الأحمر والأبيض والأسود .. هذه هي ألوان علم الجمهورية اليمنية مرتبة من أعلى إلى أسفل وكنا قد لُقنا دروساً عن دلالات هذه الألوان ، بأن الأحمر هو تعبير عن دماء الشهداء وأن الأبيض دلالة على منجزات الثورة (حلوة: منجزات الثورة ) وأن الأسود يمثل النظام الإمامي الكهنوتي والاستعمار البغيض. اليوم سأتعامل مع الألوان الثلاثة على نحو مختلف ، أو بالأحرى على نحو واقعي وفقاً لمعطيات الراهن في ظل ثورتي التحرير و التغيير ومايرافقهما من مأساة وملهاة . سأبدأ أيضاً من أعلى من اللون الأحمر ومايمثله اليوم . الجنود الحمر : إذا سألنا عن رأس هرم النظام في اليمن لوجدنا أن اسمه علي عبد الله صالح الأحمر وأبناءه حُمر بالضرورة ، وأخوانه حُمر ، وأبناء أخيه حُمر أيضاً . وإذا سألنا عن رأس هرم المعارضة الشرعية ( حلوة : الشرعية ) في البلد والمعترف بها من قبل الحُمر السابقين الذين ذكروا والحُمر الأمريكان والأوربيين سنجد أنهم صادق وحميد وحسين وحمير و... الأحمر ، و أضيف إليهم علي محسن الأحمر . والذي يسمع هذه المصفوفة من الأسماء في الداخل يحسب بأنه يستمع إلى برنامج (ما يطلبه المستمعون ) -على حد تعبير الكاتب الساخر فكري قاسم- ، ولكن الذي يأتي من الخارج وخاصة من دول الغرب سيعتقد بأننا نعيش في جمهورية الحب والعشاق وكل أيامنا حمراء وفالانتاين . فسوف يُفاجأ بأن الحب الفالانتايني غير الحب الأحمري .. رصاص ودماء وقرّاح "قح بم قح بم" من الحصبة للسبعين ومن السبعين للحصبة ، ومن أرحب إلى أبين إلى الجوفوعدنوتعز الحب يسقط على الناس شظايا كقطع الليل الأسود وجرع النهار الأحمر ، ومن الحب ما قتل . الحراك الأخضر : تصالح وتسامح الجنوبيون بعفوية في ردفان 2006م كأنما لاختيار المكان نصيب من الماضي ومن الحاضر والمستقبل ففي الماضي كانت ردفان منطلق الثورة الأكتوبرية المجيدة وفي الحاضر تصافحت الأيدي فكانت عنوان الحراك الأخضر نحو المستقبل .. الحراك الذي بدأ رسمياً في 7 / 7/ 2007م .. الأرقام ذات دلالة أرضية وهي أيضاً قبل ذلك ذات دلالة سماوية فلطالما كان تراثنا الديني مسكوناً بالرقم 7 فأراضينا سبع وسماواتنا سبع طباقا ، الحراك بحد ذاته ثورة ، والسلمية قدر المسكونين بماضيهم المدني الذي تعسكر ، والتواقين لمستقبل بلا جنود حُمر يرفعون علمهم الذي يحتوي اللون الأحمر المعبر عن دماء الشهداء مضاف إليه أيضاً نجمة حمراء .. كانت في الماضي (شيوعية) وتبدو اليوم أكثر دلالة على (الشرعية) قوات الشرعية التي قادها الجنود الحمر في 94م ، وأصبحت وصمة عار في جبين الوحدة .. تختلف الرمزية دون أن نشعر .. النجمة الحمراء في علم الحراك اليوم هي مثل اللون الأسود في علم الجمهورية اليمنية أو الجمهورية العربية اليمنية .. وكل هذا لايضير أن يكون للحراك علم أخضر اختاره علي سالم البيض ليواكب الحراك التحرري وما أطلق عليه اسم الثورات الملونة في أوروبا ، ولأجل ذلك علينا أن نكون واقعيين جداً ومنصفين جداً ونتخلص من كل "دحبشاتنا" الثورية والفورية لنسمي الساحات بأسمائها فكما نسمي ساحة تعز ساحة الحرية وساحة صنعاء ساحة التغيير فإن ساحة عدن والجنوب ساحة التحرير وشبابهم شباب التحرير ، وهذا لا يتنافي أبداً مع كونهم أيضاً شباب التغيير .. إلا إذا كان التحرير لا يتضمن تغييراً ، أو التغيير لا يتضمن تحريراً !! ، كما لا ننسى أن أول شهيد لثورة الشباب كان من ساحة عدن. الثورة البيضاء : كسرب من الفراشات البيضاء تحركت ثورة الشباب من تعز "الحالمة والحاسمة" وطارت بأجنحة الحلم التليد في بساتين الوطن الجريح .. الزهور قد ذبلت منذ وقت طويل ولكن الفراشات كانت قادرة على التحليق الباعث على الحياة فأينعت الأوراق وتفتحت الأزهار . ( سلمية ) رفعوا شعار ثورتهم منذ البداية ، وقدموا التضحيات من أجل أن تبقى سلمية ، لأن من طبائع الثورات السلمية أيضاً أن لا تخلو من الدماء التي تتفتق بها شقائق النعمان ، لتبلغ مقاصد الرحمن . كل يوم يفيقون على فصل جديد من مسرحية الثورة المضادة ، ولكنهم مرابطون في ساحات الانعتاق .. تأتي الدبابير بين الفينة والأخرى لتعكر صفو ربيعهم لكن الأمل يحذوهم بأن يحدث التغيير ، وأنه من غير المعقول أن يستبدلوا أحمراً بأحمر ، ولا من الطبيعي أن يبقى هذا الوطن تعيساً إلى ما لانهاية . حُلم أسود : الزعيم الأمريكي الأسود مارتن لوثر كينغ حلم حُلماً أبيضاً ، وحينما قال عندي حُلم I have a dream .. كان يعني ما يقول . أنا اليوم عندي حُلم أسود .. وأعلم أن الجنود الحُمر في اليمن ليسوا كالبيض في أمريكا ولا شك بانهم ليسوا كالهنود الحمر أيضاً ، فالجنود الحمر يحكمون في اليمن والهنود الحمر انقرضوا هناك.. والبيض هداهم الله إلى ما هداهم . هل تريد الجنود الحُمر أن ينقرضوا .. ؟! سألني الجني الذي في رأسي !! قلت معاذ الله .. أنا عندي فقط حُلم أسود .. انتبهوا أسود .. لا أحمر ولا أبيض .!! يبدأ الحلم : اتفق الجنود الحُمر بأن يكتفوا بما لديهم من ثروات طائلة منهوبة وأن يتركوا هذا البلد يقرر مصيره ليتفرغوا للتجارة في جدةودبي وغير مكان ، ويعتزلوا السياسة والعسكرة والبهررة . فالتحق أولاد علي صالح الأحمر بوالدهم في الرياض ، واستقر صادق الأحمر في جدة حتى لا يحصل احتكاك أحمري - أحمري بينه وبين علي صالح الأحمر الموجود في الرياض ، وقرر حميد أن يعيش في دبي ليدير جمهوريته الاقتصادية من هناك ، وعلي محسن قرر أن يخلع البزة العسكرية إلى الأبد ويلبس "دشداشة" بيضاء و"صماطة" بيضاء في الدوحة ويدير مع أبنائه شركات تجارية من هناك . وفي هذه الأثناء انقسم المشترك وعاد كل حزب من أحزابه إلى مقره راضياً بإمكاناته لخوض المنافسة الشريفة وتشكلت أحزاب جديدة وأخذ كلٌ حصته بنزاهة وكانت كتلة المستقلين أكبر كتلة وصاحبة النفوذ الأوسع في البرلمان . وعلى ضوء ذلك ترشح للرئاسة شخصية مستقلة متعلمة ومدنية .. قائد / قائدة على قدر واسع من السياسة والكياسة والوطنية ولديه/ها مشروع إنقاذ للبلد ورؤية ثاقبة كرؤية مهاتير محمد .. .. يحترم/ تحترم المفكرين والمثقفين والفنانين والأدباء ولا يقوم / تقوم بتدجينهم .. ولاؤه/ها للوطن وليس للسعودية ، وقبلته/ها للصلاة (البيت الأسود) لا (البيت الأبيض) . ينسى المواطنون معه/ها هوياتهم المناطقية وينسون كماهو / هي من أين ينحدر لأنه /ها يعتبر الوطن كله مسقط رأسه وتاج محياه . قح بم قح بم قح بم ... الجنود الحُمر يتصارعون .. يمارسون هواياتهم ، والرصاص يدوى في كل مكان .. أنهض مذعوراً ..!! انتهى الحلم الأسود قبل أن يكتمل وعُدنا إلى الجُنود الحمر!!! . ألم أقل لكم انه حلم أسود ، فالجنود الحمر لا يريدون المغادرة إنهم ينتظرون أمر الله فيهم كما فعل بمبارك صاحب مقولة " أنا هو يا أفندم " .. تُرى ماذا سيقول صالح الراغب في العودة وإبنه أحمد علي ويحيى وعمار وحميد وعلي محسن وصادق ... في قفص الاتهام من مقولات تاريخية مشابهة ؟!! . إقتراح غير بريء : وأخيراً ، وفي ظل سيادة اللون الأحمر إلى هذه الدرجة فإني أقترح : حذف اللونين الأبيض والأسود من علم الجمهورية اليمنية ليصبح علماً أحمراً بالكامل ، وتسمية ساحة التغيير بصنعاء :الساحة الحمراء ، والجمعة القادمة جمعة حمران العيون . أما ساحة التحرير الجنوبية فأقترح فقط أن يغيروا النجمة الحمراء إلى خضراء ، فقد يُسهم حرز "الرئيس البيض" بطرد "الجني الأحمر" ، وتنفك عقدة "دحباش" التي وضعها "عفاش" ، ولاتزال كاللعنة التي تتجاوز الجنود الحُمر لتطارد أهل الله في أرضهم . [email protected] عن صحيفة الديمقراطي