ما أشبه الليلة بالبارحة، فشهر يوليو من العام 2009م شهد بداية الحرب السادسة، وشهر يوليو 2010م شهد أحداثاً تنذر بحرب سابعة. فرضت أحداث حرف سفيان الأخيرة وما آلت إليه أوضاع شمال اليمن مخاوف لدى الشارع اليمني من اندلاع شرارة الحرب بين القوات النظامية والمتمردين الحوثيين. والسؤال الأبرز كم من الوقت ستصمد اتفاقية الدوحة التي بُعثت من جديد منتصف يوليو الجاري، من خلال زيارة الأمير القطري الي صنعاء. فبعد سقوط ما تبقي من مناطق حرف سفيان في أيدي الحوثيين، وخروج البرلماني الشيخ صغير بن عزيز من أرضه إلى صنعاء، حاملاً معه جراحه وذكريات منزل تم تفجيره، وأصحاب تم قتلهم، لتسقط مديرية العمشية، وليحكم الحوثيون السيطرة على حدود سفيان مع حاشد، لتتكون في المشهد صورة قاتمة يلفها الضباب. هل كان بن عزيز كرتا أريد له السقوط للتخلص من عدو مشترك؟ وهل قبيلة حاشد هي القادمة في المخطط الحوثي؟ لقد وظف الحوثيون القرب الجغرافي لمركز التأثير الديني والسياسي للحوثي بصعدة من منطقة الحرف لاجتذاب الأنصار الجدد، بدأ ذلك بعد الحرب الخامسة، واستطاع بطريقة ذكية استثمار الصراع القائم بين العصيمات (حاشد) وسفيان، لكسب ود الأخيرة إلى صفه، فيما ظلت العقلية الحكومية تراوح مكانها وتعمل بطرق مستهلكة مضى عليها أكثر من 30 سنة معتقدة أن اللعب بالنار سيمكنها من البقاء إلى الأبد. لعل شهر رمضان كتب له أن يكون شهر المعارك في اليمن بدلاً من الصيام، طبول الحروب تقرع على بعد 100كم من العاصمة صنعاء، لتقترب دولة الحوثي من مدينة سام. أليس المنطق والعقل يفرض أن زيارة الأمير القطري الي اليمن ستأتي بثمار إيجابية، وما حدث كان خلافها. بن عزيز قاتل وحيداً بعد خذلان السلطة قاتل بن عزيز وقبائله القلة على مدار 4 أشهر وخاضوا حربا شرسة مع الحوثيين الذين تناصرهم معظم قبائل سفيان، وقفت الدولة معها عاجزة عن نصرة أحد أهم حلفائها في وقت قل الحلفاء، ليقاتل حتى تيقن أن النجدة لن تأتي، وكأني به ينشد البيت الشعري للصحابي الجليل فروة بن مسيك المرادي عندما خذلته ملوك كندة وهي التي كانت حليفته ولم تقم بنجدته هو وقومه: لما رأيت ملوك كندة أعرضوا كالرِّجْلِ خانَ الرِّجلَ عرقُ نسائها يممتُ راحلتي أؤمُّ محمداً أرجو فواضلها وحسن ثرائها ما حدث للشيخ بن عزيز ليس بجديد فقد حدث مع الكثير من المشائخ والشخصيات التي تحالفت مع السلطة في حربها ضد الحوثيين في صعدة أو حرف سفيان، وما تعرض له الحليف الأخير للسلطة في الحرف من خذلان، هو ما يثير كثيرا من التساؤلات، هل تخلت السلطة عن حلفائها، أم أن الأمر لم يعد يعنيها بشيء، أم أنها أصبحت عاجزة عن نصرة حليف بل مواطن يمني، وهي من أعطته الوعود والمواثيق بمد يد العون والنصرة. إزاحة بن عزيز تمهيداً لمواجهة حاشد قال أحد المشائخ الذين ذهبوا من أجل التوسط بين الحوثيين وقبائل بن عزيز إن أحد قادة الحوثيين قال له: «نفضل مواجهة لواء كامل ولا نحب أن نقاتل قبليي في أرضة». يأتي هذا الحديث في معرض كلام دار عن المواجهات التي يخوضونها مع بن عزيز. والمتمعن في مجريات الأحدث يقف في حيرة، حيث استولى الحوثيون على موقعين عسكريين في غضون ساعات، وأسروا 200 أو أكثر من جنود الحرس الجمهوري، ليقصفوا بعدها منزل بن عزيز ومن تبقى من قبائله بالأسلحة التي استولوا عليها ومن ضمنها دبابة، وليسقط الكثير من قبائل بن عزيز قتلى وجرحي وليصاب البرلماني بن عزيز ونجله، ويتم تفجير منزله هو وآخرين من أصحابه، ولينفى إلى صنعاء وهو الخيار الذي ظل يرفضه وبشدة منذ اندلاع المواجهات، وحتى عندما حوصر في نطاق ضيق من أرضه ظل متمسكاً بالبقاء بمنزله، ولعله كان ينظر إلى الأفق ينتظر الغوث والنجدة من حلفائه بصنعاء!! فهل أريد لابن عزيز تلك النهاية الدرامية، لتصبح قبيلة حاشد على خط التماس وهي القبيلة السنية التي يحفل تاريخها القريب بعداوة مع الحكم الأمامي، وهو ما يحمله التمرد الحوثي في جعبته من دون الإفصاح عنه. في الحروب الستة بصعدة وعمران كان لحاشد حضور إلي جانب السلطة وشارك مسلحوها القبليون غير النظاميين فيها، وهو ما جعل الحوثيين ينظرون إليهم نظرة عداء، أفصح عن ذلك الكثير من قيادتهم، كان آخرهم تصريح يحي الحوثي رداً على الشيخ حميد الأحمر بداية الحرب السادسة. شهدت الحرب الأخيرة مواجهات بين قبائل العصيمات (حاشد) وقبائل سفيان مدعومة بمقاتلين متدربين من الحوثيين، سقط خلالها العشرات، واستولى خلالها قبائل سفيان على منزل الشيخ الأحمر بالسودة. هل وضع النظام قبيلة حاشد على رأس الحربة لمواجهة قد تخسر فيها الأخيرة الكثير في حرب إن وقعت سيكون للطرف المتمرس الذي خاض عناصره غمار حروب ستة حقق فيها الكثير من المكاسب؟ وهل أراد الحاكم أن يتخلص من طرفين مثلا له قلقاً كبيراً؟ فالحوثيين أقضوا مضجعه على مدى ستة حروب، وأبناء الشيخ الأحمر يمثلون المنازع الأبرز له في سبيل توريث الحكم. وهل سيُعاقب الحوثيون والحاكم حميد الأحمر وقبيلته التي تفاخر بها على شاشة الجزيرة وقال إنه يستمد قوته منها!؟ حاشد سفيان مدخل للحرب السابعة الثأر القبلي بين قبيلة سفيان (البكيلية) حليفة الحوثيين وقبيلة حاشد حليفة السلطة والتي يشغل الكثير من أبنائها مناصب كبيرة في الدولة حظوا بها دون غيرهم من أبناء الشعب ليس بجديد بل يمتد لعشرات السنوات. على الدوم تشعر قبيلة بكيل أنها الأكثر عددا والأكبر مساحة بين القبائل اليمنية، ولكنها تجد نفسها كما يقول كبارها مقصية عن مراكز الحكم، فيما حاشد الأقل عددا والأصغر مساحة، يتقلد أبناؤها أعلى المناصب والرتب، وهو ما أوجد حنقاً على الوضع القائم لدى أولئك المنتمين لبكيل. وقد كشفت المواجهات بين قبيلتي سفيان والعصيمات (حاشد) عن احتقانات اجتماعية وسياسية عميقة تعيشها المنطقة، أفرزها التحالف العسكري والقبلي الحاكم منذ ثلاثين عاماً، هل يستغلها الحوثي لتحقيق مشروعه السياسي الذي بدأت ملامحه تظهر في صعدة بعد أن وضعت الحرب أوزارها؟ تقول قبيلة سفيان مراراً وتكراراً إن حاشد استخدمت إمكانيات الدولة العسكرية والمادية خلال المواجهات بين القبيلتين، وبعد سنوات طويلة كانت الغلبة لحاشد، ارتمت سفيان إلى أحضان حليف جديد يتمتع بالقوة والبأس، ولعل مدخل المواجهات القادمة في حال حدثت هو الثأر القبلي بين حاشد وسفيان، وعندها ستختلط الأوراق، وتتغير المعطيات، ومنطق القوة. يقول الزميل الصحفي (عصام الذيفاني) في تقرير نٌشر ب»مأرب برس» مطلع العام 2009م: «ما يجري على الواقع يشير إلى أن السفيانيين كغيرهم من أبناء محافظة عمران المنتميين لقبيلة بكيل يعانون من إقصاء في تمثيلهم بمختلف المستويات الإدارية بالمحافظة بصورة متعمدة أو بغيرها، وبرز ذلك أكثر واضحاً بعد تنصيب آخر شيخ حاشدي محافظاً لعمران خلفاً لنعمان دويد القادم من خارج المحافظة. التركيبة الاجتماعية للمحافظة توضح أن المديريات التي تمثلها بكيل تساوي من حيث العدد مديريات حاشد الثمان إلا أن الغلبة في السكان ترجح الكفة لمصلحة الأولى بفارق في حدود مائة ألف شخص مع مراعاة أن هناك مديريات مزدوجة من الطرفين يتجاوز سكانها 200 ألف نسمة». يضيف الذيفاني: قدم رجل الأعمال الشيخ كهلان أبو شوارب والذي تربطه صلة مصاهرة برئيس الجمهورية إلى رأس السلم الإداري للمحافظة، وإن كان بتواطؤ إصلاحي استجابة لرغبة القيادي حميد الأحمر تعقيدات جديدة راكمتها قرارات الرئيس نفسه عندما عين سبعة وكلاء وأمين عام للمجلس المحلي في المحافظة كلهم من قبائل حاشد الثمان، مع ملاحظة أن أكبرهم سناً لا يتجاوز 34 عاماً بما في ذلك المحافظ كما أنهم يفتقدون للخبرة اللازمة في إدارة شئون عمران التي تعد أكثر المحافظات إشكالا، ولا يستطيعون سد الفراغ الذي خلفه رحيل الإداريين الناجحين طه هاجر ودويد -كما يرى البعض. كان يجب على مخرجي القرارات السياسية والإدارية في اليمن أن يضعوا في عين الاعتبار التأثيرات التي قد تحدثها تلك السياسات على الوشائج والروابط الاجتماعية التي تحكم القبيلتين، فالمنتمون لبكيل يشعرون بالإقصاء لأن تمثيلهم في المستوى القيادي للمحافظة صفر، ولا يحظون حتى ب10٪ من قيادات المستويات الإدارية المتوسطة بما فيها إدارة المكاتب التنفيذية، بل إن جلها تذهب لقيادات ثانوية من حاشد أيضا. ولعل تبريرات الحرب التي قامت نهاية العام 2008م بين العصيمات وسفيان التي كان محورها استئصال التواجد الحوثي من حرف سفيان قد ولت دون رجعة لأن الواقع يقول إن الحوثيين هو من اقتلع شوكه الدولة. لقد كان للتواجد الحوثي منذ الحرب الخامسة في سفيان دور كبير في التأثير علي مجريات الصراع وممارسة تصفيات الحسابات المعلقة مع قبيلة العصيمات الحاشدية منذ حرب صعدة. ويظهر الحوثي نفسه في المناسبات الاجتماعية وجولاته المباشرة وغيرها لأوساط قبائل بكيل المقصية في محافظات صعدة والجوف وعمرانوصنعاء وكأنه زعيم سياسي واجتماعي من طراز مختلف عبر تبنيه المطالب التنموية والقضاء على حالة التهميش السياسي مستغلاً غياب الأطر الاجتماعية والسياسية القادرة على استيعابهم. على الحاكم في صنعاء أن يعلم أن الحرب لم تعد تبعد عن العاصمة سوى بضع كيلومترات، هي في استراتيجية الحروب والمنظمات الطامحة للحكم قليلة جداً. والأحداث التاريخية القديمة والحديثة تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن سقوط سفيان في مستنقع الحوثيين سيجر وراءه قبائل بكيل وحاشد مجتمعة، وعند حدوث ذلك ستنهار القاعدة العسكرية الأقوى للنظام، وحتماً سيكون مصيره الزوال.