حين تخرص افواه البنادق، ويخفت دوي المدافع ولو لبرهة، يجد الناس وان كانوا من المتحربين، فسحة للملمة ما امكنهم من ما بعثرته القذائف، الا ان هذه الروح تنعدم تماما عند مليشيا الحوثي الانقلابية، التي تجد في كل الفرص سبيلا الى الموت الذي ادمنته منذ صرختها الاولى، وغدى شعارا لها. أُعلنت كثيرا من الهدن، منذ ان اشعلت هذه المليشيا الحرب على اليمنيين، وانخرطت بجولات مفاوضات كثيرة مع الحكومة الشرعية، برعاية الاممالمتحدة والمجتمع الدولي، الذي كان يؤمل كثير ان يحدث أي عملية اختراق قد ترسي قواعد لعملية سلام دائم في اليمن، وان يعود الناس الى المسار السياسي، لحل خلافاتهم والبدء ببناء اليمن الجديد.. غير ان مليشيا الموت، كانت تجد في كل هذا فرص ثمينة، لتعزيز بؤر الموت التي تستهدف به اليمنيين.. فرص خلاقة لها، تبتدع من خلالها اشكال شتى، في اعادة تموضعها، وترتيب جبهاتها، وتستعد لجولات دم جديدة تخوضها مع الشعب. ومع ان الجميع بات يدرك جيدا، ان هذه المليشيا لا تجيد لغة السلام، ولا وجود لمفرداته في قاموسها، ومسيرتها الحافلة بالدم المعززة بروح الانتقام، من كل مكتسبات الشعب والوطن، الا ان الاممالمتحدة، لا تزال تتعاطى معها بل وتضعها في مسار واحد مع الشعب الذي اذاقته الويلات بجرائمها. وما مفاوضات استكهولم، التي كانت الفرصة الاخيرة امام الجميع، الا ابرز الشواهد، في كيف تتعامل المليشيا مع الفرص الممكنة للسلام، بل وتحولها الى فرص نقيضة تعزز استمرار الحرب والاقتتال.. حيث في الحين الذي يخوض فيه ممثلين عنها مشاورات لكيفية تنفيذ بنود الاتفاقات المبرمة، تعمد مليشياتها الميدانية على ممارسة جرائمها باستمرار مستهدفة المدنيين الابرياء، حين لم تجد ابطال الجيش الوطني امامها، والذين التزموا بكل مضامين الهدنة، بحسب توجهات الشرعية، التي تعمل جاهدة دائما على الاسهام في المشاركة وخلق فرص السلام، الذي يحقق لليمنيين تطلعاتهم. بات تعامل الاممالمتحدة مع القضية اليمنية يشوبه الكثير من الريبة، فبما ان السلام كفرصة لا يمكن تجزئتها خصوصا ومحدداته واضحه، وهي تلك التي تؤكد عليها مرارا وتكرارا في كل مناسبة، والمتمثلة بمخرجات الحوار الوطني والمبادرة الخليجية وقرارات مجلس الامن وخصوصا القرار "2216"، لكنها بالمقابل تذهب الى تجزئة الحلول الممكنة، حيث تعطي المليشيا الانقلابية، الكثير من الفرص التي تُناسل من خلاها المشاكل، والعراقيل امام أي فرصة ممكنة للسلام. كان من المفترض، الضغط على المليشيا الحوثية لتطبيق اتفاق استكهولم، بدل ان تذهب الاممالمتحدة عبر مبعوثها الى تجزئته، وتنفيذه على مراحل، حتى قادها الامر الى التفاوض مع الانقلابيين، للبحث عن ممر امن للوصول الى المساعدات الاغاثية في مطاحن البحر الاحمر، وهي المشكلة التي ضجت العالم بها، لتسهم في تحويلها الى احدى العوائق امام تنفيذ الاتفاق. كما كان من المقرر، ان تنسحب مليشيا الحوثي يوم الاحد من مينائي الصليف ورأس عيسى، وتسحب عناصرها الى مسافة خمسة كيلو، وتفتح الطريق للوصول الى المساعدات الاغاثية في مطاحن البحر الاحمر كمرحلة اولى، وتم تأجيل الانسحاب الى الاثنين، ليجد الجميع انفسهم، امام مبررات وعراقيل جديدة، توضح اكثر المسارات المعوجّة التي تسلكها الاممالمتحدة في تعاملها مع القضية اليمنية ومع الانقلابيين، والتي وصلت الى ان تضعهم مع الحكومة الشرعية المعترف بها شعبيا ودوليا في ميزان واحد. وبدلا من تنفيذ المرحلة الاولى، من الاتفاق بعد تجزئته، عمدت المليشيا الحوثية الى اشعال خطوط المواجهات المتقدمة في مدينة الحديدة وجبهات عدة في جنوب المحافظة، وسط انتشار كثيف وتحركات نشيطة لعناصرها، الامر الذي يكشف تنصل هذه المليشيا من جميع الاتفاقات وتعهداتها المبرمة كما هي عادتها. بعد كل هذا، فإن الغريب في الامر، ما تحدثت به مصادر متطابقة، من ان رئيس لجنة تنسيق إعادة الانتشار الأممية مايكل لوليسغارد، أبلغ ممثلي الحكومة الشرعية، بتأجيل التنفيذ، ودون أي توضيحات، او فضح الطرف المعرقل.. لكنه ووفقا للمصادر، ذهب للتفاوض مع الانقلابيين، عبر اجراء الاتصالات معهم، لمنحهم على ما يبدو المزيد من الوقت، الذي يمكنهم من القضاء على ما منحته اتفاقية استكهولم لليمنيين من فرصة كانت قد تمهد للسلام.