من المؤسف حقاً أن هناك من لايزال يتعامل مع مفهوم الحرية والتي تأتي في الصدارة منها حرية الرأي والتعبير وفق منظور خاطئ ورؤية قاصرة تتجاذبها الأهواء الذاتية والنوازع الحزبية الضيقة التي تغيب فيها معايير المهنية والأمانة الصحفية والالتزام القيمي تجاه المتلقي، الذي يفترض أن يجد في تلك الوسائل الإعلامية والصحفية المعلومة الصحيحة وأن يقف على الحقائق بعيداً عن أي تشويه أو انتقاص باعتبار ان تلك هي الوظيفة الأساسية للصحافة سواء كانت ناطقة باسم حزب او أحزاب أو كانت تابعة لأفراد أو جماعات سياسية أو أي تسميات آخرى، إذ أنه بدون تحلي هذه الوسائل بالمصداقية والمسؤولية والأمانة فانها تتحول إلى أداة لتزييف وعي الناس وتضليلهم، وعامل من عوامل تجهيلهم، وهي بمثل هذا الدور تنحرف برسالتها ومضمون وجودها إن لم تتحلل من رابطة الانتماء للمهنة الصحفية وتتجرد كلياً من المعايير التي تحكم حرية الرأي والتعبير التي تشكل إحدى الضرورات الأساسية لضمان عملية التطور الديمقراطي، عوضا عن تخليها عن دورها في نشر المعرفة السياسية والثقافية وإشاعة الوعي المجتمعي، الذي يحفز الناس على المزيد من الإبداع والابتكار والمشاركة الإيجابية في تحقيق النهوض التنموي والاقتصادي والارتقاء بمقدرات الوطن في مختلف المجالات. ومما يلفت الانتباه هنا أن هذه المنابر الصحفية لم تكتف باستغفالها لعقل القارئ بل أنها تسعى إلى تعطيل حواسه ان لم يكن إلغاؤها ويمكن الوقوف على ملامح هذا التعاطي الاعتسافي من خلال تناولات العديد من الصحف الحزبية التي تنظر إلى هذا الوطن بنظرة سوداوية حتى أنها باتت لاترى اي إنجاز تنموي أو اقتصادي تحقق أو يتحقق على أرض الواقع كما هو حال هذه الصحافة وموقفها من الخطوات التي تم إنجازها في إطار البرنامج الانتخابي لرئىس الجمهورية على الرغم من أن تلك الخطوات مائلة للعيان وواضحة وضوح الشمس ولا ينكرها إلاّ مكابر أو جاحد أو أعمى البصيرة. وإذا كان من حق الأحزاب التي تصدر عنها مثل تلك الصحف أو القائمين عليها أن يتفقوا أو يختلفوا مع توجهات ذلك البرنامج الذي حاز على ثقة الشعب وصوت له المواطنون في انتخابات حرة ونزيهة شهد لها العالم فإن ما لا يمكن القبول به ان تتجاهل هذه المنابر الإعلامية الإصلاحات التي تحققت سواء تلك المتعلقة بتعزيز استقلالية القضاء ومكافحة الفساد وبرامج الإصلاح المالي والاداري وترسيخ عوامل الشفافية في الاداء الحكومي أو تلك التي تمت في إطار تنشيط الحياة الاقتصادية وجذب الاستثمارات وتسريع وتائر التنمية وبناء الإنسان وايجاد فرص عمل جديدة وتوسيع مظلة الضمان الاجتماعي وتقليص البطالة والارتقاء بمستوى الخدمات الصحية والتعليمية وإقامة المدن السكنية للشباب وذوي الدخل المحدود وغيرها من التحولات الهامة التي شهدها الوطن خلال العامين الماضيين. ومن قبيل اختصار القول: نسأل هؤلاء: كيف جاءت المشاريع الخدمية والتنموية التي ترتفع مداميكها في مختلف محافظات الجمهورية ؟ أليست ضمن خطة البناء التي تضمنها البرنامج الانتخابي.. وامتداداً لذات التساؤل أليس ما تم الإعلان عنه من مناقصات لإقامة «9» مدن سكنية كمرحلة أولى تليها مرحلة ثانية أوسع وأكبر من الإشراقات التي يصنعها ذلك البرنامج؟ واتساع خطوات عمليات التخفيف من الفقر.. ألا يندرج في إطار معطيات ذلك البرنامج؟ كما أن ما اطلق من إصلاحات اقتصادية لرفع معدلات النمو وتقليص حدة التضخم والحفاظ على استقرار أسعار العملة وتنشيط عملية الجذب للاستثمارات العربية والدولية وكذا التحسن الذي طرأ على المؤشرات التنموية وهو ما اعترف به تقرير الأممالمتحدة في هذا الجانب.. ألم يكن ثمرة من ثمار ذلك البرنامج؟ وأخيراً وليس بآخر.. اليست تلك السياسات والتوجهات السديدة التي مكنت اليمن من تجاوز الكثير من تداعيات وانعكاسات الأزمات العالمية وآخرها أزمة الانهيار المالي الذي اجتاح العالم هي حصيلة البرنامج الانتخابي الرئاسي.. وغيره وغيره مما لايتسع المجال لسرده بالتفصيل والأرقام. فهل يدرك هؤلاء القائمون على تلك الصحف ان الأرقام والحقائق لاتكذب ولا تتجمل وإنما تتحدث عن نفسها. ومع ذلك فلا نطلب من أولئك الذين يحاولون تغطية نور الحقيقة الساطعة بغرابيلهم المهترئه.. سوى تجنب البقاء في مواقع العداء لمعاني الانصاف والحق، لأنهم بذلك - تقدموا أو تأخروا- لن يصبحوا إلاّ أعداء لأنفسهم.. فأخطر ما في هكذا موقف وسلوك أنه يفقد صاحبه الروح الإنسانية وعوامل الصدق مع النفس ومع الآخرين.. وصدق الله العظيم القائل: }وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ.{