ما يشهده لبنان ليس طبيعياً، فقد كشفت حرب مخيّم نهر البارد التي افتعلتها "فتح – الأسلام"، أن هناك وضعاً غير طبيعي في المخيّمات الفلسطينية الخارجة عن سلطة الدولة اللبنانية. مثل هذا الوضع لا شبيه له في العالم العربي أو في أيّ دولة تحترم نفسها في العالم. أنه وضع لا يخدم القضية الفلسطينية في أي شكل. على العكس من ذلك أنّه يصبّ في خدمة الأحتلال الأسرائيلي والنظرية الأسرائيلية القائلة أن الفلسطينيين لا يستأهلون دولة وأن ليس في أستطاعتهم أن يحكموا أنفسهم بأنفسهم. ربّما كانت الخطوة الأولى التي لا مفر من الأقدام عليها أن تقدّم القوى الفلسطينية المختلفة التي تسيطر على المخيّمات في الأراضي اللبنانية بعض ما تستطيعه من أعتذار الى لبنان واللبنانيين، بدل أستمرار هذه القوى في مخطط الأنتقام من لبنان في غياب القدرة على تحقيق أي أنجاز من فلسطين... خدمة للأطراف الأقليمية التي بذلت كل ما تستطيع لضرب عملية السلام وتعطيلها. لعلّ الطريق الاقرب للأبتعاد عن فلسطين هو طريق العبث بالأمن اللبناني ولعب أدوار أقلّ ما يمكن أن توصف به أنّها بمثابة تقديم الشعب الفلسطيني وقوداً في معارك لا علاقة له بها لا من قريب ولا من بعيد. تبدو هذه اللعبة المفضلة لدى بعض القيادات الفلسطينية في لبنان. لعبة تتلخّص بالأستفادة من التركيبة اللبنانية للأساءة الى لبنان وأعتبار اللبنانيين مواطنين من الدرجة الثانية في بلدهم. هل تورّع مسلحون فلسطينيون عن مطالبة لبنانيين بأبراز هوياتهم في الحرب التي شهدها لبنان بين العامين 1975 و1990م من القرن الماضي؟ هل تورّع مسلّحون فلسطينيون عن خطف لبنانيين لمجرّد انهم ينتمون ألى طائفة معيّنة أو مذهب معيّن؟ أوليس ذلك هو العبث بحد ذاته، العبث بكل ما له علاقة بالقضية الفلسطينية التي هي قضية حقّ أوَلاً، قضية شعب عربي يسعى ألى تحقيق طموحاته الوطنية، فأذا به يتحوّل ألى مضطهد لشعب عربي آخر؟ تجسّد ظاهرة "فتح- الأسلام" في مخيّم نهر البارد قرب طرابلس في شمال لبنان كل الخطايا الفلسطينية التي أرتكبت في حق لبنان واللبنانيين، علماً أن ما قدّمه لبنان للشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية لم يقدّمه أحد غيره بأستثاء الأردن الذي أستطاع، بشكل مستمر، حماية الشعب الفلسطيني من جنون بعض قياداته أكان ذلك أيّام الملك حسين، رحمه الله، أم في أيام الملك عبدالله الثاني صاحب الرؤية الواضحة الهادفة ألى تحقيق طموحات الشعب الفلسطيني في فلسطين وليس خارجها وليس على حساب أي شعب آخر في المنطقة. ماذا كان حلّ بالقضية لو انتصرت المنظمات الفلسطينية في 1970م على الجيش الأردني؟ ألم يكن ذلك كفيلاً بتحقيق حلم "الوطن البديل" الذي طالما نادى به أرييل شارون واليمين الأسرائيلي؟ ألا يعني ذلك أن ألأردن حمى الفلسطينيين من المسيئين لهم ولقضيّتهم؟ من يتطلع عن كثب إلى ما يجري في مخيم نهر البارد حيث تخوض عصابة "فتح – الأسلام" حربها على الجيش اللبناني، جيش كلّ اللبنانيين ورمز العزة والسيادة والحرية والأستقلال، يجد أن تلك الحرب على لبنان وجيشه الوطني ليست سوى أمتداد للحرب الأسرائيلية على الشعب الفلسطيني. من يوظّف فلسطينيين أو عرباً في مثل هذه الحرب يتآمر على القضية الفلسطينية وعلى كلّ ما هو عربي في المنطقة. هل من جريمة أكبر من جريمة الأعتداء على جنود لبنانيين على الأرض اللبنانية، بل ذبحهم، من أجل أن يثبت هذا الطرف او ذاك قدرته على أفتعال حرب أهلية في لبنان ردّاً على أقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة المحكمة ذات الطابع الدولي التي ستنظر في سلسلة الجرائم التي تعرّض لها أشرف اللبنانيين والعرب على رأسهم رفيق الحريري وباسل فليحان ورفاقهما والحبيب سمير قصير والمناضل العربي جورج حاوي والزميل جبران تويني والوزير والنائب الشاب بيار أمين الجميّل والشهداء الأحياء مروان حماده والياس المرّ والزميلة ميّ شدياق؟ ما يشهده لبنان حالياً ليس جريمة في حق الوطن الصغير وشعبه فحسب. انه أيضا جريمة أخرى في حق فلسطين والفلسطينيين يرتكبها أولئك الذين نذروا أنفسهم لجعل الشعب الفلسطيني يستخدم معارك لا علاقة له بها. هذه معارك لا علاقة لها سوى بأولئك الذين لم يتورّعوا يوماً عن زج الشعب الفلسطيني في معارك وحروب لا تخدم سوى أسرائيل، أولئك الذين قتلوا من أبناء الشعب الفلسطيني ومن أبناء المخيّمات الفلسطينية في لبنان تحديداً أكثر بكثير مما قتلت أسرائيل. هذا ليس وقت المواقف الرمادية من نوع تلك التي أتخذها البعض الذين ساووا بين الجيش اللبناني والمنتمين ألى "فتح –الأسلام". هؤلاء وضعوا نفسهم في خدمة أسرائيل بتسخيفهم القضية الفلسطينية وتحويلها إلى قضية أقامة "أمارة إسلامية" في شمال لبنان أنطلاقاً من مخيّم فلسطيني... هذا وقت كلمة حق تنصف لبنان واللبنانيين من نوع رفض أي وجود مسلّح فلسطيني في لبنان أكان ذلك داخل المخيمات أو خارجها. لقد تحوّلت المخيمات الفلسطينية الى أوكار للأرهاب أكان ذلك في نهر البارد أو عين الحلوة حيث عصابات تابعة لأجهزة أمنية، تستر بالأسلام الذي هو منها براء، همّها الأوّل ألأساءة ألى لبنان واللبنانيين وكلّ ما له علاقة من قريب أو بعيد بالقضية الفلسطينية. ولكن ماذا عن أصحاب القضية الذين يقاومون الأحتلال الأسرائيلي على أرض فلسطين. هل في أستطاعة هؤلاء أن يقولوا بالفم المللآن أن طريق القدس لا تمر بمخيّم نهر البارد؟ امتلك رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية السيّد محمود عبّاس (أبو مازن) ما يكفي من الشجاعة لتأكيد أن ظاهرة "فتح –الأسلام" تسيء ألى كلّ ما هو فلسطيني. ولكن ماذا عن الحكومة الفلسطينية وماذا عن قادة "حماس" داخل فلسطين وخارجها؟ لماذا لا يتّخذ هؤلاء موقفاً من الظاهرة المرضية الجديدة التي اسمها "فتح –ألأسلام"? مطلوب كلمة حق فلسطينية في حق لبنان واللبنانيين اليوم قبل غد... قبل فوات الأوان للبنان وفلسطين