الوقوف على ناصية أحد أكشاك الصحف كفيل بإجابة أي متسائل عن حجم أثر التحول الديمقراطي اليمني على الساحة الإعلامية، أما إلقاء نظرة خاطفة على عناوين الصفحة الرئيسة سيفصح بقوة عن مدى مساحة حريات الصحافة في اليمن.. غير أن تصفح أي من هذه الصحف لابد أن يقودنا إلى إدراك أية غربة يعيشها إعلامنا عن المجتمع، وأي شتات يمزق بنيتنا الاجتماعية والثقافية. من حق الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة على حدٍ سواء حيازة ما شاءت من المنابر الإعلامية التي تروج من خلالها لبرامجها السياسية، وحملاتها التعبوية، وتدافع عبرها عن مواقفها الحزبية، وحتى تخوض معاركها الخطابية على صفحاتها.. وإلا فيكف تبنى القوعد الشعبية؟! ولكن من حق المجتمع على الأحزاب أن يجد منبراً تنويرياً في غير الشأن السياسي، طالما والحياة ليست سياسة فقط، والشارع يتحدث عن شتى ألوان القضايا. نسمع الأحزاب تتحدث باسم الفقراء، والشباب، والنساء والعاطلين عن العمل، والفلاحين، والأطفال وغيرهم، وتتخذ منهم رهاناً في منافساتها الانتخابية، وغير الانتخابية، إلا أن هؤلاء جميعاً لا يحظون بأية مساحة إعلامية في الصحافة الحزبية، والمقنعة بالاستقلالية!. فهذا الموسم الانتخابي شهد ولادة عشرات الصحف الورقية والالكترونية المتخصصة بالشأن السياسي، ولم يشهد ولادة «قيصرية» واحدة لصحيفة أو موقع ذي اهتمام مختلف، الأمر الذي يؤكد قصور وعي الأحزاب السياسية، وعقم آلياتها في بناء القواعد الشعبية. وفي الحقيقة أن هذا التطرف في التعاطي مع الساحة الإعلامية انعكس سلباً على الكوادر الإعلامية الوطنية نفسها.. إذ أن ساحتي الحاكم والمعارضة تزخر بالطاقات الشبابية الخلاقة التي بمقدورها صناعة اسم إعلامي يمني على مستوى الساحة الخارجية لو تم استثمارها في مؤسسات مهنية غير خاضعة للتدخلات الحزبية.. لكن للأسف لم تتبن أية جهة لحد الآن مشروعاً من هذا القبيل، في نفس الوقت الذي تعد شريحة الإعلاميين من الشرائح المسحوقة مادياً، ومن غير المتوقع امتلاكها رأس المال الممول لمثل هذه المشاريع. إن زج الكوادر الإعلامية اليمنية في مشاريع حزبية صغيرة ومحلية يمثل بتقديري قتلاً إباحياً لملكاتهم الإبداعية، وهو أشبه ما يكون بعملية التدجين لنمر بري.. في الوقت الذي ينبغي أن تكون لليمن نظرة بعيدة، ذات أهداف استراتيجية تخرج باليمن من نطاقها الجغرافي المحلي إلى الساحة الدولية، من خلال استثمار هذا التنوع الثقافي والفكري الرائع الذي تترجمه صحافتنا المحلية في مشروع إعلامي بحجم اليمن، وحراكها الديمقراطي، وطموحها التنموي، ولا خوف من هذه الخطوة سياسياً، لأن أقلام المبدعين عادة ما ترتقي إلى مستوى السوق الإعلامي عندما يكون مهيباً، وتنحدر إلى وضاعته عندما يكون الابتذال هو السلعة المطلوبة، والسبيل الوحيد لكسب لقمة العيش.. وهذا ما نراه في نوع المادة الإعلامية التي ينتجها العاملون لدى وكالات إعلام خارجية. نتمنى أن يأخذ صناع السياسة الإعلامية اليمنية بهذا الأمر، ويتطلعوا إلى دخول الأسواق الخارجية ولو على مستوى المنطقة الخليجية كمرحلة أولى فليس من المعقول أن تزخر أكشاك اليمن بألوان الصحف الخليجية والعربية الأخرى؛ فيما يغيب الإعلام اليمني عن نواصي أكشاك الخارج!!.