في رؤية التأمل للأسبوع الماضي، كانت قد استوقفتني عبارة الدكتور عبد الكريم الإرياني عن انزعاج الناس من الرماد الذي يدخل في العيون بسبب الريح التي تهب من أجل التغيير فيلعنون الريح وينسون الرماد. والعبارة قد قيلت خلال تدشين الأممالمتحدة للتقرير العربي الثالث عن التنمية البشرية. وما استوقفني في العبارة هو بساطتها وتعقيدها في وقت واحد. فرياح التغيير مصطلح يستخدم كثيرا للحديث عن الثورات والانتفاضات والتفاعلات التي تنتج عن تفاعل داخلي مع تقبل خارجي أو العكس. وهي رياح إذا هبت تجرف معها الأخضر واليابس، وتهب متنقلة من مكان الى آخر، ولا تتلاشى بسهولة. وذر الرماد على العيون مصطلح هو الآخر شديد الذيوع يقصد الألم الذي يصيب العين بسبب هذا الرماد فتعمى عن الابصار، ويقصد التعمد لذر هذا الرماد للدلالة على التغطية والخداع. أما ما فعله الدكتور فقد مزج بين المصطلحين ليستدعي مفاهيم أخرى تأتي من الغيب ومن الماضي ومن الأسطورة لتتحدث عن الحاضر وعن الخوف وعن الواقع. فإن يلعن الناس الريح دون أن يدركوا أن ما يوجع أعينهم حتى العمى هو الرماد، يمكن تأويله للمعنى الذي يتجه نحو الرماد التي تحتها الشرر. الرماد الناتجة عن حريق أو حرائق، أو عن براكين أو تفتت للصخر. هذه الرماد التي يتولد منها الطائر الاسطوري (الفينيق)، فهو عقيم لا ينجب لكنه يعود للتكون من الخلاصة النهائية لاحتراقه. أما الريح المصابة باللعنة، فهي تلك التي تقدم الينا من بعيد، إنها ريح صرصر عاتية. ولأنها تبدو قادمة من بعيد فإن الغضب ينصب عليها، حتى لو كان اسمها الاصلاح، وحتى لو ارتدت زي التحديث، وتبنت شعارات الديموقراطية والرخاء والعدل. فماالذي اراده الدكتور من مستمعيه؟ أن يحذروا الريح أم يكنسوا الرماد؟ أم يتنبهوا لكليهما؟ الحق في المعلومات عن الرماد: كتب الزميل مراد هاشم عتابه الصحفي في موقع الصحوة نت لزميله الصحفي فيصل الصوفي الذي كتب مقالا في موقع المؤتمر نت. العتاب كان لأن الصوفي عذر الكاتب فهمي هويدي في تحذيره اليمنيين من عواقب الويل والثبور واحتمال تدويل قضاياهم كما يحدث في دارفور. والعذر قام على ان الكاتب الهويدي استند في تحليلاته على ما نقلته الصحافة اليمنية المتحيزة. وعتاب مراد هاشم قائم على الظلم الذي وقع فيه الصحفيون الحريصون على الموضوعية عندما تضيع منهم امكانية الحصول على المعلومة. وبالتالي فإن تحميل الصحفيين مسؤولية غياب الحقيقة ظلم لهم وتبرير لاستمرار نظام حجب المعلومات بدعاوى مختلفة. وفي الحلقة النقاشية التي تمت في المعهد العالي للقضاء حول الإشكاليات التي تواجهها الصحافة في ظل النصوص القانونية المتعسفة والمضيقة للحريات في قانون العقوبات، كانت مسألة الحق في المعلومات هي إحدى القضايا الاساسية للحوار حول الكيفية التي يمكن بها حماية الحريات في اليمن لتأصيل السلوك الديمقراطي وتحقيق النص الدستوري عن الحق في حرية التعبير. ويبدو لي واضحا بعد كل النقاشات التي سمعتها أن الزميل مراد هاشم على حق في دفاعه عن حق الصحفيين في المعلومات، والزميل فيصل الصوفي على حق في عذره للكاتب الهويدي عن عدم توافر المعلومات واستناده الى الصحفيين الذين كتبوا حسب اهوائهم. ففي ظل غياب الحق في المعلومات ووجود الحق في حرية التعبير يكون للناس- صحفيون أو غيرهم- سند دستوري في أن يقولوا ما يشاؤون دون بينة او حقيقة، فحرية تعبيرهم مكفولة اما حقهم في المعلومات فلا ضمان له. فحتى تصبح المعلومة حق للناس وللرأي العام وللصحفيين وحتى يصدر قانون بذلك، فالدعوة عامة لكل الصحفيين في ان يستمروا في ممارسة حريتهم في التعبير كيفما استطاعوا. معلومة مجانية في طريق الريح: رغم ان الحق في المعلومات ليس مكفولا في القانون اليمني، إلا أنني سأوفر معلومة مجانية طوعا للعاملين في وزارة الإعلام ولنقابة الصحفيين وللمهتمين بحرية الصحافة في اليمن وللقلقين على الصحفيين من الحبس. هذه المعلومة قانونية تقول انه حتى لو صدر قانون للصحفيين يمنع حبس الصحفي فإن هذا القانون سيتعارض مع ستة أبواب قانونية في قانون العقوبات، ما يتعلق منها بالأمن الخارجي عقوبتها الاعدام وما يتعلق منها بالأمن الداخلي عقوباتها ما بين عشر الى خمسة عشر عاماً من الحبس. وقانون العقوبات الآن هو الذي يحتاج الى نقاش وفهم وتعديل. أما أحكام القضاة على الصحافة والصحفيين رغم قوانين مثل هذه فهو أمر يستحق كل تقدير، فحتى الآن لمعلوماتكم لم يحكموا بإعدام أحد. وعلى الصحفيين قبل أن يلعنوا الريح، أن يغيروا رماد القوانين كي لاتكمن لهم مثل الجمر تحت الرماد يثيرها مستصغر الشرر، أو حتى هبة نسيم غير ملائمة. mailto:[email protected]