في لحظة حاسمة وفاصلة استمدت زخمها وقدسيتها من إرادة الشعب اليمني من أقصاه إلى أقصاه، احتشدت الملايين من أبناء هذا الشعب يوم أمس في جمعة التسامح والسلام، في ملحمة نادرة هي الأولى في تاريخ اليمن المعاصر، جسدت بحق المعدن الأصيل لأبناء هذا الشعب، الذين توافدوا زرافات ووحدانا من كل مناطق اليمن من تلقاء أنفسهم وبمبادرة منهم ليشكلوا أعظم استفتاء وطني على الشرعية الدستورية والأمن والاستقرار والوحدة والديمقراطية وقيم الإخاء والتسامح بين أبناء الوطن الواحد. وبهذا المشهد وغيره من المشاهد المماثلة التي شهدتها العديد من المحافظات، والتي قدر من شاركوا فيها بأكثر من عشرة ملايين مواطن يمني، تأكد كل المتابعين للوضع في اليمن من وسائل الإعلام والسياسيين أن اليمن وشعبه أقوى من أن تهزه العواصف والأنواء والجائحات العارضة أو الطارئة، وأن لديه من الحكمة والفهم والوعي ما يجعله قادراً على حماية نفسه وذاته ووطنه من الوقوع في مهاوي العنف والفوضى والاقتتال والصراع الداخلي، وأنه يمتلك من الثبات والصلابة ما يحول بينه وبين السقوط في مستنقع الفتن والأزمات والمخططات والدسائس والمؤامرات التي تحاول جره إلى بؤرة التفتت والتشرذم والتشظي والتفريط في مكاسبه وإنجازاته العملاقة. لقد اكتشف الكثيرون ممن كانوا لا يعرفون الشعب اليمني يوم أمس هذا الشعب من جديد، وأدركوا أن الكثير من تصوراتهم وتوقعاتهم قد بنيت على احتمالات خاطئة، وأن ما كانوا يخشونه على هذا الشعب لم يكن قائماً على مفاهيم صحيحة، بل واستوعب هؤلاء للمرة الأولى أن اليمن بالفعل بلد مختلف عن غيره من البلدان التي داهمتها عوامل الفوضى والخلافات الحادة وأن أبناء الشعب اليمني يكنون لقيادتهم السياسية بزعامة فخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية كل تقدير وإجلال واحترام، وأن علاقة القيادة بالشعب تستند إلى عروة وثقى من الحب والوفاء لا انفصام لها، وأن هذه العلاقة لا تشوبها مثالب القمع والتسلط والقهر والاستبداد، كما أنها لا تقوم على شراء الضمائر، أو على دغدغة العواطف أو الترهيب والترغيب ولو كانت غير ذلك لما بدت الصورة بذلك البهاء والإشراق الذي تعجز الكلمات عن وصفه. وما نتمناه ونأمله في لحظة حاسمة كهذه أن يفهم أولئك الذين يصبون الزيت على النار، ويشعلون الحرائق ويفتعلون الأزمات، ويوقدون نيران الأحقاد والفتنة على هذا الوطن وأبنائه، ويسعون إلى إثارة الخلافات والتباينات بين أبناء الأسرة الواحدة، خدمة لأجندة خاصة أو مشاريع صغيرة أو أهداف دنيوية زائلة رسالة الشعب كما فهمها غيرهم من المتابعين ورجال الإعلام والسياسيين خارج الوطن، والذين تغيرت لديهم الرؤية حول مجريات الواقع في اليمن فالحق أحق بأن يتبع، والعودة إلى الحق فضيلة. كما أن ما نتمناه وما نأمله، أن يتمثل كل من أخطأ في حق هذا الوطن دلالات جمعة التسامح والسلام، والتي فتحت الباب على مصراعيه أمام وحدة قلوب كل اليمنيين مؤيدين أو معارضين ليلتقوا على كلمة سواء في هذه اللحظة التاريخية التي يتعين أن نجعل منها فرصة لانصهار كل النفوس في بوتقة واحدة، فما جرى قد جرى وآن الأوان لكي نضع حداً فاصلاً لكل الخلافات والتباينات في الرؤى والمواقف، باعتبار أن الخلاف لا يفسد للود قضية. أما أولئك الذين رسموا لوحة جمعة التسامح والسلام فإنهم يستحقون منا التحايا والثناء وهم يسطرون تلك الملحمة الوطنية العظيمة التي جمعت بين الإرادات البانية والتلاحم الوحدوي الذي يشكل الضمانة الحقيقية لحاضر ومستقبل هذا الوطن. * فسلام على كل الشرفاء والأحرار والمخلصين والصادقين من أبناء اليمن الذين يؤثرون وطنهم على أنفسهم. * سلام على كل أولئك الذين كابدوا عناء السفر وضيق ما في اليد وأصروا على المشاركة في تلك الملحمة الوطنية، يدفعهم الحب الخالص لهذا الوطن وأمنه واستقراره. * سلام على أولئك الذين أعادوا لهذا الوطن كبرياءه وشموخه وكشفوا عن المعدن الأصيل لهذا الشعب الذي يرفض أن ينازعه أحد في إرادته الحرة. * سلام على الشعب اليمني العظيم الذي رفض أية مناورة أو مقامرة أو مغامرة تهدف إلى النيل من قيمه وثوابته ومبادئه وخياراته. * سلام على شعب أبى إلاّ أن ينتصر لنفسه وحقه في حياة آمنة ومستقرة لا تتنازعها الفتن والأزمات والرغبات والأهواء وال"أنا" الضيقة والمتضخمة. وسلام على وطن يفاخر بأنه وطن الحكمة والإيمان.