الخير والشر كلمتان وجدتا مع الخليقة وتكون المجتمعات الإنسانية، وهاهو ذا المجتمع الإنساني بأكمله لم يتوصل حتى اليوم إلى تعريف جامع مانع لما هو خير أو لما هو شر.. ولم يتحدد البرزخ أو الحد الفاصل بينهما وسيظل الأمر كذلك، ما دامت هناك أمزجة ومصالح ورغبات تجعل ما هو خير في مفهوم (عمرو) الشر بعينه في مفهوم (زيد)، والعكس صحيح تماماً. وهذه الإشكالية لا تنحصر في هذا الجانب في حياة الناس ولكنها تمتد إلى جميع الجوانب الحياتية تقريباً -المعنوي منها والمادي- ومن الأمثلة على ذلك أن ما ينطبق على مفهومي الخير والشر وتحديدهما ينطبق على الحلال والحرام، والمفيد والضار، ومن منا يستطيع تحديد كل ما هو حلال وما هو حرام، أو ما هو مفيد وما هو ضار ويحصل على إجماع العقل الإنساني. إن هذا التحليل والتحريم تفاوتت مفاهيمه عند الفلاسفة والمصلحين الاجتماعيين في العصور القديمة، ولم يحصل على الإجماع المطلوب عند شرائع الأديان السماوية الثلاث.. حيث نجد مما تحرمه اليهودية مباحاً عند المسيحية.. وغير مستحب في الإسلام والعكس صحيح، من هنا نقول: لأن من المهام الأساسية للإسلام تنظيم حياة المجتمع وعلاقات افراده.. وتوضيح الحلال والحرام.. فقد كانت تعاليمه واضحة ومدركة لشؤون الحياة وتعقيداتها ومستجدات كل عصر وجيل. لهذا كان الأصل في الإسلام هو الإباحة وليس التحريم.. وقد تم تحديد ماوجب تحريمه بنصوص قرآنية واضحة وصريحة تجسد المشيئة الإلهية وحكمتها.. ما دون ذلك فقد ترك للاجتهاد ومقتضيات عصره. ولأن الإسلام يقول: إن الأصل في الأشياء الإباحة ولأنه جعل باب الاجتهاد مفتوحاً، أمام كل من هو أهل لذلك فان هذا أيضاً مما يعكس ويجسد عظمة هذا الدين وحسبنا أنه لم يغفل شيئاً مهماً في حياة الإنسانية.. وهذا ما يثبته العلم في توافقه مع العقل. خلاصة ما نريد الإشارة إليه.. هو أن ما يخرج عن دائرة التحريم الإلهي (النصي) لا نستطيع القول بالإجماع والثبات على تحريمه أو تحليله.. أو أنه خير كله أو شر كله وأن الإنسان العاقل مهما بلغت درجة علمه واتسعت معارفه وتنوعت تجاربه.. لا يستطيع أن ينصح الناس بشيء فيه الخير كله أو يحذرهم من شيء ليس فيه غير الشرور. العاقل لا يمكنه أن ينصح غيره ونفسه أولاً.. إلا بالاعتدال ومتابعة الجديد، وللتوضيح نقول: من الأشياء التي يرى فيها الغالبية الخير كله والفائدة كلها، (الرياضة) ومن الأشياء التي يرون فيها كل الشرور على صحة الإنسان وسلامته، (الدهون) أليس كذلك؟!. هذا ما هو السائد عند غالبية الناس بمختلف مستوياتهم الثقافية والعلمية.. إلا أن العلم في جديده يقول.. إن للرياضة مضاراً ومخاطر، تدعو إلى منع الإنسان من ممارستها في حالات معينة حفاظاً على صحته وسلامته. ونجيء إلى الدهون لنجد أن أضرارها الكثيرة على صحة الإنسان والمجتمع، تقابلها فوائد تدعو إلى تقديم النصيحة بتناول الدهون النباتية وما تسمى بدهون ميجا (3) وميجا (6) لما لها من فوائد مختلفة منها الوقاية من أمراض القلب وتقليل الكروسترول. هذا مجرد مثال للتدليل على ما سبق التطرق إليه.. ومن ثم فمن الصعب التوصل إلى جزم قاطع بالفائدة المطلقة.. أو الشر المطلق في أشياء كثيرة أو في غير ما حُرّم بأمرٍ إلهي.