إذا كنا نؤمن بأن الديمقراطية ممارسة وليست شعاراً، فلابد من التسليم بأنها ممارسة أخلاقية نبيلة وأننا لسنا بحاجة إلى ديمقراطية من أجل الديمقراطية، بل ديمقراطية تكفل لأطفالنا لقمة خبز وفرصة تعليم.. بعد سبعة عشر عاماً عن التعددية الحزبية والخيار الديمقراطي اليمني يكتشف الناس أن بعض القوى السياسية العاملة في الساحة الوطنية لا علم لها بالديمقراطية ولا تأخذ من ممارساتها غير ما يروق لمزاجها ويخدم مصالحها، وبدلاً من ان يتخذوها عوناً لتسريع عجلة التنمية والارتقاء بوعي المجتمع، جعلوا منها عبئاً لإعاقة كل برنامج تنموي ، ولتشويه صور الإنجاز الحضاري، ونصب مجالس العويل والنواح على كل شيء في هذا الوطن .. حتى على المواطن الذي يجلس في داره آمناً سعيداً . ونحن نحتفي بيوم الديمقراطية «27 إبريل» لابد ان ندعو أنفسنا وأهلينا إلى لحظة تأمل نراجع بها حساباتنا مع الديمقراطية، ونرصد ممارسات بعض القوى السياسية التي نفذتها تحت شعار «العمل الديمقراطي» .. فقبل نحو عامين نزل البعض إلى شوارع العاصمة بموجب حقه الديمقراطي .. وقام بتخريب ونهب وحرق ممتلكات عامة وخاصة وأطلق على ممارسته هذه «ثورة الجياع». في كل عام يفاجئنا أساتذة الجامعات والمدارس بسلسلة اضرابات عن العمل رافعين مطالب شتى ومطالبين بتحقيقها بطريقة «كن فيكون» ويحرم أبناؤنا شهوراً من التعليم دون ان يفكر أحد بمستقبلهم وماذا عساهم سينتفعون من دراستهم وقد تحولت قاعات الدراسة إلى إما ساحات اضرابات واعتصامات وإما لمحاضرات في السياسة وإما تنتظر أساتذتها الغائبين عن العمل ..! البعض مارس الديمقراطية من بوابة حرية الصحافة والتعبير، وملأ الاكشاك بالصحف التي تحولت إلى صفحات سوداء تلعن كل شيء وتشتم كل من لا يوافق توجهها وتلطخ حياتنا بعار الفقر والجهل، وتتسول بأسمائنا وتسرد للعالم قصصاً عجيبة غريبة عن أبنائنا وبناتنا ونسائنا مدعية انهم يتسولون ويلتهمون قوتهم من القمامة ومشردون في الشوارع.. وان الدعارة تجتاح مدننا وقرانا ومدارس بناتنا .. وهيهات لمن يمنع هذا القول ..لأنه «ممارسة ديمقراطية » ومن يعارضه هو عدو الديمقراطية ولابد من مقاضاته وفضحه للعالم وتأليب المنظمات الدولية ضده. لابد لنا اليوم من الاعتراف ان كثيراً من القوى السياسية كانت تسبب لنا القلق والتوتر فيما تسميه بالممارسات الديمقراطية إلى الدرجة التي بدأت تغرس الحساسيات في كل أمر وفي كل مؤسسة وتؤول كل سلوك يأتي من الحكومة على انه مدفوع بنوازع حزبية وبمؤامرة حتى اربكت المؤسسات ولم يعد بعض القائمين عليها قادرين على اتخاذ أي إجراء عقابي بحق الفاسدين لئلا يثير القرار ضجيجاً ويترتب عنه توتر في الساحة الوطنية. لكن يبقى السؤال الآهم الذي يجب ان نطرحه ونحن نتأمل المشهد الديمقراطي هو : ياترى مقابل كل تلك الممارسات والحريات ماذا قدمت هذه القوى السياسية للمواطن على وجه الخصوص وليس لأحزابها .. ؟؟ ماذا عملت من أجل تخفيض أسعار السوق الملتهب بالغلاء !؟ هل كتبت في صحفها يوماً عن الغلاء ومن يقف وراءه !؟ هل اصدرت بياناً تناشد فيه مجلس النواب للتدخل !؟ هل رفعت لافتة أمام بوابة اتحاد الغرف التجارية تطالبهم بالتوقف عن رفع الأسعار!؟ هل مارست أية ضغوط على الحكومة لقطع دابر الغلاء كتلك الضغوط التي مارستها من أجل المستحقات المالية للمرشح الرئاسي فتحي العزب !؟ أو أنها كانت جزءاً من لعبة الغلاء ومن دائرة التجارة !؟ كل تنظيمات هذه القوى السياسية في الجامعات والمدارس والمستشفيات ودوائر الدولة تتظاهر من أجل رفع مرتباتها ولكن من يجرؤ منهم على المطالبة بحقوق للفلاحين والعمال والذين يعملون في القطاع الخاص ، وغيرهم من الكادحين من أبناء الشعب المتعبين !؟ فمن كان يدعي الديمقراطية عليه البدء من الطبقة المسحوقة وتوعيتها والأخذ بيدها وعمل المستحيل لتحسين ظروفها قبل البدء بتحسين مخصصات أعضاء مجلس النواب أو الدعم السنوي للاحزاب الذي أصبح منهكاً لميزانية الدولة