ما إن يعلن عن قرب عرضه في رمضان من كل عام حتى يستعد له علماء الدين بالفتاوى ومدعو الثقافة وفهامة برامج الدراما ودعاة النقد بالندوات والمحاضرات لمهاجمته حتى وان كان بعضهم لم يشاهد حلقاته السابقة وليس مستعدا لمشاهدة اللاحقة ولكنه سمع عمن يهاجمه فسارع إلى مهاجمته ليكون من باقة الأوائل , وقبل عامين أثارت حلقاته حفيظة بعض رجال الدين في السعودية فأفتوا بتحريمه وطالبوا بوقف عرضه بحجة أنه يشوه الشخصية السعودية ويسيء إلى الدين والمرأة ويثير شهوات المشاهد مع أنني أتابعه منذ عدة سنوات ولم أجد فيه ما يثير في الإنسان من شهوة سوى شهوة العقل والتفكير بل إن البعض ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك حين دعا إلى طرد بطلي المسلسل " عبد الله السدحان " وناصر القصبي " من البلاد وخصصت مواقع في الانترنت مساحات واسعة لتسفيه طاقمه والممثلين فيه ولم يسلم حتى من الكونجرس الأمريكي نفسه ليطالب بمشاهدة بعض حلقاته السابقة .. انه مسلسل " طاش ما طاش " الذي يعرض للعام الثاني عشر على التوالي دون أن يحدث في المشاهد العربي مللا أو تتكرر القضايا التي يطرحها فأصبح فاكهة مسلسلات رمضان ننتظره من العام إلى العام ولا نرى في حلقاته خصوصية لمخاطبة المواطن السعودي أو الخليجي وحده بل صار يخاطب المواطن العربي أينما كان وكيفما كان وبكل حرية وجرأة , وهذا العام مرت حلقات منه وكانت غاية في الروعة فقد وجدناه بأسلوبه الكوميدي الساخر ينتقد القضاء والبطالة ويطرح مسالة الكفيل وقضية اغتراب أبناء الدول العربية في السعودية وما يواجهونه وقضايا المخدرات والإرهاب الذي عانته المملكة في الآونة الأخيرة . ونحن هنا في اليمن هذا البلد الديمقراطي الذي يوجد فيه 22 حزبا وتنظيما بل نكاد من كثرة ما نتحدث عن ديمقراطيتنا ونتفاخر بها أن نصدرها في علب إلى الخارج أو نبعث بعطرها هدايا للأشقاء والأصدقاء ولدينا من الحرية ما يكفي لتوزيع فائضها على البلدان التي تعاني شعوبها من قمع حرية الرأي والتعبير وتكميم الأفواه والديكتاتورية ولدينا عشرات الممثلين العاطلين عن العمل وكتاب وأدباء أعجز عن إحصائهم ومع ذلك ليس بمقدورنا إنتاج مسلسل يصل إلى مستوى ذلك المسلسل لمعالجة القضايا التي تهم مجتمعنا ويعاني منها أشد معاناة وفي مقدمتها التطرف والإرهاب والتخريب والفساد والرشوة والقات والسلاح والقضاء والثار ومشاكل الاغتراب وقضية اللاجئين إلى بلادنا وتأثيراتها على الاقتصاد والأمن والمجتمع ككل ومشاكل الزواج وفساد الإدارة إلى غير ذلك من مصائب الدنيا التي تحل بنا كل يوم ؟ كم أتمنى لو تتاح الفرصة لأولئك الكتاب والأدباء أو حتى من لديهم قصص واقعية لدراستها وتحويلها إلى حلقات ممثلة ولو من خلال خطة خمسيه تتبناها الحكومة بشرط أن لايكون فيها قروض من البنك وصندوق النقد الدولي لتمويل المسلسلات التي ستنتج لأنك عندما تناقش هذه المسالة تجد أول رد من القائمين على التلفزيون بان الإمكانات محدودة وشحيحة لكن ما يصرف على المسابقات التلفزيونية والجوائز النقدية التي توزع على متسابقين مقابل حل سئوال في شهر رمضان يقول غير ذلك كما أننا نشتري بالعملة الصعبة مسلسلات عربية وأفلام أجنبية قد عفا عليها الزمن وشاهدتها دول أفقر منا في الخمسينات والستينات من القرن الماضي ولو خصص نصفها أو حتى ربعها سنويا لإنتاج مسلسل يمني خلال العام وأحسن تأليفه وإخراجه وإنتاجه وكان من وحي المشاكل التي نعاني منها لكان مردوده ووقعه وعلاجه ربما أكثر فائدة من بعض الفتاوى والخطب التي تلقى على عباد الله باسم الدين وعلى ذمته وهي تقودهم الى طريق غير الطريق . ولعل من يشاهد جرأة مسلسل " طاش " والمواضيع التي يطرحها ويناقشها بتلك السخرية والنقد اللاذع الذي يتحول أحيانا إلى رسالة درامية تبكي المشاهد ولها مضمون وهدف وموجهة إلى كل من يهمه الأمر سواء كانت الحكومة أو المجتمع يعتقد بأنه يبث من قناة خاصة بالمعارضة السعودية وليس من قناة تابعة للحكومة لأنه يتعرض لقضايا ويناقشها ويقدم رسالة سياسية واجتماعية وإعلامية أفضل مما تفعله أحزاب معارضة في بعض الجمهوريات ومنها بلادنا التي لو جربت أحزابنا وقامت بحل نفسها وتحولت إلى شركة للإنتاج الإعلامي مادامت مجرد أصوات وجرائد للتنديد والوعيد لا نراها إلا يوم توزيع كعكها الانتخابي و صدقاتها السياسية في رمضان وكسوة العيدين وأنتجت مسلسلا تلفزيونيا ك" طاش " لكان أفضل لها ولنا وهي تجربة لن تضرها شيئا إذا وجدت أن الحكومة غير قادرة على إنتاج مسلسل بنفس المستوى إن لم يتفوق عليه أوانها لاتريد.