
ما يزال الواقع الصحفي مؤلماً لكن ذلك لا يحول دون التمسك بالأمل بأفضلية الغد، ومن هذا المنطلق تسعى نقابة الصحفيين اليمنيين لعقد مؤتمرها العام، وفي هذا السياق يشدد الأخ سعيد ثابت سعيد- وكيل نقابة الصحفيين اليمنيين على ضرورة توفير الدعم المالي الحكومي لإتمام ذلك المؤتمر.
وفي الإطار ذاته، يحاول الصحفيون التأسيس لمستقبل أفضل لمهنتهم، إذ طالب أعضاء نقابة الصحفيين اليمنيين مؤتمر الحوار الوطني بوضع تشريعات دستورية وقانونية تعزز الحريات الصحفية وتضمن صيانة الحقوق والحريات. وطرحوا جملة من الرؤى والمقترحات في هذا الشأن ومنها التأكيد على أهمية أن يتضمن الدستور الجديد نصوصاً تكفل حرية الرأي والتعبير وتؤكد الالتزام بالمواثيق الدولية ذات الصلة، فضلاً عن التأكيد على أهمية أن تقترن الحرية بالمسؤولية وأن تكون حرية المعتقد أساسا لحرية التعبير.
وطالبوا بتحرير ملكية الوسائل الإعلامية، وضمان استقلالية وسائل الإعلام العامة وكذا ضمان حرية الحصول على المعلومات كحق أساسي للمواطن اليمني مع الإسراع بتنفيذ قانون الحصول على المعلومات على ارض الواقع، وحماية المهنة الإعلامية من الدخلاء وضرورة توفير الحماية اللازمة للصحفيين ومؤسساتهم وتذليل الصعوبات التي تعترض أداء رسالتهم الوطنية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.