لم تكن حركات التيار الاسلامي وأحزابه في المنطقة العربية على درجة من النضج وحسن التجربة لتدير تحالفات متوازنة في البلدان التي أتيحت لهذا التيار المشاركة في انتخاباتها البرلمانية، باستثناء الحال السورية سنوات الاستقلال الأولى عندما تمكن المراقب العام ل«الاخوان المسلمين» آنذاك الشيخ مصطفى السباعي من أن يخطو خطوات معقولة في تكريس منطق التحالف الانتخابي مع أطياف أيديولوجية مختلفة في الشارع السوري، متجاوزاً حال «التزمت الأيديولوجي» لمصلحة «التعايش» والبراغماتيا السياسية وتوسيع الفضاء السياسي أمام التيار الاسلامي. الا أن التجربة لم تلبث أن لفظت أنفاسها بعد رحيل الشيخ السباعي، وقيام الوحدة وحصول القطيعة بين النظام الناصري والحركة «الاخوانية». وفي الظرف الراهن، للمرة الأولى في التاريخ العربي المعاصر، يجلس ممثلو الجناح الاسلامي في الموقع القيادي تحت قبة البرلمان باعتبارهم الكتلة الأولى لجهة العضوية، بعدما فازت «حركة المقاومة الاسلامية» (حماس) وتصدرت الموقع القيادي الفلسطيني في الداخل بعد سنوات طويلة من القيادة المباشرة لقوى منظمة التحرير الفلسطينية، وتحديداً حركة «فتح». فالصعود الديموقراطي للجناح السياسي الاسلامي في فلسطين، وارتقاء «حماس» الى الموقع القيادي المتنفذ، وضع التيار الاسلامي العربي أمام اختبار قاس، في ظل تجارب لقوى ومشارب أيديولوجية عربية مختلفة وئدت في مهدها، ولم تستطع أن تنطلق قاطرتها نحو اشتقاق تجربة جديدة ومغايرة للواقع القائم. وبات التيار الاسلامي في فلسطين على محك القيادة المسؤولة للمرة الأولى بعد مشوار طويل قطعته الحركة الاسلامية في فلسطين والبلدان العربية وهي جالسة في مقاعد المعارضة من دون أن تحترق أصابعها بنيران السلطة باستحقاقاتها ومثالبها في عالم يموج بالمتغيرات. وانطلاقاً من هذا المعطى، فان «حماس» مطالبة بأخذ الوقائع في الاعتبار، والا فان مصير حركة العمل السياسي الفلسطيني، بما فيها حركة التيار الاسلامي ستكون مغلقةً وستصطدم بالجدار الدولي. التيار الاسلامي في فلسطين أمام تجربة هي الأولى في الحال العربية بشكل عام، وتتوقف على حركته وامكان عبوره طريق النجاح النسبي مآلات الحركات الاسلامية المعتدلة في المنطقة العربية بأسرها لسنوات مقبلة، وفي هذا المقام فان المزج النسبي والمزاوجة بين الأيديولوجي والسياسي ضرورة لا غنى عنها أمام امتحان النجاح لحركة «حماس». ان فتح النوافذ أمام التيار الاسلامي في فلسطين، وتحديداً أمام حركة «حماس»، يتطلب منها الانتقال من موقع البعيد عن الاطار التمثيلي الأوسع للشعب الفلسطيني، والمقصود منظمة التحرير، لمصلحة الاندماج تحت مظلتها الائتلافية باعتبارها المرجعية الشاملة لكل الفلسطينيين في الداخل والشتات. فانضواء الحركة في أطر المنظمة ومؤسساتها سيعطيها دفقاً جديداً مؤثراً يغذي من تجربتها في ظل ارتقائها مواقع المسؤولية في السلطة الوطنية الفلسطينية، ويوفر للتيار الاسلامي الفلسطيني سبل النجاح في اطار قاعدة «اللعبة الديمقراطية» التي توافق عليها الفلسطينيون. * صحيفة الحياة: