وصفتها السيدة أمة العليم السوسوة بأنها صحف تصيبها بالصداع، والكآبة.. وربما لم تكن تعلم أنها صحف «معمّرة» في الأكشاك، ويتنكر تداولها حتى باعة الصحف المتجولين لمجرد أنها «صحف حزبية». الصحف الحزبية عالم ضحك ومبكٍ في آن واحد، فربما لا يصدقني البعض إن قلت أن حتى المحررين فيها لا يتصفحونها، وإن فعلوا فليس إلا ليتأكدوا إن كان رئيس التحرير شطب مادتهم أو أبقاها.. والمفارقة الأعظم أن حتى قيادات الأحزاب لا تقرأ صحفها الناطقة باسمها، لأنها تعلم أن أحداً لن يجرؤ على شتمهم فيها. الغرابة في عالم الصحافة الحزبية «الورقية والإلكترونية» ليس مجرد كسادها، والمبالغ الطائلة التي تنفق لأجلها، ولكن أن القوى السياسية المسؤولة عنها لم تسأل نفسها يوماً: هل من جدوى ثقافية أو وطنية تعود منها هذه الصحف على المجتمع!؟ أو إلى أي مدى تستطيع هذه الصحف خدمة مصالحها الحزبية، وحشد الرأي إلى صفها، أو إيصال صوتها إلى الرأي العام!؟ أغلب الصحف الحزبية اليمنية لا تحقق نسبة مبيعات أكثر من 10% وبعضها يتدنى إلى 2% فقط، ومع هذا فهي ما زالت تصدر أسبوعياً بانتظام.. أما من الناحية الخبرية فإنها تعتمد على المقالات بدرجة أساسية ولا يشكل الجانب الخبري منها سوى الصفحة الأولى فقط، وفي أفضل الأحوال صفحتان، وما عدا ذلك فإنها مستعدة للقبول بأي مقال يردها.. وفي معظم هذه الصحف يغيب توجه الحزب عنها حتى تجد الثقافة «العلمانية» في صحف «إسلامية»، و«القطرية» في صحف «قومية» و«الرأسمالية» في صحف اشتراكية، وغير ذلك من الأمثلة التي تدل على أن الصحف الحزبية بلا هوية سياسية أو فكرية. الأمر الأكثر سوءاً في هذا اللون من الصحف هو أنها أصبحت غريبة جداً عن المهنة الإعلامية ولا يكاد المرء يجد فيها مادة تحمل مواصفات صحفية من حيث الصياغة والفحوى.. فمع أن كل الأحزاب تربط في خطابها السياسة والاقتصاد، لكنك لو تصفحت صحيفة حزبية لن تجد أية مادة اقتصادية خبراً أو تقريراً أو دراسة توحي بأن هذه الصحيفة يهمها الموضوع الاقتصادي. ورغم أنها تجعل الشعب لساناً لخطابها، ومحوراً لمناوراتها السياسية، لكنها لم يصادف يوماً أن قدمت للشعب خدمة إعلامية لتطوير وعيه الثقافي والاجتماعي والأخلاقي والصحي وغيره.. فالصحف الحزبية لا تجيد غير البكاء والنواح على الشعب، ونصب المآتم عليه، فكل الأقلام تنوح على الشعب، وتهاجم بعضها البعض الآخر باسم الشعب، وتشتم بعضها باسم الشعب، لكنها هيهات أن تكتب من أجل الاحتياجات الإنسانية للشعب.. هيهات أن تكتب مادة لتشجيع الآباء والأمهات على ارتياد مراكز محو الأمية إن كانوا أميين، وهيهات أن تكتب لحث الأمهات على ارتياد مراكز رعاية الأمومة وتلقيح أبنائهن، وهيهات أن تكتب من أجل حماية الشباب من الغزو الثقافي، أو من الفراغ، أو من الانغلاق الأخلاقي. بتقديري إن الصحافة الحزبية أصبحت شكلاً من أشكال الغزو الإعلامي الذي ينمي ثقافة التحريض والعنف والعدوانية للآخر، وهي منابر لزرع الضغينة وتشويه الحقائق، وغرس الأكاذيب في الواقع المعرفي للفرد.. وليس هذا تطرفاً في الحكم، بل إن تصفح أية واحدة منها يكفي لإدراك الحقيقة ولمعرفة أن هذه الصحف لا تحمل حتى خطاب أحزابها وأدبياتها السياسية، بل تتخبط في فنون الكذب والسباب.