االعادل، هو من ينصف الناس من الناس، والاعدل منه هو من ينصف الناس من انفسهم، اما الاعدل من هذا وذاك فهو من ينصف نفسه من نفسه. نعرف كيف يكون العدل بانصاف الناس من الناس، وكيف يمكن ان ننصف الانسان من نفسه، فكيف ننصف انفسنا من ظلم انفسنا أو كيف ينصف الانسان نفسه من نفسه؟! سؤال على قدر من الاهمية، ولاننا نراه كذلك فلن ندعي المقدرة على الاجابة الكاملة عليه.. ولكن سندعوكم -اعزاءنا- للتفكير معنا في كيفية العدل بانصاف انفسنا من انفسنا. اذن فمن المفيد ان تكون البداية مما نصحنا به الرسول الخاتم ومتمم مكارم الاخلاق عندما قال: «ان لنفسك عليك حق»، وهذا ما يقودنا الى التساؤل، وما حق النفس على صاحبها؟ وهل يتساوى مع حقه عليها؟! ما نراه ان من حق النفس على صاحبها الا يجعل من جسده سجناً لها وهذا ما تناولناه في حديث سابق- الا يُفرط في ترويض نفسه على الابتعاد والحرمان مما فُطرت عليه، من رغبات ومتع غريزية ومكتسبة، بل على المرء منح نفسه حقها من المتع في اطار فضيلة الاعتدال، بما يساعدها على التوازن والابتعاد عن الاختلال النفسي، وما يكسبها صفات النفس السوية الجميلة. ومن عدل الانسان لانصاف نفسه من نفسه ان يكون عادلاً وهو يكبح جماحها في ارضاء شهواتها خاصة اذا ما نظرنا الى شهوات ثلاث قال افلاطون العظيم بتحكمها في النفس البشرية وهي: شهوة الجنس، شهوة المال، شهوة السلطة، واذا ما كان الانسان سيفكر بثلاثة اشياء هي: المرأة، المال، السلطة، فإن اقوى الرجال واشجعهم من ينجح في هذا الاختبار، بسيطرته على نفسه وعدم انجراره وراء ما يجره نحو ما يخرج به من دائرة التوازن، الى الاستسلام لعدم الاتزان. ومن عدل الانسان لانصاف نفسه من نفسه الاَّ يلغي دور عقله في السيطرة على عواطفه، وان يكون عقله هو المسيطر على عواطفه الدينية والسياسية والاجتماعية كعاطفة الأبوة والاخوة والصداقة......الخ. فالغاء العقل او دوره الحازم في السيطرة على هذه العواطف الانسانية هو المرض النفسي الناتج عن الاختلال القائم بين العقل والعاطفة، او ما نسميه بالجنون، وكثير ما نرى الانسياق وراء العواطف والشهوات يقود صاحبه الى ما يفوق حالات الجنون. وهو يقوم على حماقة او عمل طائش، او تصرف في غاية البشاعة والتهور. كل انسياق وراء رغبات النفس المتهورة او الخارجة عن نطاق سيطرة العقل قد تكون له لذته المؤقتة. ولكنه لا شك متبوع بالألم. وبما يندرج في اطار جنون اختلال التوازن النفسي، لهذا فمن العدل ان ينصف الانسان نفسه من نفسه والا يكون عدواً لها. ان لنفسك عليك حقاً، ولك بالمقابل حق عليها.. فلتكن عادلاً مع نفسك أو في انصاف نفسك من نفسك، فكن جميلاً وأن تحقق هذا العدل الذي لا يقدر عليه الا من كان سوياً في انسجامه الداخلي, وكان عوناً لعقله في المحافظة الدائمة على هذا الانسجام والتوازن, حتى في حالات الغضب وغيرها من الانفعالات العاطفية.