لعل المهتين بتسجيل أدبيات الثورات العربية لا يكتفون بتسجيل شعارات وأغاني الثوار وتعبيراتهم الساخرة وتعليقاتاتهم الكاريكاتورية وقاموس الشتائم إلى حكامهم وهم يطلقون حناجرهم لتعبر عن رفض الدكتاتورية والرغبة في التغيير. فقد شهدت الثورات العربية أدبيات أخرى يجب أن يهتم بها الباحثون في هذا الشأن، تلك التي خرجت من حناجر الحكام العرب وأجهزة إعلامهم ومرتزقتهم من أصحاب الأقلام، خاصة تلك التي تخرج من حنجرة الرئيس اليمني، تلك العبارات التي تجر المرفوع وتنصب المجرور، والتي يمكن أن نحصرها في عشرين كلمة على الأكثر، ظل يحفظها هذا الرئيس طوال حياته السياسية التي امتدت قرابة عقدين من الزمن، أما أغبي عبارة في قاموس أدبيات الحكام العرب فهي عبارة "تمام يا فندم أنا موجود" تلك التي يرددها حسني مبارك في جلسات المحكمة، ويقال إنها العبارة الوحيدة التي ألقاها رئيس عربي لم يكتبها له كاتب، ومن ثم فهي من تأليف حسني مبارك وإبداعه شخصياً، رغم أنها عبارة تقليدية سمعها من المتهم الذي يقف بجانبه، وقد أضاف إليها حسني مبارك :"أنا موجود" ليذكرنا بمقولة ديكارت (أنا أفكر إذن أنا موجود) مع فارق التشبيه ، فحسني مبارك لا يفكر ولم يكن له أن يفكر وسوف لا يفكر، أما غيرها من عبارات وخطب كنا نسمعها منه طوال فترة حكمه فقد كان يكتبها له الكتبة، وهي مادة أدبية يمكن دراستها أدبيا لاحتوائها على عنصر تخييلي يضع الوهم موضع الحقيقة. ولعل أثري ما شهدناه وسمعناه من أدبيات جاءت على لسان القذافي شخصياً، فلم يكتف كالنظام المصري والسوري واليمني والتونسي برفع شعارات العمالة والخيانة وتنفيذ الأجندات الخارجية والانتماء للقاعدة، وإنما تجاوز ذلك إلى عبارات شديدة الأدبية سمعناها في خطاباته المتتالية، ونعته لأبناء شعبه بالجرذان، والكلاب، وأصحاب اللحى التي يرعى فيها القمل، وربما لأن القذافي كان أديباً وله بعض الروايات المنشورة ، وربما لأنه محسوب على المفكرين باعتباره صاحب النظرية الثالثة والكتاب الأخضر؛ لذلك كانت خطبه نصوصاً أدبية حيَّة تعج بالخيال السياسي والرؤى الفكرية والعبارات الأدبية بجانب الطرافة الفكرية والسياسية، لذلك فإن دراستها في باب الأدب سيكون مجدياً للتعرف على حجم الكارثة التي عاشها الشعب الليبي تحت حكم هذا الطاغية، ومن جهة أخرى سنكون قد قدمنا تصنيفاً جديداً في الكتابة التاريخية التي تجمع الأدب والسياسة والتاريخ والغباء في مؤلَّف واحد، وسنكون قد قدمنا للأدب العربي مادة لا تخلو من الطرافة لا تقل عن طرافات جحا وأشعب ، ولا تخلو من نوادر حيَّة أعظم من الخيال الذي جاء في ألف ليلة وليلة. يقيناً أن دراسة أدبيات الحكام العرب ستكون مادة حية أمام التاريخ يمكن أن تستخلص منها الشعوب والحكام معاً العبرة ، عندما يرون كيف كانت ضحالة الحكام العرب الفكرية، وكيف كان منطقهم وجهلهم، وكيف كانت تعبيراتهم، وكيف كان غباؤهم السياسي ، ولتقف الأجيال القادمة عند أهم ما تتضمنه تلك الأدبيات من خيال الأغبياء الذين يتصورون أنهم يحكمون شعباً من الجرذان، وأن هذه الشعوب وأرضها وثرواتها ملك يمينهم ، يمكن أن يورثوها لأبنائهم وأحفادهم، وعندها سوف يكتشفون أن الحكام العرب لهم لغة عربية غير لغة العرب التي عرفتها شعوبهم، وأن القاموس العربي يمكن أن يحوى دلالات جديدة لتعبيرات قديمة مثل: الخروج عن الشرعية، التي يمكن أن تأخذ دلالاتها من منطق رئيس اليمن ، لنفهم أنها: التظاهر السلمي ، وحسب منطق الرئيس السوري: هي الرغبة في التغيير. وحسب منطق مبارك ونظامه: فرملة التوريث، وحسب منطق القذافي: عدم الإيمان بمجد ليبيا الأبدي المتمثل في صدغيّ القذافي وأصداغ أبنائه، وعدم الرضا عن بقائهم على قمة الحكم يستنزفون أموال البترول وينفقون أموال الشعب على الراقصات وعارضات الأزياء والحفلات وأندية الكرة الأوروبية والإقامة في الفنادق الأوروبية السياحية، واستئجار المرتزقة لقطع رؤوس الجرذان، وفي تنفيذ أجندات القذافي الخاصة التي يركز فيها على إرهاب العالم وسفك دماء من يعارضه من الليبيين أو غيرهم فوق الأرض. وربما أن دراسة أدبيات الثورات العربية التي أطلقها الثوار ستكون مادة مضادة لعرض الحقائق من وجهة نظر الشعوب، وقد أدرك العالم أن القذافي وُجِد مختبئاً في ماسورة للمجاري في مدينة سرت، لكن العالم قد ينسى هذا المشهد يوما ما، لكن عبارة (هذا مكان الجرذ القذافي) التي كتبها الثوار أعلى الماسورة ستظل حية إلى الأبد ؛ لتعيد على الذهان حقيقة الحاكم العربي الطاغية، وكيف أن الشعوب قادرة على مسخ الطواغيت فئراناً تسكن أنابيب المجاري. إن دراسة أدبيات الثورات العربية يمكن أن تكون مادة أدبية حيَّة تساهم في بلورة دلالة واضحة لمفردة "الجرذان" عندما تعتلي كراسي الحكم في الدول العربية، كما قد تساهم في صياغة جديدة لدلالة مفردة (ثورة) عندما يستخدمها شخص من عينة القذافي، وكيف أن مادة (ثَوَرَ) يمكن أن تقترب من مادة (خَوَرَ) في مثل هذه الحالة الفريدة في تاريخ اللغات والشعوب، غير أننا يمكن أن نقرأ المعاني الحديثة الآتية للمفردات اللغوية القديمة: (وافق) تعني: رفع يده ، بحسب قاموس سرور العصري (الإرهاب) تعني : شماعة الحاكم العربي، كما ورد في قاموس الجيب الحديث (الوطن) تعني: بشار الأسد، حسب قاموس النظام السوري الحضاري الرسمي. ( الماء العسر) تعني: دماء الشعوب العربية، بحسب قاموس الحاكم العربي المعاصر، ووردت كذلك في قاموس العبدلي الصالح اليمني (النيتو) تعني: الأصدقاء الجدد الذين يساعدون الشعوب العربية في التخلص من الطواغيت، حسبما ورد في لسان العرب الحديث (الوطنية) تعني: الله ومعمر وليبيا وبس. كما جاء في مختار الصحاح العصري (الهانم) تعني : سوزان مبارك ، بحسب ما جاء في قاموس الحزب الوطني المصري السابق. (الجماهيرية) تعني : ماخور القذافي، بحسب ما ورد في القاموس الأخضر المعاصر. (الشعب) تعني: أولاد الكلبة السوداء، بحسب ما ورد في القاموس القومي العربي (العميلة، الحقيرة) بمعني واحد ، وتعني قناة الجزيرة، بحسب ما ورد في القاموس الرسمي للقذافي. (المجد) تعني: القذافي ، حسبما ورد في القاموس السابق، وكذلك وردت بهذا المعني في الأخضر المعاصر. (الفوضى) : تعنى: التنحي، بحسب ما ورد في قاموس مبارك العظيم (بعبع) : كلمة شعبية دخلت القاموس السياسي العصري وتعني: القاعدة، بحسب ما ورد في قاموس الحاكم العربي، أو: الإسلام السياسي، كما في القاموس المهذب العصري، وقيل غير ذلك، والله أعلم. (المرتزقة) : تعني: أصدقاء القذافي، بحسب ما ورد في القاموس السياسي المفتخر، وكذلك وردت في الأخضر المعاصر. (الجرذان) : كلمة قديمة، مفردها جرذ، ومعناها: ولد الفأر، كما ورد في مختار الصحاح، وبحسب ما ورد في المفتخر تعني: أبناء الشعب، وقيل إنها الطبقات الكادحة، وقيل أصحاب الحق، بحسب ما ورد في بقية المعاجم المعاصرة، وتعني : الثوار ، كما ورد في الأخضر المعاصر. (الأسد) : هو صاحب العرين، ومفترس الشعب، ونعجة بني إسرائيل، بحسب ما ورد في المفتخر. (الشَّفَّاط): أصلها ( شَفَطَ ) بمعنى : ازدرد والتهم، وقيل( لَحَسَ ) وقيل ( بَلَعَ) وقيل (هَضّمَ ) وقيل (هّرَّب الأموال) وكلها بمعاني واحدة، والله أعلم ، وتعني: الحاكم العربي أو أحد أفراد عائلته، وقيل أحد أصهاره كما ورد في القاموس السياسي الشعبي. (سويسرا ) : بلد فرنجي معروف، وبحسب ما ورد في قاموس الحاكم العربي هو: المّدّس، أو المخبأ الآمن، وقيل ( المعشوقة ) في موضع آخر. (الثورة ) : تعني خوار القذافي ، بحسب ما ورد في المفتخر. ( من أنتم ؟) : من أسئلة البراءة، وتعني : (أنا المجد يا أولاد ال... ) كما ورد في الأخضر المعاصر. (أنا وأنت): من ضمائر الغياب، في مقابل (الهو) الذي يعني ضمير الحضور الأبدي، كما ورد في قاموس العبدلي الصالح اليمني رضي الله عنه وعن عياله آمين.