عنجهية العليمي آن لها ان توقف    إقالة رشاد العليمي وبن مبارك مطلب شعبي جنوبي    إستشهاد جندي جنوبي برصاص قناص إرهابي بأبين    مدرسة بن سميط بشبام تستقبل دفعات 84 و85 لثانوية سيئون (صور)    الإصلاحيين أستغلوه: بائع الأسكريم آذى سكان قرية اللصب وتم منعه ولم يمتثل (خريطة)    من يصلح فساد الملح!    تربوي: بعد ثلاثة عقود من العمل أبلغوني بتصفير راتبي ان لم استكمل النقص في ملفي الوظيفي    البرلماني بشر: تسييس التعليم سبب في تدني مستواه والوزارة لا تملك الحق في وقف تعليم الانجليزية    السياغي: ابني معتقل في قسم شرطة مذبح منذ 10 أيام بدون مسوغ قانوني    شركة النفط بصنعاء توضح بشأن نفاذ مخزون الوقود    السامعي يهني عمال اليمن بعيدهم السنوي ويشيد بثابتهم وتقديمهم نموذج فريد في التحدي    نجاة قيادي في المقاومة الوطنية من محاولة اغتيال بتعز    التكتل الوطني يدعو المجتمع الدولي إلى موقف أكثر حزماً تجاه أعمال الإرهاب والقرصنة الحوثية    دولة الأونلاين    مليشيا الحوثي الإرهابية تمنع سفن وقود مرخصة من مغادرة ميناء رأس عيسى بالحديدة    احتجاجات في لحج تندد بتدهور الخدمات وانهيار العملة    جمعية التاريخ والتراث بكلية التربية تقيم رحلة علمية إلى مدينة شبام التاريخية    نتائج المقاتلين العرب في بطولة "ون" في شهر نيسان/أبريل    النصر يودع آسيا عبر بوابة كاواساكي الياباني    اختتام البطولة النسائية المفتوحة للآيكيدو بالسعودية    "الحوثي يغتال الطفولة"..حملة الكترونية تفضح مراكز الموت وتدعو الآباء للحفاظ على أبنائهم    شاهد.. ردة فعل كريستيانو رونالدو عقب فشل النصر في التأهل لنهائي دوري أبطال آسيا    وفاة امرأة وجنينها بسبب انقطاع الكهرباء في عدن    الهند تقرر إغلاق مجالها الجوي أمام باكستان    13 دولة تنضم إلى روسيا والصين في مشروع بناء المحطة العلمية القمرية الدولية    هل سيقدم ابناء تهامة كباش فداء..؟    هزة ارضية تضرب ريمة واخرى في خليج عدن    سوريا ترد على ثمانية مطالب أميركية في رسالة أبريل    مباحثات سعودية روسية بشان اليمن والسفارة تعلن اصابة بحارة روس بغارة امريكية وتكشف وضعهم الصحي    صدور ثلاثة كتب جديدة للكاتب اليمني حميد عقبي عن دار دان للنشر والتوزيع بالقاهرة    فاضل وراجح يناقشان فعاليات أسبوع المرور العربي 2025    انخفاض أسعار الذهب إلى 3315.84 دولار للأوقية    "خساسة بن مبارك".. حارب أكاديمي عدني وأستاذ قانون دولي    حرب الهيمنة الإقتصادية على الممرات المائية..    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    هل سمعتم بالجامعة الاسلامية في تل أبيب؟    غريم الشعب اليمني    جازم العريقي .. قدوة ومثال    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    برشلونة يتوج بكأس ملك إسبانيا بعد فوز ماراثوني على ريال مدريد    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ولماذا لا يُحبس الصحفيون؟ خمس ملاحظات على مشروع قانون الصحافة والإعلام
نشر في نبأ نيوز يوم 16 - 05 - 2010

كانت مبادرة إيجابية من قبل ملتقى الرقي والتقدم أن يعقد ندوة موسعة ومُكرسة بالكامل لمناقشة أوضاع الصحافة والاعلام في بلادنا ، عُقدت الندوة تحت عنوان (مستقبل الصحافة والإعلام في اليمن- الواقع ومتطلبات العصر) واتسمت فيها المداخلات والمناقشات ، على مدى يومين، بقدر كبير من الجدية والشفافية ، برعاية كريمة من قبل رئيس ملتقى الرقي والتقدم الأخ الأستاذ يحي محمد عبد الله صالح.
الغرض الرئيس من عقد هذه الندوة كان مناقشة "مشروع قانون الصحافة والاعلام" الذي تقدم به ملتقى الرقي والتقدم بوصفه منظمة من منظمات المجتمع اليمني ، وهو المشروع الأول من نوعه الذي يضع كل وسائل الصحافة والاعلام في اليمن ضمن اطار تنظيمي واحد.
ومن يطلع على المشروع ، يتضح له قدرالجهد الذي بذله مُعدوه ، ومقدارالجراءة والشمول التي اتسمت بها نصوصه في تنظيمها لمجال الصحافة والاعلام ، حيث جاء المشروع وكأنه ترجمة قانونية للهدف الذي أعلنه ريئس الملتقى وهو " .. الخروج من شرنقة التشريعات الصحافية والإعلامية المتخلفة عن العصر، والمشاريع الموازية لها ، التي لا شك بأنها تثير قالقا عاما لدى مختلف الأوساط اليمنية المستنيرة .. . وكذا ، تعزيز حرية الصحافة واستقلال وسائل الاعلام وتعدديتها وتحويلها الى مؤسسات منافسه غير محتكرة لفئة أو حزب أو جماعة ، أو مصنفة لمصلحة اتجاه سياسي أو اقتصادي أوفكري . "
وقد أبدى كثيرٌ من الصحفيين والكتاب والخبراء القانونيين وأعضاء مجلسي النواب والشورى ، ملاحظات قيمة على مشروع القانون أثناء مداخلاتهم في الندوة ، ويتوقع الجميع ان يكون لها أثرا ايجابيا في خروج هذا المشروع - بعد صياغته النهائية - بصورة تحقق الهدف الذي توخاه ملتقى الرقي والتقدم من مبادرته في تقديم المشروع ، وأخص هنا بالذكر الملاحظات المهمة التي أبداها كل من الدكتور أحمد الأصبحي ، عضو مجلس الشورى ، والأستاذة القديرة ، فتحية عبد الواسع الخبيرة القانونية المعروفة . والاستاذ عبدالرزاق الهجري عضو مجلس النواب ، وكذا ملاحظات النقيب الأسبق وعميد الأسرة الصحفية في اليمن الكاتب والمفكر عبد الباري طاهر، وملاحظات الأخ الأستاذ عبد الرحمن بجاش ، التي اتسمت بشفافية مؤثرة حركت المشاعرودخلت القلوب .
وبدوري ، وبعد قراءتي للمقال الجميل ، للأخ الصديق نصر طه مصطفى، الكاتب الكبير ونقيب الصحفيين السابق ، في جريدة "سبتمبر" مطلع هذا الأسبوع ، والذي أشار فيه بحق الى "ان القوانين جاءت لتنظم شئون حياتنا في مختلف المجالات، ومع اتساع مجالات الحياة المعاصرة وتشعباتها وتعقيداتها في كل الاتجاهات وبروز الكثير من المستجدات التي تتطلب اجتهادات جديدة لتقنين آليات التعامل معها تبرز ضرورة مراعاة الاختلافات الطبيعية بين المجتمعات المعاصرة في تصوراتها العقدية والقيمية والأخلاقية والسياسية والثقافية والاقتصادية والمعيشية والعلمية وغيرها .." وانطلاقا من هذه الرؤية الواعية كأرضية أساس للنقاش ، أستميح الأصدقاء في ملتقى الرقي والتقدم ، وفي مقدمتهم الأخت الزميلة الاستاذة الدكتورة رؤوفة حسن ، التي افتقدنا حضورها المميز وحيويتها في اللقاء الأخير ، وكذا الأصدقاء في الأسرة الصحفية ، وفي مقدمتهم الصديق الاستاذ ياسين المسعودي ، نقيب الصحفيين اليمنيين ، أستميح الجميع عذرا في إبداء بعض الملاحظات الفنية والقانونية على مشروع القانون ، وعندي ثقة كبيرة ، انهم سيتقبلونها بصدور واسعة وعقول منفتحة طالما وغايتنا جميعا هي إثراء هذا المشروع الرائد ليخرج - في صيغته النهائية - محققا لمصلحة الصحفيين والاعلاميين ومتفقا مع المبادىء والمتطلبات التي يقتضيها القانون.
وسأكتفي هنا، الى جانب الملاحظات التي قدمت في الندوة ، بابداء خمس ملاحظات عامة على مشروع القانون ، تتعلق أولها بدور ووظيفة التعديلات القانونية عموما ، والثانية بأهم المبادئ الدستورية والقانونية التي تكفل وتنظم حرية الرأي والتعبير، وتتعلق الثالثة بأهم محظورات النشر ومسؤولية كل من الصحفي والناشر ومدى جواز تطبيق عقوبتي الحبس والغرامة على الصحفيين ، وتتعلق الملاحظة الرابعة بضرورة الفصل عند المعالجة التشريعية بين تنظيم مهنة الصحافة تحديدا وبين تنظيم الأجهزة والهيئات الجديدة المقترحة والتي وردت في مشروع القانون ، أما الملاحظة الخامسة والأخيرة فتناقش ما إذا كان من المناسب تحويل المؤسسات والهئيات الاعلامية العامة الى مؤسسات استثمارية ، مختلطة او خاصة ، في ظروف اليمن الراهنة.
أولا : فيما يتعلق بدور ووظيفة التعديلات القانونية عموما:
من الملاحظ ، على نطاق واسع ، كثرة اللجوء الى التعديلات القانونية في بلادنا. ولا يُعد ذلك عيبا في ذاته ، فوظيفة القانون والأجهزة القائمة على تنفيذه هي حماية المصلحة العامة وكذا المصالح الخاصة المشروعة للأفراد في مرحلة زمنية معينة من مراحل تطور المجتمع ، وعندما تصبح تلك النصوص والأجهزة القانونية أقل فاعلية أو كفاءة في أداء هذه الوظيفة ، نتيجة ما قد يطرأ على المجتمع من تطورات في مراحل لاحقة ، فلا بأس من تعديلها ، بل لابد من تعديلها بما يحقق أقصى حماية ممكنة للمصالح العامة في ظل الظروف والتطورات المستجدة .
إذن فالتعديل ، من حيث المبدأ ، لا يُعد عيباَ في ذاته ، ولكن ما يجعل من التعديلات القانونية عيبا ومثلبا هو ما تحدثه كثرة التعديلات غير المدروسة من إرباك واضطراب في المراكز القانونية المختلفة وبالتالي تعريض المصالح العامة والخاصة للضياع نتيجة عدم الاستقرار القانوني ، وما يستتبعه من ارباك لوظيفة القضاء والاجهزة المتصلة بسيرالعدالة عموما .
وفوق ذلك ، هناك بعدٌ سلبي يترتب على استسهال اللجوء الى التعديلات التشريعية كوسيلة لمواجهة المشاكل الاجتماعية ، فالقانون وان كان ضروريا ولازما لتحديد وحماية الحقوق والمصالح المختلفة ، إلا انه غير كاف وحده في تأمين وحماية تلك الحقوق والمصالح مالم يكن مسنودا بمنظومة متكاملة وفاعلة تدعم دور القانون وتجعل منه الحكم النهائي في منازعات الافراد ، سواء مع بعضهم البعض او في نزاعهم مع الهيئات والمؤسسات الخاصة منها والعامة . وعلى ذلك ، يرى كثيرٌ من المختصين انه من غير المجدي أن يراهن أحدٌ على دور القانون في الدول التي لا يُحترم فيها مبدأ سيادة القانون ( اي خضوع الجميع للقانون بما في ذلك الأجهزة والأشخاص المكلفين بتنفيذه ) ، كما لا مجال للحديث عن دور أساسي للقانون كمدخل لحل المشاكل الاجتماعية في تلك الدول التي أصبح واضحا فيها ، من خلال الممارسة اليومية ، أن هذا المبدأ قد فرغ من مضمونه او انه لم يعد يلقى الاحترام الواجب ، وهو ما يؤدي بالضرورة الى إضعاف الثقة الاجتماعية بالنصوص القانونية وتآكل شرعية الهيئات والأجهزة القائمة على تطبيقه .
ثانيا : حرية الرأي والتعبيرفي الدستور والقانون اليمني
المادة (42) من الدستور :
لكل مواطن حق الإسهام في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتكفل الدولة حرية الفكر والإعراب عن الرأي بالقول والكتابة والتصوير في حدود القانون .
المواد الأساسية في قانون الصحافة النافذ ( القانون رقم 25 لسنة 1990 ) :
مادة (3) : حرية المعرفة والفكر والصحافة والتعبير والاتصال والحصول على المعلومات حق من حقوق المواطنين لضمان الإعراب عن فكرهم بالقول أو الكتابة أو التصوير أو الرسم أو بأية وسيلة أخرى من وسائل التعبير وهي مكفولة لجميع المواطنين وفق أحكام الدستور، وما تنص عليه أحكام هذا القانون.
مادة (4) : الصحافة المستقلة تمارس رسالتها بحرية في خدمة المجتمع وتكوين الرأي العام والتعبير عن اتجاهها بمختلف وسائل التعبير في إطار العقيدة الإسلامية والأسس الدستورية للمجتمع والدولة وأهداف الثورة اليمنية وتعميق الوحدة ولا يجوز التعرض لنشاطها إلا وفقاً لأحكام القانون.
مادة (5) : الصحافة حرة فيما تنشره وحرة في استقاء الأنباء والمعلومات من مصادرها وهي مسئولة عما تنشره في حدود القانون.
أورد هنا هذا النص الدستوري والنصوص القانونية الأخرى ذات الصلة ، لأنني فوجئتُ تماما باشارة الأستاذ حمود منصر، وهو الصحفي الكبير، في مداخلته الشفوية امام الندوة الى ان الدستور اليمني قد جاء خلوا من النصوص التي تكفل مبدأ حرية الصحافة والاعلام وان مصطلح ( حرية الصحافة ) لم يرد في الدستور(!؟) وأكثر من ذلك، فقد صُعق الحاضرون جميعا عندما وصف كبير المراسلين الصحفيين في اليمن قانون الصحافة والمطبوعات النافذ بأنه: قانون عنصري (!؟) والسبب ، ان هذا القانون - من وجهة نظره - ينتهك مبدأ المساواة المنصوص عليه في الدستور ويفرق بين الصحافة الحكومية والحزبية والخاصة (!!) .
وأنا اتفهم ان يكون الصحفي قادرا على إثارة الاهتمام بالقضايا التي يتناولها ، ولكن تسليط الضوء على قضية معينة ومحاولة إثارة الاهتمام بها ، يجب ان لا يبعدنا كثيرا عن توخي الدقة في استخدام الكلمات والمصطلحات.
ومن المعلوم ان النصوص الدستورية تقرر المبادىء العامة والأسس الرئيسة التي يحتكم اليها المجتمع ولا تتطرق الى التفاصيل والجزئيات فتلك هي مهمة القوانين واللوائح والقرارات الادارية . والمادة (42) من الدستور تضع المبدأ العام في حرية الفكر والرأي بكافة الوسائل في حدود القانون . والصحافة واحدة من وسائل كثيرة يمكن من خلالها التعبير عن الفكر والرأي في حدود الضوابط والمحظورات التي يفترض ان تكون مبينة تفصيلا في قانون الصحافة والاعلام . ويضاف الى هذا القانون أية قواعد تنظيمية إدارية او مهنية أخرى قد تصدر عن الجهات المعنية الرسمية ، او نقابة الصحفين كجهة مهنية بشرط ان لاتمثل تلك القواعد خروجا او تقييدا غير مقبول لمبدأ حرية الفكر والرأي الذي كفله الدستور ، وبذلك يكون الاطار العام لمبدأ حرية الصحافة والاعلام هو الدستور والقانون بمعناه الواسع المتضمن عقيدة المجتمع وتقاليده وثقافته وكل ما يحفظ بقاءه ووحدته وأمنه وسكينته وتماسكه.
ولن نناقش هنا إشارة البعض الى أن قانون الصحافة النافذ ينتهك مبدأ المساوة بين المواطنين ، فالدستور والقانون يساوي بين المواطنين في الأحكام القانونية ، وفي الحقوق والواجبات عندما تتساوى مراكزهم وأوضاعهم القانونية ، ولا يُعد انتهاكا لمبدأ المساوة ان يخضع القانون الاعلام الرسمي والحزبي والخاص لأحكام خاصة بكل منها لاختلاف المراكز القانونية لفئات المخاطبين بالقانون . ولكن المساواة قائمة بالنسبة للمخاطبين في كل فئة من الفئات السابقة وليس هناك أي تمييز بين حزب وحزب وبين فرد وفرد . وهذا بالطبع من الناحية النظرية ، اما التطبيق العملي فقد يتفق او لا يتفق مع النص القانوني وذلك امرٌ مرده نزاهة القضاء وكفاءة الأجهزة القائمة على تطبيق القانون .
ثالثا : محظورات النشر ومدى جواز إيقاع عقوبة الحبس على الصحفيين
أصبحت مسألة "حبس الصحفيين" حساسة جدا ، ومن الطبيعي ان يشعر الصحفيون بالقلق الشديد عندما لا يُبين القانون بشكل واضح ودقيق حدود مسؤليتهم القانونية ، فهم يريدون ان يعرفوا أين تنتهي حرية الرأي المكفولة لهم في الدستور والقانون ، وأين تبدأ المحاذير والمحظورات التي قد تعرضهم للعقوبات ومنها عقوبة الحبس.
ولكن قبل ذلك ، يتوجب ان نناقش من حيث المبدأ مسألة جواز حبس الصحفيين والكتاب والاعلاميين . ونقطة البداية هنا هي ان الصحفي ، قبل ان يكون صحفيا ، هو مواطنٌ مثل اي مواطن آخر فيما يتعلق بخضوعه للقانون ، صحيح ان الدستور والقانون يعطيه حصانة من المساءلة القانونية ليحرره من الخوف والقلق وهو يمارس مهنته ، إلا ان تلك الحصانة محصورة ومقيدة ، فهي محصورة فقط فيما يبديه الصحفي من آراء وافكار ، وهي مقيدة بالحدود الدستورية والقانونية بالمعنى الواسع الذي سبقت الاشارة اليه . وعلى ذلك إذا أشتمل الرأي او المقال الصحفي على ما يخالف القانون ، بأن انتهك حقا او مصلحة عامة او خاصة يحميها القانون جاز معاقبة الصحفي – بعد محاكمة عادلة ونزيهة- بالعقوبة المقررة قانونا ، فاذا كانت تلك العقوبة هي الحبس فمن غير المنطقي ان يعفى منه لأن هي الصحافة ، وبوضوح لا لبس فيه ، يجوز حبس الصحفي ، مثله مثل الطبيب او المهندس او المحامي ، اذا ارتكب مخالفة او جريمة ينص القانون على معاقبة فاعلها بالحبس .
ولا مجال هنا للإحتجاج بأن تطبيق عقوبة الحبس على الصحفيين من شأنه ان يُقيد حرية الفكر والرأي وأن يشيع جوا من القلق والخوف في اوساط الصحفيين والكتاب ، فكل صحفي يتمتع بالحد الأدنى من الوعي والشعور بالمسئولية والشجاعة الأدبية يستطيع ان يمارس حريته الى أقصاها وأن ينتقد كل شيء في البلد من السياسات الى الأشخاص بصفتهم العمومية ، دون ان يرتكب أيا من المحظورات القانونية .
وقد جاء مشروع ملتقى الرقي والتقدم خلوا من الاشارة الى عقوبة الحبس ، وهذا مثلبٌ قانوني واضح ، وربما قدر واضعو المشروع ان مخالفات الصحفيين ليست بالخطورة التي تستوجب تطبيق عقوبة الحبس عليهم ، ولكن المشروع نفسه عدد باسهاب قائمة من المحظورات القانونية التي يشكل كل منها جريمة منصوص عليها في قانون الجرائم والعقوبات ولكل منها عقوبة بما في ذلك الحبس، فكيف تم إغفال الاشارة الى عقوبة الحبس ؟ ولو فرضنا ان قانون الصحافة والاعلام قد جاء خلوا من الإشارة الى عقوبة الحبس ، بل حتى لو منع بنص صريح تطبيق هذه العقوبة على الصحفيين ( كما فعل المشروع المقدم من وزارة الإعلام ) فهل يحول ذلك دون اقامة الدعوى المدنية او الجنائية على الصحفيين وفقا للقوانين النافذة الأخرى ؟ وهل يمنع ذلك من أقامة الدعوى بعدم دستورية مثل هذا القانون ؟ وفوق ذلك كله ، هل يستقيم هذا المسلك مع المنطق القانوني السليم المعمول به في كل دول العالم ؟
منتهى القول إذن ، أن القانون يجب أن لا يجامل أحدا ، وليس من الظلم في شيء أن يعاقب الصحفي بالحبس او الغرامة إذا هو تجاوز الحدود القانونية لحرية الفكر والرأي وانتهك حقا او مصلحة يحميها القانون . غير انه من الانصاف القول انه يحق للصحفيين والكتاب وقادة الرأي ان يقلقوا من الانحراف بالقانون عن مقاصده في التطبيق العملي ، فهناك شعورٌ واسع بين الصحفيين أن كثيرا من الدعاوى والملاحقات القانونية الأخيرة للصحفيين والكتاب قد تمت بدوافع سياسية ، أي انها كانت عقابا على موقف سياسي اكثرمنها عقابا على مخالفات ومحظورات قانونية . ولكن في مثل هذه الحالات يكون الأمر برمته موكول الى ضمير القاضي ونزاهة جهاز العدالة .

رابعا : الفصل بين قانون الصحافة وقانون تنظيم الأجهزة القائمة عليها
لو كانت درجة التطور الفني والتنظيمي لأجهزة ومرافق الدولة قد سارت في طريقها الطبيعي قبل ان تفسدها المكايدات الحزبية التي أدت الى تسييس الوظائف العامة في الجهاز الخدمي والمرفقي للدولة ، مما فتح الباب واسعا أمام المزايدين على حساب أصحاب الكفاءة والنزاهة ، ولو لم تكن الوظائف العامة قد أصبحت مكافأة او جائزة على المواقف السياسية بدلا من أن تكون تكليفا للمؤهلين والجديرين بالقيام بتحمل المسئولية ، وهو ما انعكس سلبا على أداء كثير من الأجهزة والمرافق العامة . لو لم يكن ذلك كله ، لكنا قد بلغنا درجة من التطورالاجتماعي تسمح لنا باحداث نقلات تشريعية وقانونية متقدمة ، ولكن ما حدث في الواقع ، هو اننا كنا في سباق مع العالم في تعديل وتحديث منظومتنا القانونية في الوقت الذي بقيت فيه قياداتنا الادارية وبنيتنا المؤسسية – إن جاز لنا ان نستخدم هذا المصطلح - على حالها ، وهو ما أحدث فجوة واسعة بين ما تقرره القوانين من أوضاع مثالية ومأمولة وبين ما ينطق به الواقع المعاش على الأرض وما يكتنفه من عقبات وصعوبات وعوائق ادارية وفنية ومالية تجعل من نصوص القانون أشبه ما تكون بنجومٍ لامعةٍ في سماءٍ مظلمة يُعجب الناس ببريقها ولكن لا يمكنهم الاهتداء بها او الانتفاع بضوئها .
أقول هذا لأنني لاحظت قدر الطموح والجراءة التي اتسم بها مشروع قانون الصحافة والاعلام الذي تقدم به ملتقى الرقي والتقدم ، فعلاوة على خطوته الرائدة في جمع كل وسائل الاعلام في اطار تنظيمي واحد ، أنشأ المشروع جهازا مستقلا لرعاية الصحافة والإعلام يتكون من (14) عضوا يتم انتخابهم من قبل مجلس النواب من بين مرشحين يمثلون فئات وجهات مختلفة ذات علاقة بمجال الصحافة والاعلام ، وسمى هذا الجهاز ب " المجلس الأعلى للصحافة والإعلام " ، ويصدر به قرارمن ريئس الجمهورية بناء على عرض من رئيس مجلس النواب.
ومن حيث المبدأ ، فالحاجة قد تكون قائمة الى مثل هذا الجهازالمستقل ليتولى القيام برعاية شئون الصحافة والاعلام بما يحقق الحرية والاستقلال التي ينشدهما العاملون في هذا المجال ، وبما يحقق المصلحة العامة للمجتمع . والتحفظ الوحيد الذي يمكن اثارته هنا هو ان ربط الأحكام الخاصة بانشاء هذا الجهاز ( الذي سينشأ لأول مرة في بلادنا ) بقانون الصحافة ( الذي لدينا منه عدة نسخ قديمة وخمسة مشروعات جديدة ) سيؤدي حتما الى تأخير إصدار قانون الصحافة الذي استوفى حقه من المراجعة والتمحيص بعد كل هذه المشاريع والمناقشات الجادة ، بينما الجهاز الجديد المقترح ( المجلس الأعلى للصحافة والاعلام ) لم تستوف المناقشات حوله بعد ، ومن المؤكد أن جهازا على هذه الدرجة من الأهمية ، سيحتاج الى مناقشات قانونية وفنية مطولة . وباعتباره جهازا عاما وحساسا من أجهزة الدولة فمن المتوقع ان تطول المناقشات حوله كثيرا نظرا للاعتبارات السياسية والقانونية المتصلة بانشائه وبنطاق وظيفته وبموقعه الدستوري بين أجهزة الدولة .
لهذا أعتقد أنه سيكون من الأوفق أن يصدر قانون الصحافة اولا ، ثم بعد ذلك يصدر قانون تنظيم وسائل الاعلام الأخرى المرئية والمسموعة والالكترونية وغيرها ، ثم يصدر قانون انشاء " المجلس الأعلى للصحافة " إذا اقتنعنا جميعا بالحاجة اليه . وفي مرحلة لاحقة ، بعد صدور هذه القوانين ، ليس هناك ما يمنع من ضم القوانين الثلاثة في قانون واحد بحسب المقترح الذي تقدم به ملتقى الرقي والتقدم .
وهناك نقطة أخيرة ذات صلة بهذا الموضوع وهي أنه قد يكون من الأوفق ان تكون هناك معالجة تشريعية مستقلة لنشاط المطابع ودور النشر وما يلحق بها بوصفها مؤسسات تجارية ، مع الأخذ في الاعتبار الجوانب المتصلة بعملها وعمل الصحافة والاعلام ، كما انه من الأوفق حصر مسؤلية المطابع التجارية ودور النشر الخاصة في ان تتأكد فقط أن المواد التي يراد طباعتها او نشرها مستوفيه للتراخيص المطلوبة قانونا دون ان تكون مسؤولة عن مضمون او محتوى تلك المواد التي يسأل عنها أصحابها سواء كانوا افرادا او هيئات .

خامسا: الاستثمار في مجال الصحافة والإعلام
ليس هناك مبالغة في القول أن عالمنا اليوم قد أصبح محكوما بالإعلام . وهذا يعني ان الإعلام هو القوة الناعمة التي يجري بواسطتها إعادة صياغة العالم بشرا وحجرا . واليمن والمنطقة العربية كلها ليست في مناى عن ذلك كله . ومن هنا يمكننا إدراك أهمية وحيوية وخطورة الدور الذي يمكن ان تلعبه وسائل الإعلام المختلفة في عصر السماوات المفتوحة والامكانات العلمية والتكنولوجية الهائلة .
وحسنا فعل ملتقى الرقي والتقدم عندما اقترح في مشروعه تحويل المؤسسات الصحفية والاعلامية القائمة الى مؤسسات استثمارية مختلطة بعد إعادة هيكلتها وتنظيمها ، والهدف هو ان تصبح هذه المؤسسات موسسات مستقلة تدير وتمول نفسها بعد فترة انتقالية معينة وتحت إشراف ورعاية المجلس الأعلى للصحافة ، على ان تبقى ملكية الدولة لها في حدود 51% .
وفي ظن الكثيرين ان فتح باب الاستثمار في مجال الاعلام ، هو الحل الأمثل لتطوير مؤسساتنا الاعلامية العامة لتصبح أكثر كفاءة وقدرة على المنافسة . وربما لهذا السبب ، فتح المشروع المقترح الباب واسعا أمام الأفراد لانشاء شركات استثمارية في مجال الصحافة والاعلام ، بما في ذلك انشاء المحطات الاذاعية والتليفزيونية ، وفقا للأحكام والشروط التي يحددها القانون .
وقد يكون فتح باب الاستثمار في مجال الاعلام سبيلا مناسبا بالفعل لتطوير أداء مؤسساتنا الاعلامية ، ولكن لابد هنا من إيراد تحفظ لا يمكن إغفال أهميته ، وهو انه ينبغي التحرز عند تحرير الاعلام من المحاذير الناتجة عن تفاوت الامكانات بين اليمنيين وغيرهم سواء كانوا أفرادا أوشركات . ومع ان مشروع القانون يجعل ملكية الشركات الصحفية والاعلامية مقصورة على اليمنيين ، إلا ان الجميع يعرف انه يمكن الالتفاف على شرط الجنسية اليمنية او جعله مجرد يافطة تخفي وراءها المستثمر الحقيقي الذي يحدد توجه ومضمون هذه الوسيلة الاعلامية او تلك . ونظره سريعة الى مضمون الصحف والمواقع والقنوات الفضائية التي تملأ سماء المنطقة العربية تعطينا فكرة كاملة عن طبيعة السياسات والمصالح التي تخدمها تلك القنوات ، بصرف النظر عن اسم البلد التي تبث منه او الشركة التي تملكها .
وفي ظروف اليمن الحالية ، أعتقد انه لايزال للدولة واعلامها الرسمي دورا يجب أن تلعبه ، بل وواجبا يجب ان تؤديه ، فليس من الحكمة في شيء ان يُوكل أمر توجيه المجتمع وارشاده كلية الى شركات او مؤسسات غرضها الأول والأخير هو الربح مهما كانت صرامة النصوص القانونية التي تعمل في ظلها ، ولا يعني ذلك بالطبع ان نقفل الباب ، او ان نضيق المجال ، على الصحفيين والاعلاميين اليمنيين المتميزين والجادين من أن يكون لهم شركاتهم ومؤسساتهم الاعلامية الخاصة التي تمارس عملها في اطارالقانون وقيم المجتمع الايجابة وعقيدته السمحاء .
وعودٌ على بدء ، فهذه مجرد ملاحظات سريعة وعامة على هذا المشروع الرائد والشامل ، أما الملاحظات التفصيلية والفنية فقد أغنتني عنها الأخت الأستاذة فتحية عبد الواسع ، الخبيرة القانونية القديرة ، في مداخلتها المهمة امام ندوة ملتقى الرقي والتقدم ، وآمل ان تسهم هذه الملاحظات ، مع ما قدمه الآخرون من ملاحظات ومداخلات خلال الندوة ، في إثراء مشروع قانون الصحافة والمطبوعات قبل أن يصبح قانونا نافذا .
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.