لم يُحدِث حجاب الممثلة المصريّة حنان ترك نقلة نوعيّة في أعمالها التلفزيونيّة و السينمائيّة ؛ ذلك أنها منذ بداياتها الفنيّة تقريباً تنتهج مبدأ الفنّ الملتزم الهادف، بيد أنّ حجاب حنان ترك كان قد أثار تساؤلات كثيرة و أفكار عدّة عن الفارق ما بين الفنّ الملتزم و الفنّ الشرعيّ ، و عن مدى تقبّل مفتيينا و فقهائنا لفكرة الفنّ الملتزم عوضاً عن الفنّ الشرعيّ الذي يُقحم الطرح الدينيّ إقحاماً مباشراً فلا يحصد غير فئة معيّنة من المتابعين؟ إذا ما اعتبرنا حنان ترك نموذجاً ، فلابدّ حينها من جرد بعض أعمالها التي تحمل أفكاراً هادفة ، ابتداءً من دورها في مسلسل (لن أعيش في جلباب أبي) والذي طرحت فيه علامة استفهام كبيرة عن واقع الفتيات اللواتي يرضين بعدم إكمال التعليم و المكوث في البيت انتظاراً للعريس الذي يتمّ اختياره على ضوء الجهل و الفشل المتراكم . عمل آخر أضافته لرصيدها الفني الملتزم في فيلم (الحياة منتهى اللذة) ، حيث مثلت دور فتاة تعاني اكتئاباً حاداً بسبب وفاة والدها ما دفعها للتفكير بالانتحار ، فيتمّ على أساس ذلك مراجعتها الفكريّة للدين ، و للمعايير الحقيقيّة التي تحكمها و الجيل الشابّ. أعقبت ذلك بفيلمها (دُنيا) الذي مُنِع من العرض في دور السينما المصريّة ، لاتهامه بتشويه سمعة مصر في بعض القضايا المتعلقة بالإناث ، على الرغم من تأكيدها على عرض سيناريو الفيلم قبل تمثيله على الداعية اليمني الحبيب الجفري الذي أثنى عليه و على فكرته . و حتى مسلسل (سارة) الذي مثلت فيه دور فتاة معاقة تعاني من جحود المجتمع لحقها في الحياة الطبيعية، مثلته و هي غير محجّبة ، إلى أن جاء مسلسلها (أولاد الشوارع) الذي كانت فيه فتاة تعيش في الشارع و تعاني من جبروت المجتمع ، حيث مثلته و هي ترتدي الحجاب بطريقة تخدم الدور الذي تؤدّيه . التعريج السريع على أعمال حنان ترك كان من باب إيضاح الفرق بين عمل فني ملتزم هادف يلقى شعبيّة و متابعة واسعة و لغطاً لدرجة منعه من العرض في بعض المرّات ، و ما بين عمل شرعيّ لا يلقى الرواج إلاّ وسط شريحة معيّنة من متابعي بعض القنوات الدينيّة و الذين ربّما يتابعونه كمن يتجرّع الدواء . فكيف لنا أن ننتظر من الجيل الشابّ أن يتابع مسلسلاً شرعيّاً يتناول حياة أسرة مصريّة لا تتحدّث إلاّ بالتسابيح و المواعظ ؟! و كيف ننتظر نجاح أغنيّة شرعيّة ليس فيها غير الابتهالات التي يغنّيها صوت يقترب من النواح وسط مشاهد مرعبة بين الكثبان الرمليّة في الصحراء؟! كيف للقائمين على هذا الفنّ أن يعتقدوا للحظات أنّ نوعيّة كهذه ستصمد أمام المدّ الفنّي الكاسح ؟ و لماذا الجنوح نحو التطرف في كلّ شيء حتى الفنّ ؛ لماذا ليس هنالك إلاّ فنّ مكشوف هابط أو فنّ شرعيّ يقترب من الصوفيّة و الدروشة ؟ مطربات كأمّ كلثوم ، ماجدة الرومي ، فيروز ما المشكلة في سماع شيء من أغانيهن و الاقتباس من ذلك للفنّ الشرعيّ الذي يعاني مأزقاً حقيقياً ؟ ثمّة شبهة شرعيّة في الغناء و الموسيقى ، و الغناء النسائيّ خصوصاً ، و لكن إذا ما غنى البعض على الرغم من هذه الأحكام ، حينها أليس من الأفضل لنا و لو من باب حبّ الاستطلاع أن نتدارس المطروح من وجهة نظر فنيّة و جماهيريّة بدلاً من العزوف بحجّة أنّ الدنيا حُفت بالمكاره و لابدّ من شدّ الأحزمة ؟ ثمّة نموذج لا يمسّ التمثيل بل الإعلام ، لكنه يشير بوضوح للأزمة الفكريّة التي نعانيها ، المذيعة السعودية منى أبو سليمان و الجزائريّة خديجة بن قنة ، كلتاهما محجبتان و تمثلان تقريباً الرمز الأشهر للحجاب في القنوات العاديّة و ليس الدينيّة . ممّا يثير العجب أنّ من يتابعون هاتين المذيعتين لا يناقشون مهنيّتهما و سبب نجاحهما الملحوظ ، بل يذهبون لمناقشة هل حجابهما مقبول بسبب المكياج و ألوان الملابس؟! في حين يتمّ إغفال التساؤل الأهمّ عن سبب تميّز هاتين المذيعتين مقابل المذيعات المحجبات في القنوات الدينيّة ممّن لا يسمع البعض بأسمائهنّ ؟ حسب تصوّري الشخصيّ ، فإني أرى أنّ المطلوب هو فنّ و إعلام ملتزم و محافظ من غير طرح مباشر للقيم الدينيّة باستثناء بعض البرامج الشرعيّة الخاصّة و التي من المحبّذ ألاّ تتزايد بشكل يثير حيرة و سأم المشاهد. كما من المطلوب أن تقترب الفئة الشرعيّة ، في كلّ الميادين و ليس الإعلام و الفن فقط ، من أذهان العامّة و من هم ليسوا بمتديّنين . فمالمشكلة في أغانٍ تتناول العواطف الإنسانيّة الراقية من غير أن يُقحم بها اسم (زوجتي) أو (زوجي) حيث يُزجّ بهاتين الكلمتين خوفاً من فهم الأغنية على محمل العشق؟ و ما المشكلة في برنامج عامّ يتناول فقرات مختلفة و تقدّمه مذيعة محجبة على فضائية عادية من غير أن تنصّب نفسها داعية للبشرية ؟و ما المشكلة في متابعة الفنّ و الإعلام العربي و الغربي بعيداً عن الطرح الدينيّ المباشر؟ يبقى الاستفهامين الأهمّ .. أيّ مدارك تلك هي التي ستتفتح و تزدهر فيما الكلمة و صداها حكر على ذات القائل و جماعته ؟ ألم يأن الأوان للخروج من قمقم الانغلاق الذي لا يعبّر إلاّ عن واقع مأزوم تقف خلفه عقليّة مهزوزة ؟ [email protected]