هل تمثل المعلومات أهمية وقيمة كبيرة لدى الصحفي؟ وإلى أي حد يعتمد عليها؟ وما نوع المعلومات وأكثرها أهمية؟ هذه الأسئلة وغيرها كثير دار في ذهني وأنا أحضر أولى جلسات ورشة العمل حول قانون حق الحصول على المعلومات قبل ما يقارب الشهر بدعوة من منظمة هود الحقوقية. كان علي أن أفهم أن الحضور أغلبه إعلاميين بحكم ارتباط المهنة بالمعلومات، بل وجود الإعلام متلازم بالضرورة مع وجود المعلومة وإلا فما معنى إعلام بدون حقيقة ينقلها للجمهور وينافس بها في السوق المتدفقة إعلاميا ومعلوماتياً.
إلى هنا والوضع جميل بوجود ثنائي جيد للعمل، لكن عند فتح باب النقاش تجاوز الوضع الجيد مخرجاته إلى نقد حاد ولاذع لعدم توفر قاعدة بيانات تغطي كل شيء وتكون في متناول يد الصحفي ساعة يشاء، وبخاصة أن الخصم الحكومي وهو المركز الوطني للمعلومات كان حاضرا ويدعي توفر قاعدة بيانات لا بأس بها، وموضحا إجراءات المركز بشأن الحصول على المعلومة وأن هناك ما يقارب نسبة 20% سنويا من مقدمي طلبات المعلومات"نسبة ضئيلة جدا"، هاتين النقطتين بالذات استثارتا حفيظة الصحفيين تجاه الاحتكار الحكومي للمعلومة وعدم توفيرها بدون طلبات وإتاحتها للجميع كحق مشروع، واتفق معهم تماما في هذه النقطة...
ولكن استدراكا للوضع من يسمع هجوم زملاء المهنة يظن يقينا أن صحافتنا هي صحافة معلومات وأنها واقعة في أزمة معلومات، في حين أن الواقع السيئ يشير إلى أنها صحافة مقالات، ومعذرة في الهجوم المباغت أخبار وتقارير الصحف اليمنية تعتمد على التلفون مع المصادر البشرية سهل الوصول إليها، والنقل من المواقع والصحف الأخرى، ولا يوجد تحري دقيق للمعلومات من مصادرها ومن مصادر غير بشرية " وثائق ودراسات وأبحاث وإحصائيات" وكلها تتم في المقايل، يعني صحافة مقايل وهذه التهمة حقيقة لا تحتمل النقاش.
أعطوني نموذجا واحدا لصحيفة يعمل محرورها صباحا أو حتى عصرا على مكاتبهم، الصباح عادة للوظيفة الأساسية لمن هم موظفين أو البعض في تغطيات خبرية لبعض الفعاليات وهذا جيد، أما البقية فنائمون بحكم أن العمل الصحفي في اليمن يبدأ ليلا بعد تخديرة القات تطلع الحاجة للمعلومات والقدرة على تأليف أجزاء الخبر والمقال والتقرير والتحقيق...الخ وبالتالي تنكشف عورات المهنة العرجاء في اليمن، ويتم تغطية عجز الصحفيين ب" صرح مصدر مطلع، أو خبير، أو مسئول، أو علمت الصحيفة من مصادر خاصة.."
أثناء التطبيق في رسالة الماجستير 2004 كان أصعب شيء أن اتصل لأي صحيفة صباحا فلا أجد أحدا حتى الأرشيف لا يفتح إلا من بعد الساعة الرابعة عصرا، ولا يتواجد محرروها إلا في هذا التوقيت سواء في الصحف الحكومية أو الحزبية أو الأهلية فيما عدا مكتب صحيفة الأيام في صنعاء، وفي كل صحيفة مقيل فإذا حضرت عصرا توجب عليّ أن أنتظر في أحد المكاتب حتى يتسرب إلي الصحفيين في العينة واحدا وراء الآخر لأتم مقابلاتي معهم باستثناء صحيفة الصحوة فحتى عام التطبيق لم يكن هناك مجلس خاص للمقيلين وتعمل بنظام الجلوس على المكاتب.
الحصول على المعلومات كحق مشروع للجميع صحفيين ومواطنين لا يختلف عليه اثنان إنما أن ينبري الصحفيين بمناسبة وبدون مناسبة للقول بعدم وجود معلومات في أي جانب، فهذا يحتاج لمراجعة دقيقة لدور الصحافة اليمنية في حياتنا الاجتماعية، ببساطة هذه الصحافة حولت اهتمامات القارئ إلى السياسة فكل تغطياتها واهتماماتها وأولوياتها هو الجانب السياسي الخلافي وليس حتى التوعوي أو الجوانب الإيجابية والمضيئة في السياسة، من يطالع الصحف المحلية يتأكد تماما أن اليمن خراب سياسي واجتماعي وثقافي واقتصادي، ولم يعد من الوطن إلا هذه المنابر التي تفضح الواقع...!!
في حين أن الحياة تحمل دائما اللونين الأبيض والأسود وبينهما تتموج كل الألوان الجميلة الأخرى فأين هي في صحافتنا؟؟ ثم أين العمل الصحفي المهني في خبر وتقرير منقولة معلوماته من مصادر مشابهة أين الجهد والتعب في مهنة المتاعب، أين حقول المعلومات والبيانات في التحقيقات الصحفية الحلقة الأضعف في فنون الكتابة الصحفية في الصحف اليمنية، لا يوجد اهتمام حقيقي بهذا الجانب، فكثير مما ينشر تحت مسمى تحقيقات هي عبارة عن استطلاعات رأي يقوم بها بعض المحررين على طريقة" تك أواي"، وربما يصاب البعض ممن سيقرأ هذا المقال بالإحباط إذا عرف أن هناك من الصحفيين من يفبرك تحقيقا واستطلاعا وبالذات أراء الجمهور أو عامة الناس، فيجعل من نفسه أم فلان، و ح. م، وسعيد، ومحمد أحمد.... الخ من أسماء وهمية لأشخاص يتقول آراءهم ثم ينتقل بها إلى أستاذ علم اجتماع أو علم نفس ليحلل ويعبر وعلينا بالتصديق...!!
سأقبل بهجوم الصحفيين على الحكومة وإخفائها للمعلومات وهذا ما لا أتفق فيه نسبيا معهم، وسأقبل بدفاعهم عن حقهم المشروع في الحصول على المعلومات إذا انتقلوا من المقايل وحلقات القات التي يحللون فيها ويسيسون حتى صياح الديك قبل أذان الفجر، أما النقد لمجرد النقد وإثبات القدرة على التجريح والتشكيك والسخرية والتعليل فحديث مملل لا يسمن ولا يغني من جوع.
كشيء من الصدق مع أنفسنا قبل الآخرين، سألت بعض الصحفيين عن معرفته قبلا بمركز المعلومات وزيارته لهم وكانت الإجابة أكثر من جميلة حتى في إطار النقاش العام الأغلبية لم تكن على علم بوجوده ومن يعرف به لم يكلف نفسه عناء معرفة الخدمات التي يقدمها، وكشيء من واقع موجود هناك الكثير من المعلومات والبيانات عن هذا المجتمع المبتلى بالسياسة والسياسيين والصحفيين، قد تكون البيانات قديمة نسبيا لكنها قابلة للتحديث إذا حرك الصحفي قدمية لأكثر من مكان، وليس بالضرورة أن تكون معلومات وزارة الدفاع موجودة لدى الصحفيين فحتى أمريكا العظيمة لا تعطي بياناتها المرتبطة بالأمن القومي للصحفيين إلا في حالات بعينها. وهذا جوانتانمو واحدا من أكثر سجون العالم إثارة لم يعرف أحدا ما فيه إلا من خلال التسريبات... البحث عن الصورة المثالية في كل شيء تفترض من الصحفيين أيضا أن يكونوا مثاليين في طرحهم ونقدهم ولكن الإطار العام للصحافة اليمنية هو الهجوم والهجوم المضاد..