من يسمع إلى الأنباء الآتية من اليمن هذه الأيام، يتولد لديه شعور بأن البلد يمر في مرحلة صعبة ومعقدة في آن. هناك جانب صحيح في ذلك، لكن هناك كمية كبيرة من المبالغات أيضاً نظراً الى أن الذين يتحدثون عن الوضع اليمني الراهن يتجاهلون إلى حدّ كبير لب المشكلة. ما يعزّز الشعور بأن الوضع صعب في اليمن وجود تحديات عدة تواجه البلد في الوقت نفسه. هناك اضطرابات في المحافظات الجنوبية، وهناك حوادث ذات طابع ارهابي ترتكبها "القاعدة"، وهناك حرب صعدة المستمرة منذ سنوات عدة بدعم خارجي والتي لم تجد بعد حلاّ لها على الرغم من الوساطة القطرية. وهناك فوق ذلك كله أزمة اقتصادية حقيقية وعميقة عائدة الى أن عائدات النفط اليمنية متدنية في ضوء كمية الاحتياط في أراضي البلد ومياهه من جهة وهناك نمو سكاني كبير من جهة أخرى. يأكل هذا النمو كل تقدم اقتصادي يتحقق على أي صعيد من الصعد. هل من يريد أن يجد حلاً في اليمن أم ان المطلوب التفرج على البلد من خارج والشماته بأهله من منطلق أنه بلد استطاع دائماً المحافظة على حد أدنى من الاستقلالية على الرغم من انه فقير وذو موارد محدودة؟ ربما كان الأهم من ذلك أن اليمن استطاع تحقيق انجاز مهم هو الوحدة التي بات عمرها ثمانية عشر عاماً. هذه الوحدة مكنت النظام الذي كان في الجنوب من تفادي حرب أهلية جديدة بين مناطقه وقبائله ومكنت النظام الذي كان قائماً في الشمال من التصرف بطريقة طبيعية بعيداً عن المزايدات المتبادلة بين ما كان يسمى بالشطرين. لو بقي اليمن شطرين لما تمكن يوما من ترسيم حدوده مع جيرانه، خصوصا مع المملكة العربية السعودية. ولو بقي اليمن شطرين لكان أنجرّ الى حرب مع أريتريا التي اعتبرت في العام 1995 أن في استطاعتها أحتلال جزيرة حنيش في البحر الأحمر والبقاء فيها الى ما لا نهاية، في حين كان القرار الحكيم يقضي باللجوء الى القانون الدولي بغية استرجاع حنيش وجزر أخرى بعيداً عن أي نوع من الحروب والمزايدات التي لا تجر سوى الى كوارث. وبالفعل، استرجع اليمن حنيش وغير حنيش مستنداً الى التحكيم الدولي وجنب نفسه كارثة محققة كان لا مفر منها لو لجأ الى أي نوع من القوة. من الصعب احصاء فوائد الوحدة اليمنية. يكفي أنه لو نجحت الحرب الانفصالية في ربيع العام 1994 وصيفه، لكان اليمن اليوم صومالاً آخر. كان اليمن على قاب قوسين أو أدنى من «الصوملة». لكن تفادي كارثة كبيرة لا يعني في أي شكل ارتكاب أي نوع من الأخطاء في حق هذه المنطقة أو تلك. والحقيقة أن أخطاء كثيرة أرتكبت وأن تجاوزات حصلت منذ انتهاء المعارك صيف العام 1994. ولكن ما لا بد من الاشارة إليه في هذا المجال، أن الأخطاء والتجاوزات لم تطاول ما يسمى المحافظات الجنوبية وحدها. هناك تململ في كل المحافظات اليمنية عائد بشكل خاص إلى الوضع الأقتصادي العالمي وارتفاع سعر المواد الأولية. الأكيد أن القيادة السياسية، خصوصاً الحكومات المتعاقبة، تتحمل جزءاً من المسؤولية. لكن الأكيد أيضاً أنّ المشكلة ليست في الوحدة التي لا مستقبل لليمن من دونها. وما هو أكيد أكثر أن ثمة وعياً لدى القيادة السياسية لأهمية معالجة الوضع بعيداً عن أي نوع من التشنج أكان ذلك في الشمال أو الجنوب أو الوسط. ولكن أبعد من الوضع الداخلي في اليمن والأزمة الاقتصادية التي يعاني منها البلد الذي يشكل أكبر تجمع سكّاني عربي في منطقة الجزيرة العربية، لا بد من النظر إلى البعد الإقليمي للأزمة. خلاصة الأمر، أن على دول مجلس التعاون الخليجي عموماً إدراك أن أي تدهور للوضع الداخلي في اليمن ليس في مصلحتها. أكثر من ذلك، أن أي تدهور لا يمكن إلاّ أن تكون له انعكاسات على الأمن الإقليمي. من هذا المنطلق، يفترض في كل دول المجلس أن تتذكر أن ليس منطقياً أن تكون هناك تلك الهوة بين اقتصادها من جهة والاقتصاد اليمني من جهة أخرى. ليس مطلوباً إغراق اليمن بالمساعدات، والحقيقة أن أي مساعدات مرحب بها، بمقدار أن المطلوب وضع خطة متكاملة تجعل اليمن يلعب دورا مساعداً في إصلاح الخلل السكاني في دول الخليج. مثل هذه الخطة التي تفتح أبواب دول الخليج على رأسها السعودية أمام العمالة اليمنية ستساهم إلى حد كبير في إنعاش الاقتصاد اليمني وتخفيف الضغط على السلطات اليمنية بما يسمح لها بالانتقال إلى معالجة المشاكل الداخلية في أجواء أفضل. لا مفر من أن تكون هذه الأجواء أجواء حوار وانفتاح تأخذ في الاعتبار وجود أخطاء من النوع القابل للتصحيح. في النهاية ليس هناك بديل من الوحدة اليمنية. من يطرح موضوع الوحدة لا يفهم أن اليمن ليس قابلاً للتقسيم بين شمال وجنوب في أي شكل. اليمن الموحد ضمانة للجميع وضمانة لشبه الجزيرة العربية كلها نظراً إلى كل دول الجزيرة في مركب واحد. هل ينتصر صوت العقل وتدرك دول مجلس التعاون أن اليمن حديقتها الخلفية وأن التذرع بأخطاء على الصعيد الداخلي لا يعفي دول مجلس التعاون من قرار شجاع يصب في مصلحتها أوّلاً يرتكز على مساعدة اليمن بدءاً بالاستعانة بالعمالة اليمنية؟