رغم تعدد وتنوع المنابر الصحافية، إلاّ أن مؤشرات القراءة تؤكد أن تراجعاً كبيراً قد حدث في ساحة القراء اليمنيين للصحف، وإن بين كل «355» مواطناً هناك شخص واحد فقط يشتري صحيفة طبقاً لدراسة يعدها طالب ماجستير. لكن رغم تدني أعداد القراء ما زالت الأكشاك تشهد بين يوم وآخر ولادة صحيفة جديدة، حتى أن الأمر لم يعد مرتبطاً بصحف تحمل أسماء المحافظات بل تجاوزها إلى المديريات، وأسماء القبائل.. والمفارقة أن هذه الصحف لا تجد من يشتريها، وغالباً ما نجد القائمون عليها يتأبطون مجموعة منها، ويتوسلون بكل من يصادفهم بأخذ نسخة مجانية، فيما نصف الكمية توزع على مؤسسات الدولة، والمقرات الحزبية. في الآونة الأخيرة رفعت معظم الصحف أسعارها لتصل إلى خمسين ريالا ً؛ لأن حالة الكساد لم تعد تفي حتى بتكلفة الطباعة.. في حين وهي الطاقة الكبرى أن معظم هذه الصحف التي ترونها على نواصي الأكشاك يتولى تحريرها شخص واحد أو اثنان .. فبفضل تقنيات الإنترنت فإن المسألة لم تعد مكلفة أكثر من «نَسخ» و«لصق» ، وبدون حتى الإشارة للمصدر.. أي أعمال قرصنة صحافية في وضح النهار، و«غصباً» عمن يرضى أو لا يرضى. الصحافة لم تعد في كثير من الأحيان مسألة إعلامية، ولا تمت بأي صلة للمواصفات الخبرية.. بل هي في الأرجح منشورات مقالية من الغلاف إلى الغلاف وربما تتصدر الواجهة بعنوان عريض مثير لشهية القارئ عسى أن يدفعه لشرائها.. وهو بالتأكيد عنوان يكشف هويتها وانتماءها الحزبي. حين تسأل أحدهم عما يضعه من أهداف فإنه سيلف ويدور بالكلام، ويحدثك بأمور تتعلق بحريات الرأي والتعبير، إلا أنك سرعان ما تكتشف أنها صحف تستنسخ بعضها البعض، ولا شيء يفرق بينها غير اسم رئيس التحرير المكتوب بخط عريض على الصفحة الأولى. إن ما يحدث من تسفيه للساحة الصحافية ليس صدفة، وإنما هو تخبط حزبي تتحمل مسئوليته الأحزاب جميعها التي أسهمت بذلك في تشتيت الثقافة المجتمعية، وقولبتها في أطر معينة ، بالإضافة إلى تبديد موارد مالية طائلة بغير مبرر حقيقي لذلك. لا شك أن هذا اللون من العمل الإعلامي لا يخدم أحداً، بل هو يزيد من توتر واحتقان الساحة الداخلية، علاوة على أنه يشتت جهود البناء والتنمية الوطنية، ويخلط القضايا، حيث إن الكثير من التشويه للحقائق والتزييف يرافق عمل تلك الوسائل إلى الدرجة التي تكرس أحياناً الخطاب الشخصي، والحسابات الخاصة، وتصل إلى حد الابتزاز للآخرين. ومن هنا يمكن القول: إن تراجع معدلات القراءة للصحف هو أمر مرتبط كثيراً بهذه الأوضاع المؤلمة التي انحدرت إليها الساحة الإعلامية، وهذا الإسفاف في النشر، والعمل اللامسؤول الذي تتداول عليه مسميات كثيرة تحشر كل من هب ودب في هذه الساحة التي يفترض بها أن تكون ساحة وعي، وتنمية ثقافية واجتماعية تدعم مسارات تطور الحياة اليمنية.