بعد انقشاع غبار المرحلة السابقة , وتحقيق الهدف الأول من أهداف الثورة والمتمثل برحيل الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح , والذي خرج من المشهد السياسي نظريا , لكنه عمليا ما زال يمسك بالكثير من خيوط اللعبة , ويسيطر أقرباؤه على أهم مفاصل الجيش والاستخبارات , وبالتالي يحاولون صنع المشاكل والعقبات أمام الرئيس هادي وحكومة الوفاق الوطني الذي تتجه إليهم أفئدة اليمنيون جميعهم طالبين منهم حل مشاكل اليمن برمتها وبفترة قصيرة جدا وكأنهم يمتلكون العصي السحري , متناسين إرث 33 عاما من حكم صالح لليمن الذي حكمها بكل المتناقضات , وأنشأ مراكز قوى , وشبكة مصالح , وإخطبوط مالي وإعلامي وليس من السهل أمام الرئيس هادي وحكومة الوفاق تفكيك شبكة المصالح وإخضاع مراكز القوى لهيبة الدولة , وقوة القانون في هذه الفترة بل وحتى خلال السنتين. إن هناك من يريد من الرئيس هادي توظيف شباب اليمن الذين حولهم الرئيس المخلوع إلى طوابير عاطلة عن العمل طيلة الفترة الماضية بين عشية وضحاها , وهناك من يريد منه حل مشاكل القضاء وتغيير قضاة المحاكم بدون استثناء ليحصلوا على حلول لقضياهم المتراكمة في المحاكم طيلة حكم فترة المخلوع صالح , وآخرون يريدون منه معالجة الأوضاع الاقتصادية وإعادة الأسعار إلى ما قبل ثورة 11 فبرائر والتي تتسبب بها أبواق وبلاطجة المخلوع علي عبد الله صالح من كبار التجار , والمهربين وأصحاب الذوات , ومراكز النفوذ التي مازالت حتى اليوم بل وحتى اللحظة , وهي التي تربت على العيش في البرك العفنة وفي الساحات الفارغة وفي الأوضاع المنفلتة , وتخاف من هذا التغيير واليوم تضع العوائق والعراقيل والأشواك أمام عجلة التغيير وتنظم إلى عامة الشعب لتطالب الرئيس بحل مشاكل اليمن وإلا فحكومة الوفاق فاشلة , وبناء عليه فالرئيس هادي غير قادر على جمح كباح هذه الشبكة وهذا الإخطبوط بمفرده وهذا مستحيل إن لم تتضافر جهود الجميع مع الرجل محليا وإقليميا ودوليا. وكذلك هناك من يريد من الرئيس هادي دمج الجيش والأمن بكل تعقيداته وبكل مشاكله المختلفة في يوم وليلة , والقضاء على تنظيم القاعدة , والعصابات المسلحة التي انتشرت كالجراد , وعلى عصابات التهريب وعلى القبيلة المسلحة , والقضاء على علي محسن الأحمر , وعلى أولاد الأحمر , وهناك من يريد محاكمة الرئيس المخلوع , وأركان نظامه الفاسدين , وحل مشاكل صعدة , ومشاكل الجنوب , ومشاكل الكهرباء , ومشاكل الغاز والنفط , والمواني , والجمارك والضرائب , ومشاكل القبائل , وكل مشاكل اليمن وكأنه يمتلك العصي السحرية أو الفانوس السحري أو كأنه"جرنديزر" , في ضل وجود طحالب الفساد , وجراثيم الاستبداد , والفوضى , والعبثية خلال سنتين نقول لكل هؤلاء المطالبين والمفرطين في التفاؤل والأمل هونا عليكم ورفقا بالرجل , فالبناء أصعب من الهدم بألف ألف مرة فالمثل المشهور يقول " مخرب غلب ألف عمار" وكل المطالب تحتاج أن تكون في الأولوية , وكلها مطالب مشروعة وعادلة لكنها تحتاج لسنوات وليس لسنتين.
إن من حق الجميع أن يخاطبوا الرئيس هادي ومن واجبه السماع لهم , لكن من واجب الجميع إتاحة الوقت للرجل ومساعدته في تفكيك خيوط اللعبة من يدي المخلوع صالح وأتباعه خيطه خيطه وتفكيك القنابل الموقوتة التي زرعها الرجل قنبلة قنبله حتى نظمن سلامة تحقيق أهداف الثورة ومطالبها مطلبا مطلب وهدفا هدف.
صحيح حققنا الهدف الصعب وهو رحيل رأس النظام وبقى ما هو أصعب وهو إسقاط النظام والنظام ليس أشخاص وإنما سياسة , وسلوك , وثقافة , وفلسفة , وقيم , ومفاهيم تربينا عليها "33" عاما جيل بأكمله بل أجيال , ومن الصعب إسقاط تلك القيم , والمفاهيم , والثقافة , والسلوك بمجرد إسقاط رأس النظام , وأبسط مثال سلوك حق "بن هادي" وحق "القات" "وفتش جيبك" لا تزال قائمة حتى اللحظة ولم تختف احتراما لدماء الشهداء وتضحيات الثوار التي أصبح الجميع يتباكى عليها ويتشدق بها كذبا وزورا وبهتانا , وقد تسمع موظف يمدح الثوار وشباب الثورة , وأنه كان معهم وواحد منهم ويعدد الأحداث واقعة واقعه , وموقفا موقف , وبنهاية محاضرته لك وأنت تحدث نفسك الحمد لله سأنهي معاملتي دون الحاجة للوساطة , والرشوة يفاجئك بالقول معك حق القات وآخر يقول لك "يا راجل" فتش جيبك وكلنا سوا؟ تصوروا أين حدث هذا إنه حدث أمام رمز الميزان وتحت كلمة "القضاء أساس العدل" في إحدى محاكم الجمهورية اليمنية وأثناء الثورة الشعبية السلمية التي تطالب بإسقاط الفساد , والرشوة , والمحسوبية , والفاسدين حقا نحن نختلف في كل شيء.