في القرن الثالث قبل الميلاد وفي اليونان انشأ افلاطون العظيم اول اكاديمية في التاريخ وفي العالم ايضا، حتى يتمكن من إلقاء تعاليمه ودروسه على تلاميذه ومريديه وذات يوم وقف امامهم ليقول لهم ان الشهوات الرئيسية ثلاث (شهوة الجنس- شهوة المال- شهوة السلطة) سمعت هذه العبارة العميقة المعنى الغزيرة الدلالة وانا تلميذ في الجامعة ادرس الفلسفة على يد أساتذة أجلاء خاصة الدكتور عبدالسلام نور الدين والدكتور عبده فراج, وعندما عدت إلى سكني وبصحبتي هذه العبارة التي لم تفارقني حتى اليوم.. تمنيت – ولا زلت اتمنى- لو كنت أحد التلاميذ في تلكم الأكاديمية (أكاديمية أفلاطون) لأجادله واستفيد من جدلي معه, وأقول له: يا سيدي كان الأحرى ان ترتب هذه الشهوات الثلاث هكذا شهوة السلطة شهوة المال وشهوة الجنس صحيح أن شهوة الجنس هي أول شهوة تظهر على الانسان كونها تولد معه, أو سمه فسيولوجية إنسانيه, ولكنها لا تلازمة في الحياة ان تقدم في العمر, ولا تترك في سلوكه ما تتركه شهوتا السلطة أولا والمال ثانيا. أقول ذلك يا سيدي من مفهوم أن شهوة الجنس قد تتعرض للتشبع عند صاحبها كما أنها تفارقه عندما يتقدم في السن تدريجياً, وان لازمته فلا تتعد شهوة البصر.. ويصبح كما قال الشاعر العباس بن الأحنف( عف الضمير ولكن فاسق النظر). نأتي إلى شهوة المال فقد تتوقف أو تقل عند صاحبها متى ما وصل إلى قناعة الاكتفاء بما جمع ويكف عن متاعب طلب المال ومشاغلها ويترك الأمر لأبنه أو من ينوب. نأتي إلى شهوة السلطة فنجد أنها لا تفارق الانسان وخاصة منذ احساسه بأن خيوطها قد وصلت إليه, ونستطيع الجزم بأن من وصلت إليه السلطة تستوطنه وتحتويه وتولد فيه نهماً لا يعرف التشبع لأي سبب من الأسباب وان تقدم به السن وإن اصابه الوهن وتعددت امراضه وما أكثر الشواهد على الملوك ومن يولون السلطة, بأنهم لا يتركون مواقعهم إلا بالموت أو القتل أو الخلع.. أي أن شهوة السلطة هي التي تظل ملازمة للانسان منذ أن يشعر بها إلى أن يموت, وهي التي لا تتناقص بل تتنامى, ولا ننسى أن شهوة السلطة هي مفسدة وعلى أكثر من جانب ومجال سلوكي.. انتهى ما كنت اتمنى قوله لأفلاطون العظيم وتبقى شيء مما أريد قوله للقارئ العزيز وهو, أن في القرآن الكريم ما يؤكد ما أرمي إليه وهو أن الملك الذي يعطى بالمشيئة لا يفارق صاحبه إلا بالنزع (تعطى الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء) أي ان السلطة تنزع من صاحبها كنزع الروح أي بدون اختيار, وتأملوا كم من ذوي السلطة وخاصة في محيطنا من لا تفارقه شهوة السلطة وان فقد قدراته العقلية وصحته البدنية, وأن من ارباب السلطة من لا يتركها إلا مقتولاً أو مخلوعاً أو محكوماً بنظام وقانون ولاية محددة, ومع ذلك لا يتقبلون الأمر بطيب خاطر وهذا ما فطن إليه الاميريكيون حيث يضعون لكل رئيس خرج من السلطة فترة علاج وتهيئة نفسية حتى يتقبل خسارة وفقدان ما تعود عليه من نفوز وتميز. بقى أن نشير إلى ما ذكرناه آنفاً وهو أن شهوة السلطة مفسدة كبيرة تتفرع على كثير من جوانب السلوك الانساني ومنها على سبيل المثال: إن السلطة ما أن يتعزز نفوذها في يد صاحبها حتى تشعل فيه شهوة التسلط والتميز وتذكي فيه الضيق من قول الحق وتقبل النقد وإن لم يكن مراً وتحبب إلى صاحبها أصوات النفاق وتزلف وتقرب المنافقين.. وتمتد مفاسدها حتى تشمل اقاربه وخاصته. والسلطة بصفة عامة هي مفسدة ولا تصيب الحاكم الفرد أو الدكتاتور وحده بل والجماعة أيضاً كما هي شأن سلطة الحزب الواحد وهي مفسدة ليس في الأنظمة الثيوقراطية والدكتاتورية فقط, وبل وفي الأنظمة الديمقراطية, فإذا لم يجد الرئيس أو المجلس من يحاسبه ويراقبه تصرف تصرف المتسلط وأن كان في بلد ديمقراطي وأقرب شاهد على ذلك ما يفعله الرئيس الأمريكي ترامب, إزاء تصرفات وجرائم ملوك وأمراء النفط الخليجي وكيف يتعامل مع جريمة قتل الصحافي خاشقجي حتى مع الكونجرس ووكالة الاستخبارات الامريكية ويكفي أن واحدة من كبريات الصحف الامريكية قالت عنه (لقد فضل محفظته على مبادئ أمته) ألستم معي أن السلطة هي الشهوة الأولى والأقوى.