كل يوم والاكشاك تتزاحم بعناوين صحف جديدة .. وكل يوم يتوارد لمسامع المرء تذمر القراء من هذه النمطية القاتلة في أسلوب العمل الصحافي .. لكن لاشيء يتبدل .. أين السر ياترى ؟! القاعدة التجارية تقول ان العرض يجب ان يتوافق مع الذوق العام، لكن في عالم الصحافة اليمنية لا أحد يكترث لتلك الحقيقة لأنه ليس هناك من يفكر بالربح والخسارة، إذ أن جميع الصحف مدعومة من جهات رسمية، أو حزبية، أو تجارية وغيرها ، وبالتالي لا أحد يشغل رأسه بهموم التعرض للإفلاس، والخسارة أو كساد المبيعات. ولأن الصحف تتلقى تمويلاتها من جهات أخرى فان من المهم جداً أن تتقيد بسياسة وثقافة تلك الجهات حتى لو كانت تاجراً لا يحسن القراءة والكتابة، أو حزباً انتهازياً يقتات على ما يعطى إليه من تمويل سنوي .. وبهذا فهي لا تترجم مهارة أو وجهة نظر الأسرة الصحافية بقدر ما تعكس ثقافة وأسلوب الجهات الممولة لها .. وهذا خطأ كبير قاد إلى تجميد حركة الوعي الثقافي، وإلى الحيلولة دون ظهور منافسة جادة بين وسائل الإعلام، وإلى غياب الصحافة المتخصصة، ثم إلى قتل الإبداع الذي يتمتع به بعض الزملاء. كما ان التكاثر السريع للصحافة الحزبية المعلنة والمتسترة بقناع « المستقلة» زج بأعداد هائلة ممن هم لا ينتمون للمهنة إلى هذا العالم الصحافي، وهؤلاء لم يكترثوا لأي ضوابط مهنية بقدر ما اندفعوا إلى ممارسة التهجم والافتراء والبحث عن الاثارة معتقدين ان مهمة الصحافي هي الخوض في الفضائيح وحسب، أو تعقب أسرار الآخرين .. الأمر الذي جر الساحة الإعلامية إلى مهاترات، وصدامات، ومعتركات هي بالأصل ليست ميادينها ولا علاقة لها بها، بل وأصبحت تقف عقبة أمامها وبطبيعة الحال ان القارئ غير معني بالبحث فيما إذا كان فلان مؤهلاً إعلامياً أكاديمياً أم لا، لذلك صار هناك نوع من تعميم الفشل والسوء شوه سمعة الزملاء الماهرين المبدعين دون قصد. الصحافي الماهر اليوم مصاب باحباطات متعددة منها هؤلاء الانتهازوين القادرون على تزويق أنفسهم أمام القيادات الصحافية بطرق مختلفة والحصول على الامتيازات والمراكز التي تجعلهم يشرفون على أهل المهنة نفسها .. ومنها أيضاً الاملاءات الفوقية التي تحد من نشاط الصحافي وتجعله يقدم ضمن أولوياته هذه الحسابات قبل العناصر المهنية للعمل الذي يعتزم تأديته. كما ان من الاحباطات ضعف الأجور وغلاء المعيشة .. وصعوبة تجاوب المصادر الخبرية أو الجهات التي يقصدها ، وغياب معايير التقييم الحقيقية لجودة العمل وأهميته .. وكذلك غياب سلم التدرج المهني، فلا أحد يطمح ان يساعده نتاجه الإبداعي على الارتقاء إلى درجة وظيفية أعلى لأن الكل يعلم مسبقاً ان ذلك مرهون بصناع القرار « الممولين» وهو ما يجعله مقطوع الأمل وأحياناً كثيرة يكون عدم تجاوب الجهات المعنية مع ماتنشره وسائل الإعلام وتجاهل التفاعل مع قضايا الصحافة يتحول إلى عامل إحباط أكبر من غيره. بعض الزملاء الشباب لديهم مواهب صحافية رائعة أقف أمامها مندهشاً لكنهم يصطدمون في بعض الصحف بقيادات إعلامية لا تقدر أهمية ذلك اللون الإبداعي وتطلب منهم العمل وفقاً لما هو سائد من أسلوب تقليدي وهذا الرفض للتجديد والتحديث أبقى معظم وسائل إعلامنا عقيمة تكرر نفسها بشكل ممل دفع بالقراء إلى العزوف عن مطالعة الصحف. الظاهرة المثيرة للجدل هي ان صحافتنا مازالت ضعيفة الانتماء الوطني وضعيفة الارتباط والتأثير بالواقع المجتمعي لم تنجح في قيادة المجتمع والرأي العام وظلت تابعة تتحرك مثل دمى العرائس رغم وجود نخب إعلامية متحررة فيها وعلى درجة مهمة من الوعي والمعرفة.. وهو غريب ان تبقى التبعية مكرسة طوال هذه الفترة ولم تظهر تجارب صحافية مستقلة تعمل من واقع الحرص على عدم الخسارة وبأسلوب القطاع الخاص.