تبدو عدن للوهلة الأولى هادئة مع انها تخفي تحت لواء هدوئها صيفا ساخنا , وبراكين من الغضب, تتجسد في الاحتجاجات النهارية والاعتصامات الليلية,تتخلل تلك الاعتصامات أمسيات خطابية وقصائد شعرية مثلها مثل كل ساحات المدن جنوب اليمن. لاتخلو من بعض الاضطرابات والاشتباكات ,تصل حد القتل في أكثر الأحيان,تتركز هذه الحوادث في محطات البترول,وفي النقاط التي يتواجد فيها الأمن المركزي . تلك الانباء يتناقلها أبناء عدن تتداول في الشارع الجنوبي قبل ان تصل إلى أي وسيلة إعلامية. صاحب الأيام التي تكرر فيها قطع التيار الكهربائي مصادمات عنيفة وقعت في منتصف رمضان بين قوات من جهاز الأمن المركزي وعشرات المحتجين من أهالي حي سالم علي الذي يقع أسفل عقبة "بوابة عدن " الشهيرة قاموا بقطع الطريق احتجاجا على انقطاع التيار الكهربائي منذ ساعات عن مساكنهم. هذا عندما خرج شباب حي سالم علي بعد صلاة المغرب في تظاهرة وقاموا بمنع المرور بطريق رئيسية تربط بين مديريتي المعلا وصيرة تعبيراً عن احتجاجهم على الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي. مثل تلك الاحتجاجات تحدث عند انقطاع الكهرباء أو الماء في منطقة التواهي , والقلوعة والشيخ عثمان. في الجانب الآخر من كريتر سوق الطويلة وكل الأسواق, السيله, زعفران والهريش هدوء لايخلو من الطرافة , تتجول في الشوارع فتجد الباعة يصدحون بأغاني مسلسل همي همك ويتحدثون اللهجة المصرية تارة مقلدين جمعة الطبيب البيطري وتارة يقلدون شوتر وجعفر وزنبقة باللهجة التهامية ويروجون لبضاعاتهم , ويسمون الملابس باسماء ابطال المسلسل اليمني همي همك المسلسل الرمضاني الذي يعرض في قناة السعيدة والذي يناقش ظلم وبطش المشائخ وضعف واستسلام التهاميين لهذا الظلم ,هذا المسلسل الذي يجمع كل ابناء عدن تقريبا بعد الافطار وبعد صلاة المغرب لمشاهدته,كما انه وحد كل أبناء اليمن في هذه الساعة. وربما تجد اثنين يمران من أمامك يناقشان الوضع السياسي بمنتهى الاهتمام ,او تجد احد التجار القابع امام محله (للملابس الجاهزة) يتهكم بمنتهى السخرية والملل من ركود الوضع التجاري وكساده .."قلنا له ارحل قال ... انتم ارحلوا ".. في مكان آخر يسمع صوت احدى الباعة المتجولين,معوز جعفر,وكلمني كلمني كلم كلم فهمني فهمني فهم. طوال شهر رمضان وكل ليلة تقريبا في سوق الطويلة بالذات تجد الباعة المتجولين والزبائن يزدحمون امام البضائع, تتقاطر حبات العرق على الأرض الرخوة من سخونة الأجواء ومن سخونة الأسعار,تشهد اليمن في ظل الأزمة الراهنة ارتفاع جنوني للأسعار في كل شيء ابتداءا من الاكل وانتهاء بالملبس ووسائل المواصلات. كل شيء متوفر في هذه السوق ,الملابس والأكل والعطور والبخور والفل والكادي والمشموم اللحجي والحلوى حلوى اللبن والجزر والهريسة وكعك اللبن والشمر,كل شيء رائع وله مذاق خاص بهذه المدينة منذ القدم. فجأة تقطع الشارع مسيرة تنادي بإسقاط النظام تحمل أعلام الوحدة وتتجه نحو ساحة الميدان. تشاهد في يوم آخر او في نفس الليلة مسيرة أخرى تحمل أعلام الجنوب اليمني ماقبل الوحدة, وتسير في عكس اتجاه ساحة الميدان , كل ذلك يحدث في لمح البصر وينتهي الأمر ويعود الزبائن إلى سابق عهدهم وكأن شيء لم يحدث. أما قطع الطرقات فأنها كانت تتزامن مع أيام العصيان المدني السبت والأربعاء , تغيرت أيدلوجية العصيان مع تغير الأوضاع , أضحى قطع الطرق خاضع لأوقات انقطاع الكهرباء والماء ,تمنع حركة السيارات حتى تعود الكهرباء وترفع حينها كل أدوات قطع الطريق من الحجارة أو من إطارات السيارات وتعود الحياة لطبيعتها. في المنصورة تشهد اعتصامات ليلية في محطة الرويشان يتجمع في الساحة من كل حدب وصوب لإلقاء البيانات و مناقشة آخر المستجدات ,ويتلقون الاتصالات الهاتفية من قادة جنوب اليمن في الخارج. حي السعادة الحي الذي دخل في مواجهات شرسة مع الأمن خاصة بعد قضية الشهيد احمد الدرويش الذي قتل في السجن على ايدي رجال الامن اليمني , اصبح الان في سيطرة الأهالي فيما تشير الأنباء إلى تسلح بعض مناصري النظام, وسنأتي إلى تفصيل ذلك لاحقا .يقال أن الأمن لايستطيع دخول حي السعادة والمعلا الشارع الرئيسي بعد مالالقاة من مواجهات مع الشباب . مازال الشارع الرئيسي المعلا حتى الان مقطوع والى اجل غير مسمى, بعد المواجهات الشرسة التي حدثت بين شباب المعلا والامن في بداية العام .. تحدث اضطرابات بين مواطني سكان منطقة المعلا والشرطة على خلفية انقطاع التيار الكهربائي والمياه.
وأنت في طريقك من المعلا إلى خور مكسر تلمح على الجدران عبارات بعضها مع الرئيس صالح وبعضها ضده غير أن جدران المنصورة تقريبا كلها عبارات تنادي برحيل صالح دون رجعه,وغالبية الطرق في المنصورة مغلقة بوضع مستمر ودائم.
كل هذا يحدث في عدن ومع ذلك تبقى هادئة رغم الأحداث والاضطرابات مازالت تحافظ على جمالها وجمال الحياة,عدن البكر اليافعة والزهرة العطرة الفواحة ,يكسر أبنائها كل عوامل القبح الذي يراد لها ارتدائه ,لأن أبناء هذه المدينة المسالمة يعشقون الحياة , بل هناك عقد أزلي بين الحياة وبين أبناء عدن, فمهما بلغت بهم الأحزان تراهم يبتسمون في وجهها ,فيدحروها أميالا حتى تعقد العزم بالا عودة . مول عدن يفصلك عن العالم الخارجي بأحداثه وبسخونة أجوائه ,فكل شيء في المول يختلف فبمجرد دخولك المول كأنما انتقلت الى حدود منطقة أو بلدة باردة ولطيفة الأجواء لاتنتمي لتلك المدينة الساخنة.
الشارع يتناقل خبر في غاية الخطورة ولا تعد تلك الأخبار شائعات بقدر ماهي معلومات مؤكد ة لان عدن وباختصار مدينة صغيرة والكل يتعارف في إطار الإخوة والزمالة والصداقة والقرابة,ابناء عدن يخشون محاولة تحويل عدن إلى زنجبار أخرى وهي محاولات قد تنجح إذا استسهل أبناء عدن هذا الأمر أو تم التغاضي عنه , فقد وردت أخبار إن النظام سلح بعض انصاره ليوهم مكافحة الإرهاب بأن الارهابيين يريدون تحويل عدن الى إمارة إسلامية حسب ماتروج له وسائل الإعلام التابعة للنظام ,لكن الحريصون على عدن يتصدون لمثل تلك المحاولات البائسة بالاضافة الى اختلاف محافظة عدن عن زنجبار فمدينة عدن مفتوحة ..وغير قابلة لاي مناورات على حساب امنها. فيما نازحو زنجبار مازالوا دون مأوى غير تلك المدارس الغير صالحة للسكن ومازال وضعهم ومصيرهم مجهول ولا يدرون أي مصير ينتظرهم لو" لا قدر الله" تكرر سيناريو القاعدة في عدن .