تحولت الانتخابات الإيرانية إلى مواجهة بين «المرشد» علي خامنئي ورئيس مجلس الخبراء هاشمي رفسنجاني الذي يعتبر من القادة التاريخيين في إيران ما بعد الثورة التي أطاحت نظام الشاه.. هذا ما يمكن استنتاجه من «النصر الكبير» الذي حققه محمود أحمدي نجاد، لا يعود الاستنتاج إلى أن «النصر الكبير» مشكوك فيه، نظراً إلى أن أهالي المدن الكبيرة، على رأسها طهران صوتوا علناً لمنافس أحمدي نجاد وهو الإصلاحي مير حسين موسوي فحسب، بل لأن شرخاً عميقاً ظهر أيضاً على صعيد القيادة وذلك للمرة الأولى منذ وفاة الإمام الخميني قبل عشرين عاماً، تمثل هذا الشرخ في الدعم الواضح الذي قدمه "المرشد" لأحمدي نجاد من جهة والموقف الحاد الذي اتخذه رفسنجاني، الرئيس السابق للجمهورية والرئيس الحالي لمجلس الخبراء الذي ينتخب الولي الفقيه ويراقب نشاطه، من الرئيس الإيراني الجديد- القديم. أعتبر رفسنجاني، الذي ينظر إليه الإيرانيون بصفة كونه ثاني أقوى رجل في النظام، أن نتائج خطيرة يمكن أن تترتب على إعادة إنتخاب أحمدي نجاد رئيساً للجمهورية، فبعدما ركز الأخير طوال حملته الانتخابية علي رفسنجاني وأفراد عائلته بصفة كونهم «رموزا للفساد»، وجه رئيس مجلس الخبراء رسالة إلى خامنئي أشار فيها إلى أنه «يتعرض لضغوط قوية من الشارع» كي يرد على أحمدي نجاد، لم يكتف بذلك، بل ذكّر المرشد بأنهما (رفسنجاني وخامنئي) آخر من تبقى من الرعيل الأول (للثورة)، وهو الرعيل الذي رافق الأمام الخميني، وخلص إلى القول أنه إذا لم يضع خامنئي حدّاً لتصرفات أحمدي نجاد وذلك «من باب الحرص على الثورة»، فإن «الشارع يمكن أن ينفجر». جاءت رسالة رفسنجاني إلى خامنئي قبل إعلان نتائج الانتخابات التي قرر «المرشد» اعتمادها وذهب إلى حد شكر الإيرانيين على تجديد ثقتهم بأحمدي نجاد.. بكلام أوضح، قرر خامنئي تحدي رفسنجاني، وهذا يدعو إلى التساؤل هل مسموح له الذهاب بعيداً في ذلك وهل لا يزال رفسنجاني يمثل شيئاً على صعيد النظام.. أم أن الولي الفقيه بات يشعر بأنه قادر على تجاوز كل التوازنات الداخلية التي كان معمولاً بها في الماضي واحتكار السلطة معتمداً على «الحرس الثوري»؟ كان ملفتاً أن «الحرس الثوري» لم يتخذ موقفاً محايداً خلال الحملة الانتخابية، حذر من «ثورة مخملية لتغيير النظام» في إيران، واضطر لاحقاً إلى التراجع وسحب التحذير مؤكداً أن «لا يتدخل ولن يتدخل في الانتخابات الرئاسية»، لم يكن ذلك كافياً لتبديد المخاوف من ضغوط يمارسها «الحرس» لمصلحة أحمدي نجاد، فقد أتهم موسوي «الحرس» بالتدخل عن طريق سحب الأوراق المخصصة للأقتراع من أقلام معينة وذلك قبل إغلاق الصناديق، كذلك أتهمه بتوزيع حبر يذوب بسرعة في بعض الأقلام النائية بغية تمكين عدد من المواطنين من الإقتراع أكثر من مرة. يفترض في الخلاف القائم بين خامنئي ورفسنجاني أن لا يخفي ما هو أهم من ذلك بكثير أي العلاقة بين إيران ومحيطها، خصوصاً المحيط العربي، من جهة والعلاقة بينها وبين المجتمع الدولي من جهة أخرى، في حال كان مطلوباً الخروج باستنتاج سريع وبديهي في الوقت ذاته، يصح القول ان النظام الإيراني اختار التصعيد، كان انتخاب مير حسين موسوي رئيساً سيسمح بالتساؤل هل هناك نية للإنفتاح على الولاياتالمتحدة والبحث في تفادي أية مواجهة بسبب البرنامج النووي وتخفيف الاحتقان بين طهران وبعض العواصم العربية؟ من الواضح أن النظام في إيران بعث برسالة سلبية إلى إدارة أوباما وإلى الأوروبيين وحتى إلى بعض العرب، ما لا يمكن تجاهله أن طهران المستقوية بالانتصار الذي حققته في العراق بفضل الحرب الأميركية التي شنت في العام 2003 على هذا البلد، صعدت حديثاً في مواقفها من البحرين ولبنان ومصر وقطعت الطريق على أي مفاوضات في شأن الجزر الاماراتية الثلاث المحتلة منذ العام 1971. هل تعتبر إيران أن الوقت يعمل لمصلحتها وأن هذا ليس وقت التخلي عن رجل لا يتقن سوى لغة التحدي مثل محمود أحمدي نجاد؟ انه المنطق الذي قاد إلى إعادة انتخاب الرجل رئيساً للجمهورية على الرغم من الرغبة الواضحة في التغيير لدى أكثرية الإيرانيين. هل يصمد هذا المنطق في مواجهة الشارع الإيراني ومراكز القوى، على رأسها ما يمثله هاشمي رفسنجاني وغيره؟ يبدو أن علينا الانتظار بعض الوقت لمعرفة مدى الاستياء الشعبي من بقاء محمود أحمدي نجاد في السلطة، فالرجل لا يمثل المحافظين فقط، بل يرمز في الوقت ذاته إلى سياسة هجومية تستند على أن إيران كانت المنتصر الوحيد من الحرب الأميركية على العراق وأن هناك فراغاً في المنطقة لا بدّ من ملئه, أياً يكن الجواب على هذه التساؤلات يبدو جلياً أن الحدث الإيراني من النوع الذي لا يمكن الاستخفاف به, إذا أستطاع خامنئي فرض أحمدي نجاد، معنى ذلك أن الخريطة السياسية الداخلية في إيران تغيرت جذرياً ولم يعد مكان لأي براغماتي على استعداد حتى لشراء الوقت مع الأميركيين ومع المجتمع الدولي، أما إذا استمرت التظاهرات والاحتجاجات، نكون أمام إيران جديدة يسعى شعبها إلى تحسين صورتها في العالم ومواجهة مشاكلها الداخلية العميقة بدل الهرب منها إلى الخارج.. في كل الأحوال تبدو إيران ما بعد الانتخابات على أبواب مرحلة جديدة وهذا يعطي معنى ما للمواجهة الدائرة بين الإصلاحيين والمحافظين.. ولكن هل لا يزال لرفسنجاني وزن في اللعبة الداخلية الإيرانية؟.